الدستور
22-9-2010
تعتعة الدستور
“.. بـَـلـَى، لكلِّ شىءٍ نهاية، ومعناها بالإنجليزية end!”
كدت أتراجع عن تفاؤلى المؤلم، اعترفت مرارا أنه أصبح أقرب إلى المرض بسبب بعده الشديد عن الواقع، ولكن كيف يكون التفاؤل مؤلما بعكس الشائع من أنه مرتبط بالأمل؟ المفروض أن الأمل يـُطمئن ويصبّر صاحبه على ما هو فيه انتظارا لتحقق ما لاح له من غدٍ أطيب وأجمل؟ حالتى تقول العكس: التفاؤل يؤلمنى فعلا، ربما لأننى أربط بين التفاؤل وبين حمل مسئولية الإسهام فورا فى البدء فى تحقيق ما يعلنه، وأحاول، وأفشل، فأحاول، ويتفاقم الألم، ولا يتزحزح التفاؤل، فتزيد المحاولة، فافشل، فأتألم، وأواصل، فيعايرونى أننى أفشل لأننى أكتفى بالحل الفردى، فأذكرهم بأننى: “سوف آتيه يوم القيامة فردا، وهو أعلم بجهدى وحدودى، وأنها البداية، إليه، فإليهم،…وبالعكس”، لكننى أنتبه إلى أنه “دفاع ضعيف!! “لا يكفى”.
عاجز أنا عن كتابة تعتعة اليوم، كل ما يخطر لى يهز تفاؤلى، رجعت إلى صحف اليوم (الجمعة 17 الجارى) وإذا بى أفزع من خبرين: أحدهما انتخاباتى داخلى، والآخر مفاوضاتى شرم شيخِي قـُدسى، واحد منهما يكفى أن يصيب أى تفاؤل فى مقتل مهما بلغ عنفوانه، فما بالك بالاثنين؟!!
نبدأ بالخبر الأول:
فى الصحيفة الرسمية الأولى “الأهرام”: طالعتنى تصريحات الأمين العام للحزب الوطنى وهو يرحب بمشاركة المعارضة فى الانتخابات، وصلنى الخبر على أنه إعلانٌ عن فرحة الجهات الرسمية وليس فقط الحزب (هل هناك فرق؟!!) بأن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات التى يقودها فريق البرادعى ومن ينهج نهجه، قد فشلت، ذلك أن العنوان يقول: “الأحزاب السياسية والمحظورة تخوض الانتخابات، وتشيد بتجاوب الوطنى”، أى والله، وتحت العنوان تصريحات الأمين العام بأنه: “دعا جميع الجهات المعنية، بتوفير الضمانات التى تكفل تعزيز الثقة فى العملية الانتخابية”!!، (أكثر الله خيره!!) وتكملة الخبر: أن عددا من مسئولى أحزاب المعارضة الطيبين اعتبروه تجاوبا طيبا من الحزب الوطنى (الطيبون للطيبين!) ثم إنه حتى “المحظورة” (حسب الخبر بالنص!) رحّبت بالخبر، حتى أن أحد مسئوليها صرّح بشكل غير رسمى (خلّ بالك: “غير رسمى”! لأنها ما زالت محظورة!! الاحتياط واجب!) بأنها سوف تدخل الانتخابات بمائتى مرشح بالسلامة…إلخ
بالله عليكم: أليس مرضا مستعصيا أن أظل متفائلا بعد ذلك؟ سمعت أنه يوجد علاج لمثلى اسمه “الديمقراطية” – حتى بوضعها المهترئ الحالى- حيث أنها تقرّب الآمال من الواقع، فلا تعود مرضا: ألم تعدّل الدستور فى تركيا منذ أيام، وتبعد وصاية العسكر بعد عشرات السنين؟ فإن شاء الله، بإذن الله، سوف تصل إلينا بفضل دعاء الوالدين، (وربما أيضا: بلعب هوايات الأولاد والأحفاد السياسية) لا شىء يكثر على الله الشافى.
الخبر الثانى ينقلنى من واشنطون، إلى شرم الشيخ فالقدس، قلت خيرا، أحاول قراءة التفاصيل، فإذا بذاكرتى قد لصق بها الخبر الأول، فأقرأ الثانى اختصارا وتعديلا كأنه هو هو، هكذا:
“صرح الأمين العام للحزب الصهيونى الوطنى الأمريكى المالى الكانيبالى، أنه دعى الجهات المعنية لتوفيرالضمانات التى تكفل الثقة فى العملية التفاوضية، حتى يطمئن الشعب الإسرائيلى على الاستيلاء على كل الأرض، ويطمئن الشعب الفلسطينى على أنه مسموح له أن يعيش فوقها بعض الوقت، وبذلك يتحقق “حل الدولتين”: دولة تملك الأرض، ودولة يسمح لأهلها بالتواجد عليها أحيانا (“حق الرقبة” لإسرائيل، و”حق المنفعة” المشروط لفلول الفلسطينيين، إلى أن يهاجروا) من كلٍّ حسب نيـّته، وإلى كلٍّ حسب جبروته.”
اجتمع هول الحقيقة مع سخرية التعديل إيجازا، فلاحت لى بوادر الشفاء من تفاؤلى المزمن، وإذا بى أجد أن احتمال الشفاء إنما يدفعنى نحو مستنقع اليأس، فأتذكر تحذيرى المتكرر من أن اليأس هو رفاهية العاجز، وقد لاحت لى هذه الرفاهية حالا وهى تملأ المستنقع بنفايات السخط والعدم التى تتفاعل فى دهننة آسنة عفنة، تطفو على سطحها فقاقيع ذات رائحة بشعة ناتجة من تخثر الوقفات الاحتجاجية ونعيب الصحافة الشتامة، وصرخات الاستنقاذ الفئوية..إلخ فكدت أختنق، ورحت أستغيث بأعلى وعيى، فيأتينى صوت شيخى (محفوظ) من ملحمة الحرافيش يقول:
“لا دائم إلا الحركة، هى الألم والسرور، عندما تخضر من جديد الورقة، عندما تنبت الزهرة، عندما تنضج الثمرة، تمحى من الذاكرة سفعة البرد وزلزلة الشتاء…”
فأقبـّل يده، وأرضى أن أنتكس إلى مسئولية التفاؤل مهما بلغت آلامه، وتلوح لى آخر سطور (بنفس الرسم: إنجليزى – عربى)، فى روايته “زقاق المدق”(1947)، على لسان الشيخ درويش وهو “يوحوح” لست الستات، قاضية الحاجات:
:… “أليس لكل شىء نهاية؟!..
فيرد على نفسه:
“بـَـلـَى!، لكلِّ شىءٍ نهاية “،
ومعناها بالإنجليزية: end وتهجيتها: e n d “