نشرت فى الدستور
3-8-2005
المجنون لا يفعل مثل هذا !!!
ما أسهل أن يوصف أحد الطغاة بالجنون، ما أكثر أن نتعجب من تمادى سفاح فى القتل المضطرد فنصفه بالجنون، هذا نوع من الجهل بماهية الجنون وغائيته، فضلا عن أنه نوع من تبرير القهر والقتل باعتبار أنه إذا صح أنه قد ارتكب جريمته حالة كونه مجنونا فهو غير مسئول غالبا، كذلك الطاغى القاهر الظالم إذا نعناه بالجنون فنحن نرحمه بهذا الوصف الذى لا يستحقه.
هذا الوصف بالجنون هو تبرير أكثر منه تفسيراً فضلا عما به من إهانة للمريض النفسى. المجرم مجرم، والقاهر طاغ دموى، والسفاح قاتل أثيم، لا أكثر ولا أقل.
أغلب الإحصاءات تقول إن نسبة عدد الجرائم التى يرتكبها المرضى العقليين ليس أكثر من نسبة عدد الجرائم التى يرتكبها العاديون، قد تكون نوع جرائم المجانين أكثر غرابة، لكن هذا لا يبرر أن تكون غرابة الجريمة فى ذاتها ذريعة لاعتبار أنها من فعل مجنون.
الجارى على مستوى العالم حاليا فيما يسمى “الإرهاب”، وآخر حلقاته مجزرة شرم الشيخ، هو ظاهرة أصبحت غامضة لدرجة الربكة مما أدى إلى أخطاء فادحة فى تفسيرها، وحيرة بالغة إزاء فهمها (انظر ركن التعتعة السياسية) النتيجة هى أننا أمام ظاهرة “فوضى سلوكية” أصبحت ” مآزقاً وجودياً”.
وليست كل فوضى جنونا.
لا يصح أن نطلق لفظ الجنون على كل ما لا نفهمه، كان أستاذنا أ.د. مصطفى زيور يعلمنا كيف أن فى الجنون عقلا، وحين ذهب كارل باسبرر (الطبيب النفسى الذى أصبح فيلسوفا) إلى القول بتشخيص الفصام إذا ما عجزنا عن فهم غائية أعراض المرض العقلى، كان يصف مرحلة باكرة من المعرفة فى الطب النفسى، تم تجاوزها حاليا. إن الطبيب النفسى الحاذق يستطيع أن يؤلف بين الأعراض المتناثرة ليفهم ما تقوله احتجاجا أو ثورة مجهضة، لقد أصبحنا نفهم ما يقوله الفصامى بأعراضه وكأننا نقوم بنقد “النص البشرى” مثلما يفعل الناقد الأدبى الحاذق مع قصيدة النثر.
دعونا نحترم الفوضى والجنون، لنتخاطب معها لتصبح إبداعا.
وفى نفس الوقت دعونا نحمّل المجرم والقاهر والقاتل الرسمى خاصة وهو يقتل بالجملة، نحمّله مسئولية أفعاله دون أن نكرم أيا من هؤلاء بوصفهم بالجنون.
“ليحيا من حى عن بنيه، ويهلك من هلك عن بنيه”.