نشرت فى الدستور
15- 2- 2006
الطبيب النفسى، والإنسان، ومسار الحياة (3)
طيب، وهل يمكن فصل مفهوم الطبيب النفسى (أو أى شحص كان: مريضاً أو طبيبا أو سليما) عن “ماهية الإنسان” عن مفهومه عن الحياة: مساراً، ومصيراً؟ كل واحد على ظهر هذه البسيطة، عرف أم لم يأخذ باله، أعلنها لنفسه أو لغيره، يربط بين ما هو إنسان، بما هو مسار ومصير حياة هذا الإنسان، شاملا مشوراه الآن إلى ما بعد حتى غاية الوجود. هل على الطبيب النفسى أن يسأل نفسه – بهدوء من فضلك – عن هذه المسألة أيضا؟ وكيف يمكن أن تؤثر إجابته، لو تشجع وأجاب، كيف يمكن أن تؤثر إعاقته على فهمه لماهية الصحة والمرض، وبالتالى على طريقة تناوله للصحة والمرض.
الأرجح أننا جميعا – نحن الأطباء – نتجنب ذلك، وحين نضبط أنفسنا متلبسين ببعض ذلك، أو متورطين فى بعض ذلك، ندعى لأنفسنا – حتى نصَدِّق – أن هذا ” ليس له دعوة بذاكً، لا يا شيخ؟!، يتمادى هذا الهرب المشروع إلى اختزال المرض النفسى بالذات إلى خللٍ فى ظاهر السلوك، وليس إلى نشاز الوجود للفرد فى علاقته بالكون، ثم إنه بعد هذا الاختزال يتم التعامل مع ظاهر ما يسمى الأعراض، وما يسمى الإعاقة، وخلاص. من الذى سيستفيد من هذا الهروب الاختزالى يا سيدى؟ إنهم المتربصون بأى عَمَى معرفىّ من أصحاب المصلحة من غيلان شركات الدواء، إنهم المستفيدون من اختزال المريض إلى أبعاضه (كما كان يقول الشيخ الشعراوى) وهات يا تسكين وهات يا ترويق بالكيمياء التى هى، ودمتم.
طيب، ماذا لو أن الطبيب تجرأ على شحذ وعيه، وعرف أين هو، أو إلى أين، ثم أنه أحب مريضه جدا، لدرجة أنه قرر أن يأخذه معه إلى حيث يتصور أنه الأصلح لهما، إذا حدث ذلك فى كامل وعى الطبيب وإرادته، فهو قد يخطئ خطأ جسيما لو تصور أن مفهومه هذا هو الصح الأوحد، لذلك فالأفضل أن قد يحجّم نفسه، ويعتم وعيه، ويهدئ اللعب، أعنى يهدئ الطب، فيأخذ خطوتين للخلف وهو يعلن ” أنا مالى”؟
أما إذا لم يستطع الهرب فقد يضطر أن ينمو أكثر، وأن يعترف كما قال مسيو إبراهيم لصديقه الطفل/ “موسى/محمد” فى “مسيو إبراهيم وزهور القرآن”: إن كل أفرع النهر تصب فى نفس البحر، البحر الأوحد.