نشرت فى الدستور
28-9-2005
المخ البشرى يفهم غصباً عنك!!
خاطبتنى احدى المذيعات الفاضلات من قناة فضائية مصرية قطاع خاص، وطلبت منى أن أساهم هاتفيا فى بعض ما ينفع الطلبة بمناسبة بداية العام الدراسى الجديد. مازلت أذكر آثار مشاركتى فى برنامج فى إذاعة الشرق الأوسط باسم تذكرة نجاح عام 1974 ، الأمر الذى أدى دورا لم أكن أتوقعه حتى أن رجالا ونساء حول الخمسين، يذكرونى به بين الحين والحين حتى أيامنا هذه. كانت كلماتى (خمس دقائق) تنتهى كل يوم بأنه “إعمل إللى عليك دلوقتى، وسيب النتيجة على الله”.كنت على ما أذكر أحاول أن أوقف هذا الانشغال المشَتِّتْ حول تصور عدم التركيز وضعف الذاكرة: أنبه أن كل ما على الطالب، وعلينا، هو “ملء الآن” بما ينبغى لا أكثر، لم أكن أدرك أننى أشير إلى كفاءة المخ البشرى وقدراته الرائعة على الأداء السليم بمجرد أن تتاح له الفرصة الحقيقية.
دق جرس التليفون من الفضائية وسمعت طرفا من الحديث وكان الضيف ينصح الطلبة بضرورة التركيز للفهم دون الحفظ (كان يقصد دون الصمّ). برغم ما فى هذا القول من صواب، شعرت أن ثمة مبالغة قد تفهم خطأ، حاولت أن أفهم المذيعة والزميل أن الفهم أسهل للمخ السليم من عدم الفهم،حاولت أن أبين كيف أن المخ البشرى يفهم غصباً عنا مهما حاولنا إعفاءه من الفهم، حاولت أن أنفى الأوهام التى تؤكد ضرورة أن يكون التركيز والفهم من أعمال الإرادة الواجب توافرها بوضوح أثناء أو قبل الاستذكار، إن المعلومات المنظمة تنساب إلى المخ وتبقى حتى لو تصورنا أننا لا نركز ولا نفهمها، إن توزيع الطاقة فى استجلاب إرادة التركيز وإرادة الفهم قسراً وقَبْلاً، قد يشتت هذه الطاقة ويجعل المخ فى انشغال بالتجهيز والتشكيك، بدلا من التهيؤ والتفرغ لتلقى المعلومات المرتبة بتلقائية طبيعية.
قلت لهما إن المهم هو الأداء المنتظم فى الاستذكار لمدة أربع ساعات يوميا – مثلا – من كتاب واضح، مكتوب بلغة سليمة، قد يشرحه مدرس منظم. ثم إن نفس هذا المخ هو الذى سيرتب الإجابة ويستعيد المعلومات تلقائيا أثناء الامتحان، لو أحسنّا تشغيله دون تشكيك وإضاعة الوقت فى تسأولات وتوصيات حول مسائل التركيز والذاكرة.
اعترض أو دهش الزميل المقدم بذوق وأدب، وشكرنى على مداخلتى وكأننى الذى طلبت، فاعترضت، وأعلنت أنهم هم الذين طلبونى، ضحكت المذيعة وشكرنى الزميل، وعرفت بعد ذلك أنهما كانا من الأمانة بحيث تركوا اعتراضى على الهواء ليعاد كما هو لاحقا.