الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الله: فى الأثنى عشرة خطوة

الله: فى الأثنى عشرة خطوة

“يوميا” الإنسان والتطور

12-5-2008

العدد: 255

سلسلة ممتدة

عن الإدمان والإيمان (1 من ؟؟؟)

الله: فى الأثنى عشرة خطوة

(ليس موضوعا فى الدين والإيمان

   إلا بمقدار علاقتة بالإدمان)

غدر الزمان يا قلبى ما لهوش أمان

وحاييجى يوم تحتاج لحبّة إيمان

قلبى ارتجف وسألنى .. أَأَمٍنْ بإيه؟

أَأَمن بإيه محتار بقالى زمان

صلاح جاهين

* * *

* ملحوظة بادئة:

لست متحمسا لبرنامج الاثنى عشر خطوة لعلاج المدمنين وغيرهم، بل إننى أغار منه، وأحقد عليه أحيانا حقدا مفيدا، لأنى أعتبره أقل مما فى دينى أو أى دين، كما أنزله الله.

كما أننى لست ممارسا فعليا لهذه الخطوات،

وعلى كل من يتابع هذه السلسلة أن يذكر هذه الملحوظة البادئة طول الوقت قبل أن يترجم ما سوف أقدمه إلى ما شاء.

استهلال

بطيبة شديدة، حتى لو بدا فى ذلك بعض التجاوز، كنت أسمع بعض أولاد البلد، وأحيانا بعض أصدقائى الفلاحين يدعون الله أو يخاطبونه بأنه – سبحانه –  ربهم وحدهم، وذلك من خلال قولهم مثلا “يا رب يا بتاع المسلمين بس”، وأحيانا “يا رب يا بتاع المسلمين والكفرة لأ” وأحيانا يحل اسم جماعة أخرى بدلا من “الكفرة”، وكنت أناقش بعضهم مداعبا أو مصححا أن الله سبحانه “بتاع كل الناس” حتى الكفرة ولم يكن يعترض أحدهم عادة – بل إن أغلبهم يقول “ما احنا عارفين، وقال لى ظريف منهم ذات مرّة حين سألته عن سبب هذا التخصيص فقال: “عشان يركزّ معانا”، وهو أيضا لم يعترض حين ناقشته أن الله سبحانه لا يحتاج أن يركز مع هؤلاء دون أولئك، فهو مع كل واحد كل الوقت.

نحن – من كل ملة ودين – نستعمل كلمة “الله”، “وربنا” بسهولة وتواتر بغض النظر عن نوع ديننا، حتى أولئك الذين تصوروا أنهم لا دين لهم، أو أنهم استغنوا عن الدين بشكله السائد على الأقل، هم يستعملون لفظ الجلالة بطيبة وعشم وصدق حقيقيين، يحدث ذلك مثلا حين يقول أحد الملحدين (أو من يتصور أنه كذلك) “ربنا يسهل”، كله على الله، “الله كريم”، “ربنا معاك” … الخ.

كدت أعنون هذه السلسلة بعنوان مستلهم من هذه العادة الشعبية، عنوان يقول “الله، بتاع المدمنين” وذلك حين لاحظت تكرار تواتر ذكره سبحانه فى الخطوات الاثنى عشر، كما سيرد ذكره، لكننى عدلت، مع أن الفكرة الأساسية هى أن فاعلية استعمال هذا التناول العام لاستعمال القدرة الإلهية عونا فى العلاج يكشف بعض الفروض والتساؤلات حول الإدمان وعلاجه.

الفروض :

  • ثقافة الادمان دين زائف، لكنه مثل كثير مما أدى إليه سوء فهم واستعمال بعض الأديان.
  • ثقافة الروحانية العلاجية هى دين بديل له عمومية أرحب، وعليه تحفظات لو أنه حل محل الإيمان كله، أو الأديان النقية.
  • ثقافة التأهيل والتعافى (خاصة الاثنى عشر خطوة) هى دين تصحيحى له طقوسه ورجاله وإيجابياته وأيضا قصوره ومآخذه.

فما العمل؟

التساؤلات

  • هل نتجنب تناول كل ذلك بوضوح وصراحة خوفا من الحديث بلغة دينية يحوطها احتمال سوء الفهم أو سوء التأويل؟
  • هل نترجم بعض ذلك إلى أصوله التاريخية والآنية للدين والإيمان، مغامرين بتلقى هجوم الفهم الناقص والتعصب الأعمى؟
  • هل نغمض أعيننا عن حقيقة العلاقة بين ما يجرى وبين جذوره فنحرم أنفسنا من الاستفادة من التجارب العملية فى حقل معرفة طبيعة الإدمان وعلاجه فى تصحيح موقفنا من الدين والإيمان؟

هذه هى إشكالات هذه المداخلة الممتدة، فانتبهوا.

الخطوات الإثنى عشر

فى برنامج علاج المدمنين الأشهر (الاثنى عشر خطوة) وقد انتشر عبر العالم بما فى ذلك مصر(1) يأتى ذكر الله 4 مرات باللفظ “الله” (الخطوة 3، 5، 6، 11)(2)، كما يأتى ذكره بالضمير أو بالاحالة فى الخطوة (2): “قوة أعظم”، والخطوة (7) (3): سألناه أن يخلصنا من ……..)

فى التقاليد الاثنى عشر (لا الخطوات) لزمالة المدمنين المجهولين ورد فى التقليد الثالث … “لا توجد سوى سلطة مطلقة واحدة، إله عطوف، علينا أن نسعى ليكون ضمير مجموعتنا “موافقا لمشيئته

هذا هو ما يقوله كل من ينتمى إلى نظام هذه الجماعة ويمارس هذه الخطوات مهما كان دينه الشخصى الرسمى، أو دين أهله، أو حتى لو كان بغير دين.

ثقافة الإدمان

أشرت مراراً وتكرارا إلى أن هناك ما يسمى ثقافة الادمان، وأنها ثقافة لها معالمها المحددة، وهى بكل سلبياتها تكشف لنا عن مساحة أوسع من ثقافة المجتمع الذى تظهر فيه من ناحية، ثم إنها فى تطورها – بالعلاج والتأهيل-  من جانبها السلبى (المرضى التدميرى) إلى جانبها الايجابى (التعافى الإبداعى)، قد تهدينا إلى ما يمكن أن نستلهمه منها، لصالح مسيرة البشر.

تنويعات ثقافية

نعنى بثقافة الادمان منظومة الوعى الجمعى الذى يشمل المدمنين فيصفهم، وهم يشكلونه، فى آن، هذه المنظومة تختلف من مرحلة إلى مرحلة، ومن مجموعة إلى مجموعة، فثم ثقافة مهٍّيئه للادمان، وثمة ثقافة الغوص فى الادمان، وثمة ثقافة التعافى من الادمان ….الخ.

من هنا علينا أن نتأنى ونمعن النظر فى الالفاظ والمفاهيم الشارحة لهذه الثقافة أو تلك حتى تتحدد كل من مضمونها ونبضها وغائيتها ولا تستعمل عشوائيا أو تعميما كما نستعملها فى سياق ثقافات أخرى، أو مؤسسات أخرى، ومن ذلك، دون أى حرج: استعمال لفظ الجلالة، هذا علم ودين ومسئولية.

نظرة بادئة فى الخطوات الاثنى عشر

بعد الاعتراف فى الخطوة الأولى بأن “قوة الفرد المدمن وحدها أصبحت عاجزة عن إنقاذه”، وأنه قد اصبح “غير قادر على إدارة حياته وحده” تبدأ الخطوة الثانية بأن تؤكد “..أننا توصلنا إلى الايمان بأن قوة أعظم من أنفسنا باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب”.

نلاحظ هنا أمرين:

 الأول أنه بعكس الشائع من أن المدمن علاجه يشترط استعمال الإرادة الذاتية بشكل محدد، وهذا هو ما يتواتر كثيرا فى وسائل الاعلام والدراما وهو الشائع عادة بين الأهل، نلاحظ أن ما جاء فى الخطوة الأولى من الاثنى عشر خطوة يكسر كل هذا الوهم، وهو يهز ضمناً، الغرور الإنسانى الفردى، وهو ما ساد طويلا مع غلبة النزعة الانسانية التى ازدهرت فى القرن التاسع عشر والعشرين فى مواجهه سلطة الكنيسه قبل ذلك.

بمجرد أن تقول مثل هذه الجمل “أننا بلا قوة وإن حياتنا غير قابلة للإدارة”، تقفز إليك قوتين رافضتين جاهزتين للعمل فى اتجاهين متضادين:

 الأولى السلطة الدينية الجاهزة تقول: “ما دمت غير قادر على إدارة حياتك فسوف نديرها نحن لك بالنيابة”،

 الثانية السلطة المعقلنة الحديثة: تقفز إليك تنكر عليك قولك وتنبهك إلى أنك، هكذا،  تستسلم للخرافة، وللميتافيزيقا، إذْ تتخلى عن مسئولية إنسانيتك إلخ.. الخ،

 ومع ذلك فهذه هى الخطوة الأولى فى الخطوات الإثنى عشر، وهى ناجحة من واقع الحال.

أرجوك لا تتعجل الحكم.

تأتى الخطوة الثانية لتقول “إن ثمة قوة أعظم باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب“، يلاحظ أنها لم تقل “تقوم عنا بكل العمل”، ولم تحدد ابتداءً “ما هو الصواب”، ولكن تركت الباب مفتوحاً للعون والاستعانة، وتركت الصواب يحمل كل الاحتمالات.

ثم تأتى الخطوات بعد ذلك حيث تذكر اسم الله صراحة فى بعضها.

وبالرغم مما يبدو فى هذه الخطوات من شبه “الاعتراف” المسيحى إلى درجة ما، إلا أنها ليست بعيدة عن التوبة الإسلامية، ولا عن أية بصيرة بالواقع الداخلى والخارجى فى أية منظومة أخلاقية ممتدة.

هذا الاعتراف لا ينهى الحكاية بل يبدأها،

وهو ليس اعترافا لآخر كوسيط إلى الله، ولكنه اعتراف لله ولأنفسنا “بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة”.

وهو إعتراف أقرب إلى البصيرة منه إلى إعلان ذلك بالألفاظ، وهو ليس اعترافا بالأخطاء، ولكن بطبيعة هذه الأخطاء،

كل ذلك يحرك الوعى إلى مساحة من الرحابة والعمق تسمح بمعاودة الحياة الإنسانية بما هى أهل له، لا أكثر ولا أقل.

ثم تأتى الخطوة السادسة والسابعة لتعلن الإستعداد ودرجة التسليم لهذه القوة المُعينة:

فمن ناحية تدعو “لأن يزيل الله كل هذه العيوب الشخصية (وليس فقط يغفر الأخطاء: الخطوة السادسة)، ومن ناحية ثانية أن يسهم فى التخلص من النقائص (وليس من الذنب: الخطوة السابعة).

 ثم نجد أنفسنا قرب النهاية فى الخطوة الحادية عشر، وقد شحذ الوعى (بالدعاء والتأمل.. وغيرهما)، لتحسين صلتنا الواعية بالله، مع تذكر أن تحسين الصلة، غير التسليم السلبى، ولكن تحسين الصلة يشمل اليقين بأن الأصل هو الخير، وأن مشيئة هذه القوة لنا هى الصحة، فإذا عرفنا ذلك يقينا، بفضل ما نفعل لنتعرف على فضله، فإن الأمر يحتاج إلى إستكمال الدعاء بأن يعيننا على تنفيذ هذه المشيئة، نحن الذين ننفذها

ما الحكاية بالضبط؟

هل نحن فى مقام علاج؟ أم فى كنيسة؟ أم مسجد؟ أم مستشفى؟ أم مركز تأهيل؟، لكن هذا هو الحاصل.

وقفة ضرورية:

بعيدا عن حكاية الأثنى عشر خطوة، وأيضا عن أوهام ما يسمى الميتافيزيقا التقليدية كان لابد من التوقف لنتحسس الطريق إلى التعرف على بعض معالم أو آثار هذه القوة الواقعية، الضامة غير المغتربة (البيولوجية: بمعنى الحياة Bio) التى تجمع بين البشر فى وحدة أكبر من مفرداتها لينطلقوا أحادى وجماعات إلى وحدة أكبر مما يعرفون .

كل الحقائق العلمية (التى ينكرها معظم العلماء التقليديون عادة) تقول أن الإنسان (مثل الكون) كائن ممتد فى الزمان والمكان، وأن تميزه – على قمة الهرم الحيوى فى حدود علمنا – جعله واعٍ نسبيا بهذا الامتداد، وأن هذا الامتداد هو حقيقة، بقدر ما هو مشروع، وهو طبيعة تلقائية بقدر ما هو قرار ومسئولية.

وغداً نتابع التعرف على هذا العامل الإيجابى الذى يظهر فى الممارسة الاكلينيكية، وربما نرى من خلال ماذا آل إليه سوء فهم، أو سوء استعمال الدين الرسمى بعد تسكينه.

[1] – البرنامج تطوعى تلقائى مجانى لايهدف للربح.

– عدد المتعافين المتبعين لبرنامج الإثنى عشر خطوة (20 مليون) فى العالم.

– فى مصر (19 مجموعة) و(60) اجتماع اسبوعيا.

– برنامج 12 خطوة يطبق فى كثير من بلدان العالم.

[2] – الخطوة (1) اعترفنا أننا بلا قوة تجاه إدماننا، وأن حياتنا أصبحت غير قابلة للإدارة.

     الخطوة (2) توصلنا إلى الإيمان بأن قوة أعظم من أنفسنا باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب

     الخطوة (3) إتخذنا قرارا بتوكيل إرادتنا وحياتنا لعناية الله على قدر فهمنا

    الخطوة (5) اعترفنا لله ولأنفسنا ولشخص آخر بالطبيعة الحقيقية لأخطائنا

    الخطوة (6) كنا مستعدين تماما لأن يزيل الله كل هذه العيوب الشخصية

    الخطوة (11) سعينا من خلال الدعاء والتأمل إلى تحسين صلتنا الواعية بالله على قدر فهمنا، داعين فقط لمعرفة مشيئته لنا والقوة على تنفيذها.

[3] – الخطوة (7) سألناه بتواضع أن يخلصنا من نقائصنا الشخصية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *