نشرة الإنسان والتطور
بقلم : يحيى الرخاوى
2001-1980
نشرة يومية من مقالات وآراء ومواقف
تعتبر امتداداً محدوداً لمجلة الإنسان والتطور
21-7-2009
السنة الثانية
العدد: 690
الفصل الأول: لعبة الكلام :
الحالة الثانية (1 من 2)
أداب وشروط “استخدام المرضى للتدريب والبحث العلمى”
(1)
طَـيـّبْ…! طَـيـّبْ !، واحدهْ واحدةّ.
أنا حاقـْلـَع اهُـــهْ:
أدى صورتى يا سيدى: شَـرْمـــطْــْها،
وادى قصـّـة حبْ،
وادى عقدة نقص، وكسرة قلب.
أهو كلّه كلامْ
مقدمة:
العلاقة بين المريض والطبيب هى من أكثر العلاقات حساسية ومسئولية،
المريض يطلب العلاج، والطبيب يمارس مهنته ليساعد مريضه على الشفاء، فأين الحساسية، وكيف المسئولية
لعل المتتبع لباب “التدريب عن بعد” الذى وصلت نشراته حتى الآن إلى “56” نشرة، قد لاحظ تلك التباديل والتوافيق التى تجرى بين المريض والمعالج، وكيف يلزم “إعادة التعاقد” بين الحين والحين، ثم كيف يمكن أن يختلف ما يجرى ظاهرا عن ما يتحقق داخليا، وكيف يستعمل المريض أحيانا العلاج لتحقيق اعتمادية سلبية ممتدة، أو للهرب من مواجهة موقف نمو مؤلم لاحَ ولم يكتَمِل، أو لتبرير انحراف ما يتصور أنه باعترافه لطبيبه قد أعفى نفسه من مسئولية عواقبه، وهكذا،
كما لاحظنا – أثناء الإشراف “فى التدريب عن بعد”– كيف أن الطبيب يمكن أن يُسقط على المريض بعض احتياجاته، أوميوله، أوجوعه العاطفى، أو منظزمة قيمه، وكيف أنه لو لم يلتفت ويراجع – بكل مستويات الإشراف بدءا بالإشراف الذاتى – ما يجرى فيه ومنه هو شخصيا أثناء العلاج وبسببه، فإنه يمكن أن يعوّق نفسه ويعوّق مريضه.
لاحظنا كل ذلك وتناولناه بالقدر الذى يسمح به الإشراف، ونشرنا منه ما تيسر.
فى ظروف خاصة، تضاف إلى هذه الصعوبات أبعاد أخرى، مثل تلك التى تحدث فى المؤسسات التعليمية، أو بغرض البحث العلمى، وهذا هو ما تتناول أحد وجوهه هذه النشرة اليوم بوجه خاص.
آداب المقابلات وحق المريض
بالنسبة للمؤسسات التعليمية، الجامعية خاصة، تقدم الخدمات بالمجان غالبا، لكن ثمَّ مقابل ضمنى، لا يعلـَن بشكل مباشر، وهو أن تتاح الفرصة للدارسين من الطلبة والأطباء أن يتعلموا من الشرح الإكلينيكى المباشر لحالة المريض علانية وجماعة، وفى حضور المريض. هذا أمر مشروع من حيث المبدأ، فهو متضمن عرفا وواقعا فى العقد المعلن باسم المستشفى “التعليمى”، أو “الجامعى” (فاسم وصفة المستشفى ليس سرا) ، لكن هذا لا ينفى أن يكون أمرا مؤلما ومحرجا، وعلينا أن نتناوله بمنتهى الأمانة والموضوعية، والأمر أصعب وأدق إذا تعرض المريض لإجراء ما يسمى “البحث العلمى”
لكى يقوم الأستاذ (أو المدرب أو الباحث) بمهمته هذه بمسئولية، واحترام ، أقدم بعض اللزوميات كما يلى:
أولا : بالنسبة للتدريب المباشر مع مدرب (أستاذ عادة) أكبر
- على المسئول أن يبدأ على قدر ما يَقْدِرُ بتقمص المريض فى هذا الموقف – وذلك بأى درجة من الصدق بشكل مباشر أو غير مباشر – فيتصور نفسه هو، أو أحد أعزائه (ابنه، زوجته، ابنته…إلخ) وهو فى موقع المريض، ويسأل نفسه: هل يقبل هذا الموقف أو يرفضه؟
- فإذا قبله طواعية، أو اضطرارا (حسب شطارة اطلاعه على داخله) مثل المريض فى هذه الأحوال، فعليه أن يكتشف أنه – وهو فى موقف المريض- قد يحكم على الطبيب، وعلى ما يفعله، وكذلك على الحضور، مثلما يحكم عليه المريض سواء بسواء، سواء حدث ذلك شعوريا أو لا شعوريا، ومتن هذه اللوحة التشكيلية اليوم هو من وجهة نظر مريض شجاع قوى ساخر
- ينبغى أن يكون المريض على علم تام بأن هذا الاحتمال وارد، (عرض حالته على متدربين) وانه متضمَّن جزئيا فى التعاقد المبدئى، وبديهى أنه يستحسن ألا يكون ذلك شرطا أساسيا لقبوله للعلاج، ولكنه بند إضافى مهم على أية حال، وهو بشكل غير مباشر –كما ذكرنا- يكاد يكون المقابل الذى يدفعه المريض مقابل علاجه مجانا، أو الإشراف على علاجه من أطباء أكبر، وليس “شرطا لعلاجه” على أية حال. (المقابل غير الشرط بداهة)
- ينبغى أن يتم إعداد المريض لذلك قبل المقابلة الإكلينيكة التدريبية بشكل واضح محدد وتفصيلى ما أمكن ذلك، فيعرف مسبقا من سيقابل، مثلا: اسم المدرب الأكبر، ومن سوف يكون حاضرا، وبأية صفة، وموعد المقابلة، ولمدة كم من الوقت،…إلخ
- ينبغى أن يكون الهدف من المقابلة معلنا، وعادة ما نشرح للمريض – أيا كان تشخيصه أو خطورة حالته – أن الهدف هو تدريبى فى المقام الأول (التعليم)، وأن هذا لا يعنى أن ذلك سوف يتم على حسابه، بل هو فى نهاية النهاية لحسابه، لأن حالته سوف تدرس من خلال هذا اللقاء بشكل أعمق، وأكثر تفصيلا، ومن المتوقع أن يؤدى ذلك –غالبا- إلى تخطيط علاجى أفضل
- ينبغى أن يُخطر المريض أن النتيجة الإيجابية التى يمكن أن يخرج بها هو والمشاركون فى هذا الاجتماع التدريبى لن تقتصر على حالته، يتم ذلك باتفاق صريح وليس ضمنيا، وباحترام حقيقى وليس مفتعلا، فنحن نقول له بالنص فى بداية المقابلة : “فى الأغلب اللى حانوصل له مع بعض حاينفعك إنت واللى زيك” (والأرجح – بصراحة- أن كل ذلك يتحقق فى أغلب الحالات على مختلف المستويات). ويستحسن أن تكون هذه النقطة واضحة بدرجة توصل له فضله فى المشاركة فى نفع الأطباء المتدربين، فيتحسنون، فيقدمون خدمات أفضل فأتقن لسائر المرضى وله، وأيضا هومشارك فى الفضل فى احتمال نفع المرضى الذين قد يستفيدون من الإنارة العلمية التى وصلت إلينا من فحص حالته بهذا العمق، وعادة ما نشكر المريض – صراحة – على فضله وتفضله بهذا وذاك.
- ينبغى أن يبلغ المريض صراحة أن من حقه ألا يرد على أى سؤال أو استفسار يرى أنه لا يريد أن يعرضه أمام “جماعة لا يعرفهم” علانية.
- ينبغى (أو على الأقل يستحسن فى هذه المرحلة)أن يتم الشرح والمناقشات أثناء حضور المريض باللغة التى يفهمها ، اللغة العربية، ويا حبذا باللهجة المحلية، وأن يوضح له، خاصة إذا طلب، أى مصطلح علمى مستعمل أثناء المناقشات
- ينبغى أن يُستأذن المريض فى تسجيل حالته بالصوت أو بالصورة إذا كان ذلك ضمن البرنامج التدريبى لأسباب تعليمية لاحقة، أو لبحث علمى، ويخطر المريض بذلك بشكل مباشرـ وتوضع الكاميرات فى موضع ظاهر حتى يتذكر طول الوقت أن هذا جارٍ، وله الحق أن يعترض فى أى وقت ويوقف التسجيل، علما بأنه يُخطر أن هذا التسجيل لن يستعمل لأى هدف إعلامى عام، وإنما هدفه محدد بأغراض العلم والتعليم بشكل استبعادى لأى غرض آخر. (هذا ما سجلناه ونشرناه نصا فى أول كل حوار ونحن نعرض أطرافا من المقابلة فى باب “حالات وأحوال” فى هذه النشرات)
- لا ينبغى إخفاء الكاميرات ولا المشاهدين (غير المشاركين) من خارج التدريب، كما فى حالة جلسات العلاج الجمعى، وقد بينا ذلك صراحة فى النشرات التى عرضت لبعض الألعاب العلاجية التى جرت فى العلاج الجمعى، كما فسرنا فائدة حضور الدائرة الأوسع للتدريب، والإعداد للتدريب، التى تتحلق حول دائرة المجموعة العلاجية ظاهرة لكل الحاضرين، وتشارك فى المناقشة بعد انتهاء الجلسة،
بصراحة أنا فضلت خلال أكثر من ثلاثين عاما أن يكون مثل هذا الحضور علانية هكذا (عينى عينك)، حتى نطمئن إلى موافقة المريض طول الوقت، ذلك لأن البديل هو أن تنقل الجلسة بدائرة تليفزيونية للمشاهدين (وقد حضرت بعض ذلك فى باريس مع البروفيسور ديادكين، والبروفيسور ليبوفسكى) وتوضع الشاشات العارضة فى مكان آخر لا يعلمه المريض، أو أن يجلس المشاهدون خلف زجاج لا يسمح بالرؤية إلا من ناحية واحدة، (one way screen) وقد وجدت أن هذا وذاك فيه خدعة جزئية للمريض حتى لو أخذنا موافقته المبدئية،ونجحت مبادرتنا أكثر وأصدق، وحتى الآن. ثم إننى اعتدت أثناء الجلسة أن أتعمد الإشارة لهؤلاء الحضور وما يمثلونه لنا، وما نمثله لهم، وكأن من حقنا أن نتفرج عليهم، إذا هم كانوا يتفرجون علينا، وكثيرا ما أفاد ذلك فى مقارنة المجتمع الخارجى (العادى) بمجتمع المجموعة العلاجية، يجرى مثل ذلك فيما بين أفراد المجموعة دون السماح لأى من المشاهدين بأى نوع من المداخلات أثناء العلاج، لكن من حقهم أن يشاركوا فى المناقشة بعد نهاية كل جلسة.
وبعد
لا تمنع كل هذه التحفظات من أن يشعر بعض المرضى بالحرج، حتى ولو وافقوا احتراما وتعاونا، الأمر الذى تتيحه أعراف ثقافتنا الطيبة غالبا، هذا الحرج لا يُعلن من قبل المريض باستمرار، وعلى الطبيب أن يتقمص مريضه مجددا، ليشجعه على إعلان حرجه، أو سحب موافقته، أو على الأقل ليشعره أنه ممتن لموافقته، وأنه سمدين له بشكل أو بآخر مقابل هذه الموافقة (مدين له بالعلاج أساسا، وبما يخرج به من هذا اللقاء لصالحه، ولصالح من هو فى مثل حالته)، أغلب مرضانا والحمد لله يتفهمون كل ذلك بدرجة مطمئنة.
ثانيا : بالنسبة للتعلم واكتساب الخبرة (وبالذات للأصغر وهو يكبر)
هناك بعد آخر أقل وضوحا من بعد “التعليم”، وهو بعد “التعلّم” ، فالطبيب، خاصة فى بداية ممارسته المهنة، يتعلم من مرضاه، بشكل مباشر، وغير مباشر، يتعلم من نجاحه، كما يتعلم من فشله، وهذه العملية تجرى بشكل تلقائى طول الوقت وحتى نهاية العمر، ومع ذلك فإن مجرد شعور المريض أن طبيبه يتعلم من خلال علاقته العلاجية به، يمكن أن يمثل قلقا موضوعيا ما، وهذا أمر لا يمكن تجنبه لأنه يستحيل أن تنضج خبرة الأصغر، أو حتى أن ينضج الأصغر نفسه ليصبح أقدر فأقدر، إلا من خلال الممارسة
هذا أمر لا يحله، أو قل: لا يخفف من مضاعفاته، إلا مستويات الإشراف المتعددة التى عرضناها سالفا (نشرة 1-2-2009)، بما فى ذلك ما أسميناه “إشراف المريض” و”إشراف النتائج“، ولذلك يستحسن أن يطمئن المريض ولو بشكل غير مباشر على أن ثم إشرافا جاريا طول الوقت، حين يرى المريض الجارى ببصيرته فيعقب على أداء الطبيب بشكل موضوعى يفيدهما معا، فيتقبل الطبيب ذلك، وأيضا حين يتجاوز نمو المريض مرحلة نمو الطبيب فيكتشف الطبيب ذلك بأمانة ، فيضطرد نموه، أضف إلى ذلك “إشراف النتائج“، وبالذات إذا كان الحكم على النتائج ليس بمجرد اختفاء الأعراض.
فضلتُ فى حالتنا الآن ألا أكتفى بإحالة القارىء إلى (نشرة 1-2-2009) وأن أقتطف نص ما جاء فى “إشراف المريض” و”إشراف النتائج” هنا كالتالى:
1- إشراف المريض Patient’s Supervision
ذكرت فيما سبق من نشرات حادثتين مرا بى مع مريضين استفدت منهما بشكل جعلنى أكرر تذكرهما، فذكرهما، كلما أتيحت الفرصة لذلك:
الحادثة الأولى: هى ما قاله لى مريض أثناء محاولاتى دفعه على مسار خطوات نموه بما فى ذلك من مآزق وصعوبات تبدو أحيانا شبه مستحيلة، قال لى هذا المريض: ” هو انت عايزنا نحقق حتى لنفسنا اللى انت ما قدرتش تحققه بنفسك (أو لنفسك – لا أذكر، وربما قالها مرة لنفسك ومرة بنفسك) ؟”
الحادثة الثانية : هى ما قاله لى مريض آخر من أننى لا أصلح لعلاجه، لأن رؤيتى – الناتجة من طول ممارستى غالبا – قد جعلت مساحة وعيى تتسع حتى تحتوى مساحة وعيه (وعى المريض) فهو – على حد قوله- لا يملك إزاء ذلك أن يتحرك معى إلا داخل دائرة وعيى التى تحيط بوعيه تماما، وهذا يعوق نموه كما يعوق حركية علاجه، وطلب منى هذا المريض أن أحوله لطبيب أصغر تسمح دائرة وعيه أن تتداخل مع دائرة وعى المريض، فتتحرك الدائرتان تقاربا وابتعادا بما يفيد الاثنين”
……………..
إشراف آخر يتم من جانب المريض، وإن لم يكن يصلح معه استعمال كلمة إشراف هكذا: حين يتجاوز نمو المريض درجة نمو الطبيب، وهذا وارد ، ….. ، ومع افتراض مرونة الطبيب واستعداده للتعلم بشكل مباشر أو غير مباشر، يحفز نمو مثل هذا المريض الذى تجاوز مرحلة نمو طبيبه، يحفز المريضُ الطبيبَ أن يلحق به، وقد يتجاوزه الطبيب بدوره معه، أو مع مريض آخر، ويضطرد التواصل والتجاوز مع مريض ثالث وهكذا. قلت إن هذا ليس إشرافا مباشرا، لكنه ناتج إشراف ضمنى بشكل أو بآخر.
2- إشراف النتائج Results Supervision
يتم هذا النوع من الإشراف من خلال كل أنواع الإشراف الأخرى بشكل أو بآخر، ذلك أن نتيجة العلاج، المقيـَّمة نوعيا بمحكات موضوعية، ليست مجرد اختفاء الأعراض، سواء كانت هذه النتائج هى نتائج تحقيق الأهداف المتوسطة السلوكية الواقعية المتفق عليها عادة أولا بأول، أو كانت النتائج القصوى غير محددة المعالم تماما، والتى ترتبط أساسا بإطلاق حركية النمو، واستعادة تنشيط الحياة بطزاجة واقية.
قصدت بهذا المقتطف أن أبرر تقمصى لمريض ما وأنا أكتب هذه القصيدة، حتى نحترم رؤيته مهما بلغت قسوتها (يومية باكر: الأربعا).
ثالثا: بالنسبة للبحث العلمى
من حيث المبدأ، وفى كل التخصصات، تعتبر إشكالة إجراء الأبحاث العلمية على المرضى فى أى تخصص إشكالة شديدة التعقيد، إذْ لا ينبغى تحت أى ظرف أن يكون الإنسان سليما أو مريضا مجالا للتجريب أصلا،
لكن أغلب ما يطلق عليه صفة البحث العلمى هو تجريب أساسا فما العمل؟
هناك قواعد تبدو منضبطة ومحكمة للتجريب بالنسبة للعقاقير الجديدة مثلا،(مع أنها ليست كذلك تماما) حيث تبدأ التجريب بعيدا عن الأحياء in vitro ثم بالتجريب على الحيوانات، ثم بالتجريب فى متطوعين يعرفون كل الشروط، وكل المخاطر وكل الفوائد المحتملة،
وبرغم أن هذا وارد ضمنا فى تجريب العقاقير الجديدة فى الأمراض النفسية أيضا، إلا أن مجال الطب النفسى هو من أكثر المجالات التى جرى فيها التشويه، والتزييف، وغسيل المخ، والدعاية الكاذبة، والرشاوى الظاهرة والخفية، برغم كل المزاعم ضد كل هذا.
لن أتناول هذه القضية هنا بالتفصيل فقد عرجت إليها مرارا وتكرار، لكننى سوف أشير إلى ما يخص البحث العلمى فى حالة العلاج النفسى مؤجلا الآن الحديث عن البحث العلمى والعقاقير فى مجال الأمراض النفسية خاصة.
بعض ما يتميز به البحث فى العلاج النفسى
أولاً: معظم الابحاث التى تجرى فى مجال العلاج النفسى هى أبحاث “وصفية خبراتية” لا تجريبية مُقْحمَة.
ثانياً: أهم ما يشترط فى هذه الأبحاث هو أمانة التسجيل مع العناية بكل التفاصيل (بالشروط السالف ذكرها)
ثالثاً: يبدأ البحث العلمى هنا، مثل أى بحث آخر بفرض علمى قابل للاثبات أو النقض، لكن كثيرا ما ينبع الفرض أثناء المقابلة وبالذات أثناء التشكيل الوصفى المبدئى للتركيبة الإمراضية للحالة Psychopathological Formulation
رابعاً: يتم اختبار مبدئى لهذا الفرض الأساسى بالتفسير المناسب الذى يتفق أو يختلف مع الفرض.
خامساً: يتم تعديل الفرض بالمناقشة والتطبيق الآنى من خلال ربط المعلومات من المصادر المختلفة وبالأدوات المختلفة (المقابلة الإكلينيكية -القياسات النفسية- المعلومات المضافة من مصادر مختلفة ..إلخ)
سادساً: قد يولد هذا الفرض الأساسى فروضا فرعية أو يحل محله فرض بديل.
سابعاً: يتم تحقيق هذا الفرض بالمتابعة المسجلة أيضا ويتم تحويره أو ابداله أو التفريغ منه أولا بأول .
من كل ذلك يمكن أن نلاحظ أن كل هذه الإجراءات البحثية لا تؤثر أدنى تأثير على مسار المرض، أو فرص العلاج، إذ إنها لا تشمل إدخال عامل مفتعل على المريض تحاول أن نرى أثره، فالمقابلة هى المقابلة، والشروط هى الشروط، والوصف لا يخرج عن تسجيل الجارى، أما تحيل المحتوى والتفسير والتأويل والمناقشة العلمية فتأتى لاحقا،
وبرغم أن هذه الأبحاث الوصفية التتبعية تبدو من أسلم وأشرف أنواع الأبحاث فى كل فروع الطب حيث يتم فيها البحث العلمى دون أى تدخل مفتعل، إلا أن علينا أن نخطر المريض بوضوح أن هذا وارد، دون أى مساس بسرية حالته من أول تجنب ذكر اسمه حتى وظيفته حتى محل إقامته (كما لاحظنا فى باب “حالات وأحوال” فى هذه النشرة وكذلك فى باب “الإشراف عن بعد“)
أما الأبحاث التى يدخل فيها تقييم فاعلية العقاقير علما بأن أغلب حالات العلاج النفسى لدينا، تتعاطى العقاقير، وخاصة حالات الذهان، أقول: أما تعميم وشروط إدخال هذه الجزئية (العقاقير) فى الأبحاث فى العلاج النفسى مهما كانت وصفية فتسرى عليها ما يسرى على الأبحاث العلمية بشأن العقاقير فى أى مجال، مع صعوبة متزايدة فى حالة الأمراض النفسية لأسباب لا مجال لذكرها هنا الآن، فهى مسألة تحتاج إلى شرح تفصيلى بعد ما لحقها من تشويه وتزييف بسبب التدخلات التجارية والاستهلاكية شبه العلمية لمؤسسات الأدوية العملاقة.
ولهذا حديث آخر.
وبعد
فقد طالت بنا المقدمة النظرية،
ولأهميتها ، نرجىء ، الشرح على المتن إلى الغد لنفس الحالة الثانية هذه تحت اسم: “أنا قالع ملط، لكنى مش عريان!”