نشرت فى الدستور
30/7/1997
المصريون أهمّه
يبدو أن كلمة “أهُمّة” لها أصل خفى، فـلعلها إضغام من كلمتين: آه هُمّ !!.
كلما ذهبت إلى بلد عربى أو أوروبى أحببت مصر أكثر، وتجنبت المصريين هناك أكثر، وهذا عيب لا حل له حتى قالت لى زوجتى فى إحدى هذه الرحلات كيف تزعم حب مصر ثم تكره المصريين هكذا، وكلما حاولت أن أشرح لها أن ثمة فرقا بين التجنب والكراهية، قالت لى ” ولو”، فأمضى فى التفسير أو التبرير: المسألة كما أتصور – أو كما أبرر- هى أننى أسافر لأختلط بالآخر، المختلف، المثير، لا لأكرر نفسى بأن أراها فى مرآة عندى منها الآلاف فى بلدى، وإلا فلماذا السفر؟ نعم أحب مصر وأتجنب المصريين فى الخارج (ليس تماما قياسا على المثل القائل: أحب الناس و أكره طبعهم) وحين كنت فى مهمتى العلمية فى باريس، سكنت وحدى قرب المونمارتر دون سائر زملائى الذين تجمعوا قرب عملهم ودراستهم فى الحى اللاتينى، فراحوا يحسنون لغتهم المصرية، ويؤكدون نكاتنا التى هى، إلخ، أما أنا فرحت أتهته بالفرنسية حتى فتح الله على بما جعلهم يظنون أننى آخذ دروسا خاصة بشكل خاص، مما يستأهل حقدا ما على أن تجنبى للمصريين فى الخارج لا يشمل عمالنا على أدنى سلم العمالة، فأنا لا أقترب منهم فحسب، وإنما أجالسهم وأحاورهم وأسائلهم، بل أتقمصهم وأنا أتمزق، ولم أفهم حجم ألمى ولا حقيقة معاناتهم/ معاناتى، إلا وأنا أقرأ رواية مراعى القتل” لفتحى إمبابى”.
يسافر عمالنا بطريقة مشروعة أو غير ذلك، بعقد مسبق أو بما يسمونه طرزان، وهو تشبيه رائع يعنى كيف يمسك عاملنا المصرى بذيل الطائرة لتلقى به فى بلاد الله لخلق العرب، كيفما اتفق، ثم يرى بماذا تعلق أو أين هوى، وعند من: إلى صحراء الرفض، أو بين مخالب الوحوش أو فى حضن متصدق. فإذا نحيت السعودية والخليج وليبيا جانبا باعتبارها بلاد النفط الثرية مما يبرر عدم اشتغال المواطنين من أهلها – إن وجدوا- بالأعمال إياها، فلماذا نجد نفس الحكاية فى الأردن ولبنان؟ هل الأردن بلد نفطى حتى تعطى عاملنا أكثر، مما يغريه بالهجرة المشروعة أو الطرزانية، ومما يجعله يحتمل المهانة والتحقير؟ هل يأخذ الأردن أو لبنان معونة أمريكية أكبر منا، فيعطون عمالنا مما أعطاهم كلينتون بتوصية رابين أو بيريز؟ إن الأردنى لا يقبل أن يعمل زبالا يجمع القمامة من البيوت فى بلده، وحين كان يضطر إلى ذلك كان يتعمد أن ينهى عمله قبل طلوع الشمس حتى لا يراه أحد من معارفه فيعايره، أو من أهله فيستعر منه، ثم جاء العامل المصرى ليحل له هذا الإشكال، فيقوم بعمل الزبال، والحمال، وغاسل العربات، والتباع، وعامل المجارى، ولحام الكاوتش، وخادم المنزل.
(لم أقترب من منطقة موازية وهى: ماذا يعمل العامل الفلسطينى - وربما المصرى- فى إسرائيل، وبـكم؟!!)
ومن باب تمارين التعتعة – اقتصاديا- هو ألا تصدق الأرقام الحكومية، أو شهادات صندوق النقد الدولى دون أن تسأل عن موقع مواطنينا على سلم أنواع العمل (إن وجد) ثم عن المرتبات، عن مساحة المسكن (إن وجد) وثمن الدواء (إن وجد)، ثم تعرف هل اقتصادنا كما يقولون، أم أنه كما يعلن عمالنا (المهاجرون والمقيمون) بشغلهم أدنى الوظائف مع أقصى المهانة.