نشرت فى جريدة الوطن
19/11/2000
الفطرة، والتوازن الحيوى، وأحزاب الخضر
الفطرة هى القوانين المتكاملة للتناغم الحيوى الذى يتجلى فى كل من الإنسان والطبيعة على السواء. هى ليست البدائية الفجة، ولا البيئة الغفل.
أبتعد قصدا عن الجارى. لم أعد أستطيع.
الصبر جهاد آخر; شرط أن يستظل بفعل حقيقى قادر ومستمر. كلما زاد الألم احتد الوعى فوجب الفعل. الإحساس بالنزيف الدامى، والظلم المتمادى، والفقد الغادر هو البداية الشريفة لاحتمال فعل خلآق لا ينقذنا فحسب، بل قد ينقذهم من غبائهم أيضا. الثقة بالله وبالنفس من خلال الحضور الإيجابى فى الحياة لتعمير الأرض هى التى تبرر الاستمرار.
أبتعد عن الجارى متمسكا بالإصرار على تحمل مسئوية التفاؤل، والخجل من الاستسلام لرفاهية اليأس، هذا هو ما يمكن أن يجعلنا نعمل أكثر، وننظر أعمق، ونحاول مجددا. لينتصر الحق مهما تأخر إحقاقه.
من ضمن هذه المحاولات أن نعيد النظر،نتأكد من طريقنا، نساهم فى توجه مسار البشر كافة، نشارك فى الهم ونستعد لمواجهة ما يحيق بنا/بهم من مخاطر، نحاول أن نجتهد فى إدراك أبعادها، للعمل على تجنبها.
لكل حقبة من الزمان لغتها الشائعة، ورطانها السارى، وشعاراتها المعلنة، وبدعها الجديدة. أنا أتصور أن دراسة لغة زمان ما هى السبيل إلى التعرف على ماهيته، كما أنها السبيل لاستنتاج توجهه .
نسمع ونقرأ الآن أحاديث كثيرة، وحقائق خطيره، تتردد عما آلت إليه علاقتنا بالطبيعة، وهى تتحدث عن تلوث البيئة وكيف أنتج الوعى بهذا الخطر تجمعات رومانسية اندرج أغلبها تحت الاسم الرقيق: “أحزاب الخضر”.
تعالوا ننظر فى أبعاد الخطر، دون تسليم جاهز أن يكون الحل السعيد، أو الوحيد، هو أحزاب الخضر هذه. ولنبدأ المراجعة من البداية:
الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة التى خلقها الله، ثم إنه وجد نفسه فى مواجهتها فاكتشف جهله بها وبمخاطرها، فصار يتحسب لمفاجآتها، ثم تطور الموقف إلى ما يمكن وصفه بالصراع معها، وفى فترات غروره العلمى القح راح يتكلم عن ترويضها، ثم راح يزعم الانتصار عليها.وأحيانا قهرها.
تواكبت هذه المراحل والمحاولات مع تطوير أدواته العلمية والمادية والتقنية، وإن كان الأمر لم يخل بين الحين والحين من همس الشعر أو نبض الحكى، أو تشكيلات اللون والوقت (الموسيقى) فنستشعر من كل هذا أن بعضنا ما زال يخطب ود الطبيعة ويسعى للحوار معها.
فى المرحلة التى تمادى فيها غرورنا: حسبنا أن ما حققه العقل هو كفيل بأن ينصبنا أسياد الكون حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها،فقلبت لهم (لنا) ظهر المجن كما يقولون. نحن الآن نسمع أكثر فأكثر عن موجات السيول والفيضانات المدمرة، تجتاح بلدان آسيا وأوربا، كما نسمع عن تلاحق موجات من الحرارة والجفاف والتصحر والأعاصير التى تمثل جذر ومد الطبيعة المدمر فى أنحاء العالم بلا استثناء. وما بين لائم لقدر غاشم، إلى حاسب لأخطاء الثورات الصناعية المغرورة الأحادية التوجه يدور الجدل حول كيفية هذه المواجهة.
خلصت الدراسات فى هذا الشأن إلى أن ثم خللا حدث ويحدث فيما يسمى التوازن الحيوى البالغ الحساسية الذى يحفظ للأرض غلافها الذى يحافظ على استمرار الحياة بها. حين يتكلم علماء الطبيعة عن “التوازن الحيوى” يقصرون حديثهم على تناسب مكونات الطبيعة الخارجية مع بعضها، مثلا: توازن غاز مع غاز آخر بحيث يتم تعويض ما يفقد من هذا الغاز بواسطة صنف من الأحياء بإفراز غاز آخر بواسطة حى آخر، مثل التوازن بين حاجة الإنسان (والحيوان) للأكسجين الذى يوفره التمثيل الضوئى بواسطة النبات. وهم يقولون إنه حين بدأ استخدام الوقود الفحمى ثم النفطى وأيضا حين توالى الاعتداء على الغابات لم تعد المساحات الخضراء كافية لتحويل ثانى أكسيدالكربون إلى أكسجين، تلك الدورة التى تساعد على امتصاص الإشعاع الشمسى والاحتفاظ به. نجم عن ذلك ارتفاع متزايد فى درجة حرارة كوكب الأرض. وتطلق صفارات الإنذار تعلن تلوث البيئة، ويعاد إطلاقها المرة تلو المرة حتى نك