نشرت فى الدستور
13/8/1997
المال والكرامة والسياسة
حين كتبت فى العدد الماضى أوصى بأن تدفع الدول العربية الثرية ما تدفعه إسرائيل - إذلالا وامتهانا- لعمالنا الفلسطينيين، لحين أن نبنى لهم مصانعهم، وحين أوصيت أن تسلح الدول العربية الثرية أبناء وجيوش الدول العربية الفقيرة، دون إقراض أو مساومة أو تأجيل أو معايرة، إتهمنى بعض الأصدقاء، وربما القراء، أننى أخرف مثل مرضاى، لذلك لزم التوضيح:
ذلك أننى تصورت أن أعظم ما يوظف فيه المال – مال الله- هو أن يحافظ على كرامة البشر- خلق الله- حكاما وشعوبا، ولحسن ظنى بحكام البلاد العربية الثرية (بارك الله فيما أعطاهم) تصورت أنهم يشعرون بما أشعر به كلما أغلق نيتانياهو الباب أمام صف عمالنا الفلسطينين المرصوصين أمام نقاط التفتيش ينتظرون الإذن ليدخلوا يبنون المستوطنات فى أرض آبائهم لحساب الأسياد الإسرائيليين، ونفس الشعوركلما استعمل كلينتون حق الفيتو..، وأيضاً كلما شجبنا واستنكرنا، أشعر بما لا يطاق ولا يحكى وأنا أمسح بصقات نتانياهو من على وجهى، وأنا أتحسس موقع ركلات فيتو كلينتون على مؤخرتى، وأنا أتجمع حتى أصير مثل أحدب ابن الرومى (وكأنه صفعت قفاه مرة، وأحس ثانية لها فتجمعا) فأدفس رأسى فى ظهرى حتى تختفى رقبتى وأنا أتقى الصفعة تلو الصفعة، كل هذا وليس عندى- شخصيا- ما أرد به، قال ماذا؟ سوى الاستغراق فى العمل، وتعتعة الناس، لعل وعسى، وهذا “هرب حضارى” مشكوك فى جدواه فى المدى القريب، فتصورت أن سادتى وتاج رأسى حكام بلادنا الثرية يشعرون بما أشعر به وأكثر وبما أنه قد أشيع أننا أعجز من أن نحارب، إلا أنه لم يثبت بعد أننا أفقر من أن نشترى كرامتنا، فاقترحت ما اقترحت. وهى ليست اقتراحات بعيدة عن تراثنا الشعبى أو الشعرى، فالمثل يقول ” هين قرشك ولا تهين نفسك “، وصديقى الميكانيكى الفصيح حور شعر البارودى – ولا مؤاخذة- إلى أنه: “خلقت عيوفا لا أرى لابن قحـبة “، علىّ يداً أغـضى لها حين يغضب”، وليست اقتراحاتى بعيدة عن مغزى الموال الذى يقول: “الله يلعنك يا زمان وأنت بقيت بالهم، والكلب لما حكم قاله الأسد يا عم”، فمن الذى جعل الكلب يحكم ويتحكم؟ يعطى ويمنع؟ يذل ويذل؟ (فهولا يعز أحدا!) ليست كامب ديفيد يا سادة يا كرام، ليست مدريد أو أوسلو أو كوبنهاجن، إنه غباء العناد، وزيف الفخر(48)، ثم كذب أوهام النصر (56)، والإنسحاب تلو الانسحاب (56-67)، وعدم تسليح الجيش المصرى بأموال الأثرياء العرب دون مقابل، ثم حرب الخليج الأولى فالثانية، ووضع نقودنا فى بنوكهم، وموائد القمار، وليالى الأنس، وفتور العمل، وفساد السلطة الفلسطينية وغير الفلسطينية، وقصورهم الباذخة، وحساباتهم الخاصة، كل ذلك هو الذى رصّ عمآلنا على منافذهم ينتظرون السماح بالدخول ليبنوا مستوطناتهم فى أرضنا، ثم نشجب ونعزى ونستنكر!!
وبدون أن نصرف قروشنا فى الحفاظ على كرامتنا، بالإنتاج والسلاح والإبداع، بكل أنواع الحروب الحضارية والعسكرية طول الوقت، قولوا معى: ملعون أبو القرش الذى لا يحرر صاحبه (أصل المثل: إلـلى ما ينـزه صاحبه) قال ينزه قال، ينزه ماذا، وأنوفنا فى التراب، وتقولون رفاهية الشعب الفلسطينى؟ كذا بالله عليكم؟ يا عم روح!!.