نشرت فى الدستور
2/4/1997
القراءة بالحواس الخمس
أتحسس أصابعى أحياناً وأنا أقرأ مقالا محترما لكاتب محترم فى أهرام الأثنين – مثلا- فأشعر بلمس ولزوجة السمن البلدى، وأنا أحب السمن البلدى فى الفطير المشلتت، ولا أحبها وهى تدهنن وعيى، ومرة شممت رائحة نفاذة حمضية، فرحت أبحث عن مصدرها فإذا بها صادرة من سطور مقالات نسى صاحبها أن يقرأ تاريخ مدة صلاحية أفكاره، وحين حاولت أن أخفى طريقة قراءتى الحسية هذه، وأن أقنع نفسى أن العينين هما عضوا الحس المنوط بهما القراءة، وجدت الكلمات والجمل تخرج لى لسانها، فأستعيذ بالله من حدة حواسى، وأتكتم الخبر.
فرحت أبتعد قليلا عن الدهننة، والروائح الحمضية، فإذا المسألة ليست قاصرة على ذلك، لكنها أكثر شمولا وعيانية، فعايشت خبرة حسية متكاملة أمكننى ترجمتها إلى أقرب “الأطعمة” !! وسوف أختار – كأمثلة – بعض كتاب العمود فى هذه الصحيفة الشابة (الدستور)، فأنا أشم رائحة “التقلية” وأسمع طش الملوخية عليها فى عمود محمد مستجاب، وأستشعر طعم الكباب (وأحيانا رائحة الكفتة الخليط) فى عمود أسامة أنور عكاشة، ولا يخفى على ذوّاقة لسع الشطة فى عمود أحمد فؤاد نجم، أما لينين الرملى “فسندوتشاته” رغم أنها بالخبز البلدى- ورغيف كامل- إلا أن الغالب على حشوها هو الجبن الرومى ونادرا الفلافل، لكننى أفتقد فيها أحيانا طعم المورتة والمش البلدى، فألتهم مشهيات حسام حازم تحتها، أما عمود إبراهيم عيسى فهو يتراوح بين رائحه النيفة ومنظر العدس أبو جبة.
وأعترف أخيراًً أننى أحياناً حين أقرأما كتبت – شخصيا- أجدنى أمام طبق مكرونة أسباجتى وأنا عاجز عن قطع ما تدلى من الشوكة منها وأنا أحاول أن أنهى الفكرة لأنتقل لغيرها.
وحين أكف حواسى الأخرى عن العمل وأصر أن أكتفى بالنظر كوسيلة وحيدة للقراءة العاقلة إذا بذاكرتى تحضر بشكل مجسد يكاد يتداخل مع الواقع حتى تكاد تختلط الأمور، فتحضرنى الصورة التى أبدعها مصطفى حسين عن عزيز بيه وصديقه الكحيتى (أبو منص)، تحضرنى – مثلا- وأنا أقرأ الحوار حول مسألة كوبنهاجن، وأتصور المقال الفخيم مثل سيجار هافانا (أعنى كوبنهاجن) يقدمه عزيز بيه لصديقه “أبو منص”، وأفهم- أخيرا- ما كان يعنيه مصطفى حسين وأحمد رجب بهذه الصداقة.
وما أكاد أفيق من هذه الرؤية حتى يستحليها خيالى فينطلق ليرسم أمام ناظرى صورة بشعة تجسد موقع هذه الحوارات من الواقع الجارى، الصورة كالتالى: داعر مسلح يغتصب أمى أو إبنتى فى حجرة بمنزلى، وأنا مدعو من قريب هذا المسلح – الذى يستهجن موقف إبن عمه هذا بدرجة متوسطة (!!)- وهو يدعونى لنناقش “المسألة” فى شقة جارنا الذى ينزل عنده سائح كوبنهاجنى، لعلنا نبنى (فى شقة جارنا) جسور الثقة لحين ينتهى إبن عمه الداعر من مهمته التى ليس لها نهاية إلا بانتحارى أو قتله أو كليهما، أو ماشاء الله إن كنا نستحق أن نعيش بكرامة ندفع ثمنها غالياً مهما كان.