نشرت فى الدستور
27-12-2006
انتهاء مدة صلاحية الديمقراطية الأمريكية (بالإنابة)
انتهت مدة صلاحية الديمقراطية بالنيابة منذ زمن ليس قصيرا، ومثل أى دواء أو غذاء ينتهى مدة صلاحيته، يصبح استعمال غير ذى فائدة، وفى كثير من الأحيان يصبح استعماله ضارا أو خطرا، ومع ذلك، ولعدم وجود بديل إلا ديكتايورية الفرد أو الثيوقراطية (حكم المؤسسة الدينية) أو حكم الحزب الواحد، ولأن كل هذه البدائل ألعن والعياذ بالله، فقد امتدت مدة استعمال هذه الديمقراطية بشكل قهرى ولا حول ولا قوة إلا بالله. استعمال دواء أو أكل غذاء أو اتباع نظام انتهى مدة صلاحيته أو ثبت فشله قد يكون اضطراراً منقذا برغم خطورته، أمّا أن نقلب هذا الاستعمال الضرورة إلى حتمية أبدية، ثم نضيف إليه تقديسا غبيا، فهذا ما راح كثيرون – وأنا منهم – ينبهون إليه المرة تلو الأخرى. حين أرجع وأكرر مقولة شيخنا نجيب محفوظ أنها مادامت هى أحسن الأسوء فهى الأحسن أسارع بإضافة (مؤقتا، حتى إشعار آخر),
تعريف الديمقراطية وعلاقتها بالحرية يحتاج إلى مراجعة، وهى مراجعة جارية فعلا نظريا وإلى درجة أقل عمليا، البحث عن بديل لهذه الديمقراطية التى شاخت وباخت جارٍ على قدم وساق، يبدأ البحث عن بديل – مثل كل بحث عن بديل فى الحب والزواج – بنقد الحاضر حتى الرفض، ثم يا ترى. بمجرد أن تلمِّح إلى عيوب الديمقراطية الحالية فى بلد مختلف – مثلنا ولا مؤاخذة – يتلمظ أعداؤها الحقيقيون فرحون بما هم فيه، شامتون بما أنت فيه، ولسان حالهم يقول ” إنت اللى قلت انها وحشة، يبقى تحمد ربنا اننا عَلَى نَفَسَكْ”!! تسمع هذا الكلام من هنا، فتقفز فى حضن الست كونداليزا رايس، رفيقة درب (إياك أن تنسى درب هذه) السيد دبليو، ولا يهمك الدم المراق فى العراق، ولا الأشلاء المتناثرة فى فلسطين، ولا الكهوف المغلقة فى أفغانستان، ولا النكسة البوليسية فى أمريكا نفسها، ثم عليك – إذن – أن تضرب تعظيم سلام للمعروض فى السوق من نوع الديمقراطية الحالية بغض النظر عن الضرر و الخطر والخداع والتمويه والتضليل.
قلت أن البحث عن بديل جار على قدم وساق، لأن أى عاقل لا يمكن أن يرضى أن يستمر الحال على ما هو عليه والمتظلم يلجأ لما هو ألعن. البديل كان يتستحب فى السنوات الأخيرة بخطى عملاقة ومع ذلك فلم يظهر هلاله للبعض إلا مؤخرا فى مجلة تايم يوم الأثنين الماضى، حين اختارت المجلة “الشخص العادى” ممثلا فى القارئ العادى ليكون شخصيته عام 2006، وذلك بناء على ما ورد من ردود على اقتراحات، ردا على تساؤلات المجلة عمن تكون شخصية عام 2006، فى تبريره لهذا الاختيار يقول ريتشاد ستنجل رئيس تحرير المجلة “.. أصبح هناك ما يشبه الديمقراطية العالمية على الشبكة العنكبوتية، حيث يستطيع كل شخص المشاركة برأيه …. إلخ، إلى أن قال “.. عن طريق الانترنت استطاع مستخدم الانترنت أن يحدث إيجاد نوع من التوازن مع وسائل الاعلام التقليدية التى قد تتسم معظها بالتحيز”.
فى برنامج على قناة النيل الثقافية عن “ماذا حدث للمصريين” مؤخرا، كما فى مؤتمر أدباء مصر فى سوهاج نَّبهت إلى هذه الحقيقة، وأننا – البشر – على وشك أن نستعيد تدريجيا حقنا فى التواصل المباشر بأقل قدر من الوصاية، فثار اعتراض عن نسبة مستعملى الانترنت مقارنة بغيرهم، وهو اعتراض فى محله وجاء ردّى على ذلك بالتذكرة بأن النسبة تتضاعف باضطراد، وأن الإيجابيات التى سيحققها المتواصلون – وهم أقلية – فيما بينهم مباشرة سوف تنعكس تلقائيا – بقوانين الإبداع المجتمعى – على سائر الناس حتى لو كانوا أقلية (يكفى الأغلبية، يكفى أن تتم مغنطة 10 % “وليس 51 %”) من نشارة حديد أن حتى تنظيم بقية النشارة غير الممغنطة فى مجال متسق رائع).
أما شرح هذه الحقيقة، وعلاقتها بديمقراطية أثينا المباشرة، واقتراحات هيراركية اتخاذ القرارات، وكيفية الاتصالات بين مستويات هذه القرارات، وحساب مسئولية كل من شارك فى اتخاذ القرار فى تحمل عبء نتائجه، وكيفية انضباط المرتجع، وتسلسل المتابعة المشتبكية أيضا، فكل هذا يحتاج إلى مائة “تفصيل” و”مراجعة” أرجو أن تسمح تعتعات تالية بتوضيح بعضها.