نشرت فى الدستور
27-6-2007
العِطْر و الكُفْر!!!
-1-
قالت البنت: لأخيها، لقد عرفت أخيرا أن الكفر هو ضد الإيمان، قال: اسم الله عليك وعلى حواليك، وما الجديد؟ قالت: إنتظر، وأن الدين ليس ضد الكفر قال: يا خبرك أسود، كيف؟ قالت: الكفر انفصال انفصال، سأل: والإيمان؟ قالت: هو عكس ذلك تماما، قال: والدين؟ قالت: هذا يتوقف إن كان الدين يفصلنا عن الناس وعن ربنا أو يوصلنا إليهما. قال أخوها: إعملى معروفا، إبعدينى عن هذا الموضوع، أنا خائف. قالت: فلماذا أعطيتنى الرواية؟ قال: أية رواية؟ قالت: رواية العطر؟!، قال: ياه !! كان ذلك من سنوات. نسيت! رواية ذلك الكاتب الألمانى المزعج زوسكند!!!، لكنكِ قلت لى حينذاك أنك عجزتِ أن تكمليها من فرط التقزز، قالت: لست أعرف من فرط ماذا، لكننى وجدت نفسى أرجع إليها مؤخرا، ربما بمناسبة عرض الفيلم، وإذا بالوغد يزورنى أمس، فيرعبنى كما لم أرعب من قبل. قال:أىّ وغد؟ قالت: “غرينوى” شخصيا؟ قال: ذلك المسخ بطل الرواية؟ ولكن هل زارك حلما أم علما؟ قالت: وهل هناك فرق!!! أنا لم أتبين أنه غرينوى حتى عرّفنى بنفسه، كان بلا ملامح، نحيفا، شفافا، إذا تكلم تخلـّقت له عينان تملآن وجهه كأنهما مغارتان تشعان ضوءا متسحِّبا يخترقنى إلى تحت جلدى، ويسلخه كما كان يفعل بضحاياه، كان بلا رائحة فعلا، كما فى أول الرواية، اكتشفتُ أن أخبث الروائح هى الرائحة التى بلا رائحة. قال أخوها: إنك ترسمينه أبشع من الرواية، هذا منظر يكفى لإرهاب كل عذارى العالم، قالت: زاد رعبى حين سألنى إن كنت عذراء أم لا، فأجبته أنتَ وما ترى، قال: كيف أرى وأنا ليس لى فى النساء. قلت له إذن لك فى ماذا! قال: إرجعى للصفحة الأولى من الرواية، قلت له: أذكر أن الكاتب وضعَكَ مع المشاهير “الأوغاد العباقرة” مثل “دى ساد” و”فوشيه” و”بونابرت”، وذكر أنك مثلهم لاأخلاقى وأنك لا تقل عنهم تعاليا واحتقارا للبشر. ثم جعل الكاتب هذه الصفات مرادفة “للكفر”. رد غرينوى بأنه مؤمن بوجوده شخصيا: وجوداً متفردا مطلقاً، يصنعه بنفسه انتقاما ممن أنكروه. كل الناس، قلت له: هذا هو الكفر بعينه؟ فزاغَ وهو يعيد سؤاله إن كنت عذراء أم لا، فملكنى الرعب أكثر، وحتى الآن، هذا الوغد العبقرى قاتل العذارى يسلخهم يستخلص منهن عطر وجوده المتألـِّه، حتى خلّق رائحته الشاذة المفتعلة، ليسحر بها جموع الناس القطيع، فيلتحمون جسديا فى ذلك التواصل المتدنِّى وهم يتحولون كتلة من اللذة الجنسية المغتربة، ثم حين ينتهى مفعول السحر يتفرقون فيتحولون إلى شظايا أجساد آثمة. قال أخوها: ما أدق رؤيتك وأبشعها.
-2-
قال الشاب لأخته: ولكنى، وحتى الآن لم أفهم نهاية الرواية، كيف – فى مقبرة الأبرياء- مزّق أكلة لحوم البشر هذا الغرينوى بعد أن تألّه؟ كيف التهموه بكل تلك السعادة الغامرة؟ كيف راحوا يتجشئون عظامه وهم ينظرون إلى بعضهم البعض ليعلنوا أنهم اكتشفوا لأول مرة “أنهم فعلوا شيئا عن حب”، أى حب هذا؟ قالت: ربما هم بذلك أنهوْا انفصاله- المتأله زيفا – بهذا الالتهام الجماعى، مَحَـوْا تفرده كفرا بأن أذابوه فى كيانهم “معا”، قال: ألهذا تقولين إن الكفر انفصال وأن الإيمان (الحب) وصْلٌ إليه؟ قالت: ربما هذا ما وصلنى: الإيمان ذوبان فى الوعى الجمْعى سعيا إلى وجهه؟ غرينوى، برغم كل ما كان، لم يكف عن السعى إليه. قال أخوها: لكن كيف نتعرف على الإيمان من خلال تلك البشاعة ، ثم يشوهونه حتى نجهله بما يقدمه لنا المُفْتُون والأوصياء بكل تلك السطحية؟ قالت: دعنا ندعو لهم بالمغفرة. قال: وهل يغفر الله لهم؟ قالت: لهم ولنا وللجميع. قال: حتى لغرينوى!! قالت: ربما غفر له حين أذابه فى كتلة البشر هكذا. قال: كيف؟ قالت: ربما همد غرينوى يأسا – بعد طول سعى – أن يتخلق دونه، فاطمأن ناظرا إليه، فغفر سبحانه له بان أذابه فى الناس يلتهمونه، دخولا “فى عباده” حتى “يدخل جنته “، قال: ماذا تقولين؟ قالت: لا شىء.
-3-
قال الرجل لزوجته: ابنتك تسألنى إن كانت الحكومة مؤمنة أم كافرة؟ قالت الأم: أية حكومة؟ قال: مصر أو أمريكا، سيان، قالت: وبم أجبت؟ قال: قلت لها “حكومتنا بلا رائحة”، فراحت تسألنى عن الحب والإيمان والقتل والكفر والوصْل، قالت الأم: لا أظن هكذا، أنا أعرف ابنتى، أنت لا تجمّع فترُصّ الكلمات كيفما اتفق. قال: ألم تسألك أنتِ أيضا عن ذلك؟ قالت: سألتنى، قال: وبم أجبتِها، قالت: لا أذكر، لكنها اقتنعت.
قال: اقتنعتْ بماذا؟
قالت: إيش عرفنى.!!