نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 14-1-2014
السنة السابعة
العدد: 2328
العقل الانتخابى، و”سندوتشات”الديمقراطية الشرعية!(1)
أنا أنتمى إلى نظريات (وليست نظرية واحدة) تعدد الكيانات فى الفرد البشرى، وتعدد الكيانات هذا يشمل تعدد الذوات، ففى داخل كل منا طفل وكهل ويافع وصبى وفتاة وامرأة وقاتل وأبله…الخ، كما يشمل تعدد الأمخاخ ، أن لك –عزيزى القارئ- مخ حديث، ومخ بدائى، ومخ انفعالى، ومخ يمين، ومخ يسار، أما عن مستويات الوعى فخذ عندك: فثمَّ وعىٌ ظاهر، ووعى تحتى، (ليس فقط اللاشعور الفرويدى) ، ووعى حسابىّ، ووعىٌ نقى، ووعى ملوّث، وأخيرا فلى عقول كثيرة: العقل المنطقى، والعقل الوجدانى، والعقل الكلى، والعقل الرياضى، والعقل الواقعى، والعقول الحالمة، والعقل الناقد، والعقل المبدع (= جماع من عقول متعددة).
فبأى من كل هؤلاء أذهب وتذهب إلى صناديق الانتخابات؟ وبأى من هؤلاء تُحسب أصوات الناخبين “الشرعيةّ”، “الشرعيةّ”،”الشرعيةّ”، “الشرعيةّ”،”الشرعيةّ”، “الشرعيةّ”،!! ولا مؤاخذة؟
هذه العقول ومستويات الوعى، والأمخاخ يعيش بها الأمى، وأستاذ الجامعة، وسائق التكتك، والدكتور فاروق الباز، وشعبان عبد الرحيم، والأستاذ الدكتور حازم الببلاوى، أى والله، بل إن الأحياء الأدنى من الإنسان تمارس أغلبها (ما عدا مستوى العقل الناطق رموزا، والعقل الواعى بالوعى، فهما من صفات البشر فقط، وإن كان الانسان قد أخفق مؤخرا فى حسن استعمالهما )
ألم يخطر ببالك، عزيزى “الشرعى”، أن تتساءل بعيدا عن أية وصاية من خارجك، تتساءل أنه يا ترى: أى عقل نستعمله ونحن ننتخب رئيس الدولة، أو رئيس النادى، أو عميد الكلية، أو عضو المجلس المحلى، أو مجلس الشعب؟ لو صدّقتنى (أعنى صدقت ما قدمت حالا من معلومات) فإنى أدعوك أن تفحص هذه الديمقراطية التى تقدسها (ربما من دون الله وأنت لا تدرى) ربما وصلك من أى من هذه العقول صدرت وتصدر، فتحتار معى لنبحث معا عن الحل.
ليس العيب فى الديمقراطية، حتى لو كانت مضروبة أو ملتبسة أو ملوثة، فللضرورة أحكام، لكن هناك بعدان أهم من الضرورة ، وأحكم من الأحكام، وهما بعد التاريخ ثم حساب رب العالمين، أما التاريخ العلمى البيولوجى فهو يقول لنا أن هناك شىء اسمه “الانتخاب” الطبيعى، (لاحظ كلمة “الانتخاب” من فضلك)، وأنا دائما أضيف أنه “الانتخاب الطبيعى- بفضل الله”، فالله سبحانه وتعالى هو الذى خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، …. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” “… ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ..” “… قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ “، هذا التاريخ الحيوى يقول لنا أن الأحياء جرت بينها صراعات وانتخابات –دون فضائيات والحمد لله- عبر ملايين السنين، وأن الذى نجح فى الانتخابات هو الذى حافظ على فطرة الله التى فطره عليها، فاستطاع أن يبقى، أما كيف أديرت هذه الانتخابات تحت رحمة الله وتوفيقه، فالأرجح أن النوع من الأحياء الذى التقط ما أكرمه الله به من عوامل البقاء قرعاه ونماه، وحافظ على فطرة الله التى فطر الأحياء عليها، وأحسن استعمال برامجها هو النوع الذى بقى، أما من أساء إلى فطرة الله، فقد انقرض، ولا عزاء للدينصور، فما ذا فعل الإنسان ولا مؤاخذة؟ وماذا يفعل الآن؟ وماذا تفعل الآن عزيزى “الشرعى” بفطرة الله؟ ألا تعرف أننا حين نلقى الله سوف يحاسبنا على ما فعلت كل هذه العقول فرادى، ومجتمعة، ولن يقبل منا الاعتذار بالعمى عن برامجه الرائعة التى أودعها الأحياء وظلت عاملة فينا ونحن بشر، فنحن لن نستطيع أن نحتج بجهلنا (عَمَانا) عن هذه الحقائق الأولية البسيطة أمام ربنا المطلع على كل هذه العقول ومستويات الوعى، وخلجات الأنفس، وقرارات الداخل والخارج، العمى -إذن- ليس عذرا، “وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً”
هذا لا يعنى أننى أدعو للتنازل عن الديمقراطية أو الشرعية، وإنما أنا أطمع – كما كنت أطمع دائما- أن يبدأ الذين يتصورون أنهم يعرفون ربهم ودينهم أكثر، وبالتالى المفروض أنهم يتصالحون مع الفطرة التى فطر الناس عليها أنقى، كنت أطمع أن يعقدوا مع أنفسهم المحاكم الداخلية الأشرع شرعية،ثم مع ربهم، ليكتشفوا أن ما يقدسونه ليس إلا “سندويتشات الديمقراطية” للتصبيرة حتى نجلس معا إلى ما ئدة الرحمن الرحيم ونحن نستعيذ به مما هو أخفى علينا من دبيب النملة، وأيضا ونحن نستعين به أن يهدينا – بالعلم والتكنولوجيا الذى أنزلهما علينا – أن نبدع نوعا أصيلا مما قد يسمى “ديمقراطية” أيضا، نوعا يليق بهذا الكائن الرائع، الذى اضطرته ظروف قصور المتاح إلى هذا الشرك الخفى، وكنت أتمنى أن يهتدى لذلك أولئك الأوْلى بذلك.
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع ” اليوم السابع” بتاريخ: 23-1-2013