نشرت فى الدستور
22/10/1997
القاعدة والاستثناء
القاعدة أن يكون ثـلث الامتحان صعباً، والثلث نصف نصف، والثلث سهلاً، والاستثناء أن يأتى كله سهلا، لكن الحاصل هو أنه لو جاء – فى الثانوية العامة مثلا- جزء من سؤال فى الكيمياء صعبا اعتذر الوزير، وارتبك الوكيل، وهاجت الصحف، ثم إما أن يلغى السؤال أو تقل درجته – رحمة بأولادنا – مثلما سحبنا جنودنا من سيناء سنة 1967 “رحمة بأولادنا”، فلماذا نؤسس الجيوش ونسلحها أصلا، مادامت الحرب أصبحت هى الاستثناء؟
والقاعدة أن نقول كلاما له معنى، والاستثناء أن تفلت منا كلمة هنا أو هناك بلا معنى، ولكن الحاصل هو أن حوارنا كله أو أغلبه أصبح “هتش كادر فى الألولو”، وأصبح الاستثناء هو أن يكون للكلام معنى وللفعل هدفا، وللبحث العلمى فائدة ، وللتعليم الجامعى عائد.
والقاعدة أن يقوم المسرح بدور العلاج الجماعى للأسوياء، لا بدور التفريغ التطهيرى (عذرا: أرسطو) ولا بدور الدغدغة المثيرة، أو السيرك البشرى، ذلك أنه من خلال المسرح الحقيقى: يتحرك الوعى، وتثار الأسئلة، وتحفز الحركة، وينطلق الخيال، لكن الحاصل أنه حتى فى مسرح الطليعة أو قاعة الزرقانى، ورغم المحاولات المتلاحقة، والتجريب النشط، إلا أن كثيرا من المخرجين يصرون على توصيل “المعنى” أو “المغزى” أو “حكمة النص” بشكل مباشر، إما بحشر رقص إيقاعى مصاحب بأغانى دالة تقول لنا مغزى المسرحية، مثلا: إن الحرية مهمة، أو إن الظلم حرام: أو إن المرأة مظلومة: أو إن الأطفال أبرياء، وإما بفرض كورس فى الخلفية يردد الكلمات وكأنه يعلم متخلفاً عقليا أن بريخيت – فى القاعدة والاستنثاء مثلا – يقصد أن يرينا ظلم التاجر للأجير، ومما لأة السلطة للأقوى … إلخ.
آلمنى – كالعادة – منظر الممثلين (عائشة سالم ومحمد عنانى والجميع) وهم يبذلون كل هذا الجهد، وبالذات “حسن العدل” وهو يتصبب عرقا، ويغوص بكل إتقان وإخلاص فى دوره- حتى ينسى أننا خمسة مشاهدين (بالإضافة إلى أسر عمال المسرح وأطفالهم ينتظرون ذويهم ، ليعودوا سويا للمنزل)، يمثل حسن العدل وزملاؤه أدوارهم بمنتهى الجدية والإتقان بكل هذا الجهد، وكأننا عشرة آلاف متفرج، ثم أكاد أسمع قرقرة صوت المياه وعائشة سالم تهز عصاتها فيكاد يتساقط منها الماء كزمزمية يخلقها خيالنا مثلما يتحرك خيالنا ليتحقق من أنها “هى” شخصياُ ليست إلا تاجراً ذكراً (! قال ماذا؟: لكسر الإيهام)، ووسط هذا التنشيط لخيال المشاهد ليشارك فى تخليق النص، يفاجئنا الكورس “بدروس المغزى” وكأن المخرج يصر إلا يثق فى استيعاب متفرج يستطيع أن يتذكر مثلا عامياً موازياً – ضد القاعدة- يقول طلب الغنى شقفة، كسر الفقير زيره، كان الفقير وكسه يا سو تدبيره