نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 17-9-2016
السنة العاشرة
العدد: 3305
الطبنفسى الإيقاعحيوى (98)
Biorhythmic Psychiatry
مازالنا فى المقابلة الإكلينيكية (32)
رابعا: التاريخ الجنسى
المتن (1)
….هذه المنطقة من أكثر المناطق حساسية عند الاستفسار عنها، وذلك على اختلاف الثقافات الفرعية فى مجتمعنا، والحصول على معلومات دالّة وذات مصداقية فيها يحتاج إلى مهارة خاصّة، ومع ذلك فلابد من المحاولة ولو على مقابلات متباعدة وبأى قدر ممكن من اللباقة وفن المقابلة، ثم لا بد من إثبات المناطق التى لم يمكن الحصول فيها على معلومات كافية، ودرجة المقاومة فى كلَّ حتى يمكن الرجوع إلى استيفاء البيانات عنها بعد توقف العلاقة، وإذا لزم الأمر.
وفيما يلى ما ينبغى أن يُـسأل عنه فى هذه الفقرة:
المتن:
ا- أول معلومات وصلت عن ما هو “الجنس” وطبيعة العلاقة الجنسية وتشمل المصدر، والمحتوى، وتطور المعرفة بتقدّم السن.
التحديث:
وقد ترجع هذه المعرفة إلى سِنِىّ الطفولة الباكرة، وقد تتأخر حتى بداية المراهقة، ولا يجوز الاعتماد على مصدر واحد للحصول على هذه المعلومات هنا، على أن المريض مهما كانت تصوراتنا عن الذاكرة قد يحكى بصراحة عن هذه المرحلة أكثر من والديه خاصة فى الطبقة المتوسطة، وليس مهما أن تحصل على معلومات تفصيلية إلا إذا تطوع هو بالإشارة إليها، كما أنه ليس بالضرورة أن تكون كل المعلومات صحيحة تماما إذ فى هذه السن الباكرة، ومع قدرات الذاكرة المتباينة كثيرا ما يختلط الخيال بالحقائق، وعلى الفاحص أن يضع ذلك فى الاعتبار.
وكما ذكرتُ فإن الاختلافات فى الثقافات الفرعية مهمة فى هذه المنطقة بوجه خاص، ففى الريف، عادة لا يعرف معظم الأطباء كيف يمكن أن تأتى المعلومات عن الجنس للأطفال، لأنها تأتى أولا من مشاهدتهم ما يجرى بين الحيوانات والطيور بطريقة مألوفة ومقبولة(1) وعادة ما لا يبالغ أهل الريف فى النهى عن متابعة هذه المشاهدات التى يعتبرونها طبيبعية، وإن كانت الإجابات عنها تختلف اختلافا شديدا بين الأسر وبعضها حسب نوع التدين، وكم القهر، ومساحة الحوار…. الخ.
ثم إنه قد جد جديد فى هذا المجال مؤخرا (فى العشر أو العشرين سنة الأخيرة) بعد أن انتشرت الهواتف المحمولة وأدوات الاتصال والتواصل الحديثة بين الأطفال والمراهقين وغيرهم حتى أصبحت مصدرا باكرا للحصول على معلومات عن الجنس وغالبا ما تكون معلومات عشوائية أو مشوَّهة أو مشوِّهة، ومع ذلك لا توجد وسيلة لترشيد هذه المصادر ولا الإشراف على جرعة ما بها من ثقافة مقابل ما يمكن أن تلحق بالنشء أى تشويهات.
وبصفة عامة لا ينبغى على الطبيب (الفاحص) أن يتوقف كثيرا عند هذه المنطقة اللهم إلا إذا كانت مصاحَبَة بضرار الأطفال(2) أو استقلالهم بأى درجة من الدرجات.
كما ينبغى على الطبيب (الفاحص) ألا ينسى أن ألعاب الأطفال ذكورا وإناثا لا تخلو من بعض الاستكشافات المحتملة، مع اختلاف درجة الشعور بالذنب، ومساحات التمادى، بدءًا من ألعاب “عريس وعروسة”.
المتن (2)
ثم يُسأل عن أول مداعبات، أو تجريب جنسى، منذ الطفولة ولاحقا، ثم ماذا بعد، حتى أول ممارسة جنسية (سطحية أو غير ذلك) ومع مَن، (ليس بالاسم طبعا) وما صَاحَبَها من خبرة أو لذّة أو اكتشاف أو ذنب.. إلخ. ثم ماذا بعد، وهل تطورت، وكيف؟ وهل لها آثار حتى الآن؟.
ثم عن ماذا تلى ذلك من ممارسات قبل الزواج، وفى الزواج، وخارج الزواج (أنظر بعد).
التحديث:
لا يتوقف موقف الطبيب (الفاحص) فى هذه المنطقة على مدى معلوماته العلمية والثقافية التى وصلته عن طريق الدراسة أو القراءة، وإنما يتعمق إذْ يرتبط أيضا بموقفه الأيديولوجى والدينى، ثم التطورى من هذه المنطقة، وبالرغم من ان التحليل النفسى التقليدى قد بالغ فى إعطاء أهمية أولوية هائلة للغريزة الجنسية ودورها فى النمو البشرى، وموقفها من الصحة النفسية، وآثار كبتها، ومضاعفات تشويهها، إلا أن ما وصل إلى العامة وغير المتعمقين أدى إلى المبالغة الشديدة فى هذا الاتجاه، كما ارتبط بتفسيرات تحليل نفسى مبالغ فى دورها مثل “عقدة أوديب” و”عقدة إلكترا” و”عقدة الخصاًء”….الخ، ولم يترتب على هذا الانتشار أى تَصَالُحٍ مع الطبيعة الحيوية والبشرية بقدر ما ارتبط بمخاوف منها، بعد تشويهها، وإظلامٍ جرى حولها فى كثير من المناطق، فى حين أن الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى يتناولها بشكل أكثر مباشرة وفى نفس الوقت أعمق رؤية وأقرب إلى الطبيعة الممتدة فى كل الأحياء.
فى الطب النفسى الإيقاعحيوى التطورى: انطلاقا من تصالحنا مع جذورنا وأصلنا واحتراما لبرامج التطور وفهما لأطوراه يمكن أن يساعد المنظور التطورى على فهم أصول ما يسمى “الجنس مع المحارم”، باعتبار أنه الأصل فى الأحياء الأدنى، وأن النهى عنه قد نشأ مؤخرا فى تاريخ التطور مع تشكيلات بناء المجتمع الإنسانى، وبالذات النظام الأسرى الذى ظهر من خلال تنظمياته ما يسمى “نحو (أو أجرومية) العائلة” Grammar of the Family فكما أن هناك فى نحو فى اللغة ما يسمى “الممنوع من الصرف”، فإن هناك فى “نحو” (أجرومية) العائلة “الممنوع من الجنس”، وبالتالى لا يحتاج الأمر إلى تفسيرات أسطورية مستوحاة من عقدة أوديب أو غيره، إن هذا الموقف العلمى المحيط يجعل الاستقصاء فى هذه المنطقة أكثر استيعابا لحركية الوعى وطبيعة التطور عبر التاريخ، مما قد يكون سبيلا لتعميق ملامسة تاريخ التواصل المتبادل ثم فهم مراحل تطوره على مستوى الأحياء، ثم منعه نتيجة لمزيد من النضج والتنظيم وأيضا تبعا لبرامج البقاء.
هذا، ولا ينفصل الاستقصاء عن التاريخ الجنسى عن الاقتراب من تاريخ “العلاقة بالموضوع” بصفة عامة (الآخر) بدءًا من العلاقة بالأم فالأب فالأسرة دون إقحام الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا يتيح التعامل مع الجنس -من منطلق التطور – من الاقتصار على الجنس التناسلى فقط، إلى وظيفته كمصدر للطاقة الحيوية اللازمة لحركية الجدل المتصاعد بين مستويات الوعى البينشخصى على الجانبين(3). ومن ثَمَّ الوعى الجمعى فكل دوائر الوعى المتمادية!
وقد أشرت إلى ذلك من قبل فى ملف الوجدان والنمو العادى (نشرة 5-10-2014) وهكذا يتم الانتقال فى اللقاء بسهولة إلى الاستقصاء فى المقابلة عن تاريخ العلاقات عموما والعلاقات العاطفية خاصة، ويظهر هذا التاريخ كلا من احتمالات احتواء الطاقة الحيوية (الجنس والعدوان أساسا) فى الدفع نحو الآخر وطبعا يرصد نوع العلاقة (امتلاكية /اعتمادية/ نفعية/ استعمالية/ احتوائية/ استغلالية/ صفقاتية…..الخ) مع التمهل بالتفصيل عند ظروف وأسباب انتهاء كل علاقة (الظروف والأسباب الحقيقية أو التبريرية) وطبعا التفاعل لهذا الإنهاء وإذا تعددت العلاقات وتنوعت يستحسن عمل تخطيط بيانى لمعرفة احتمالات تكرار النَّصّ Repetition of Script
المتن (3)
(يُسأل بعد ذلك عن) تاريخ وحاضر الاستمناء (العادة السرية) بكل صورها، وتواترها، والشعور نحوها (بالذنب أو غيره) والمعلومات الصحيحة والخاطئة بالنسبة لها، (إشاعة مدى تأثيرها على الصحة، وإشاعة الأمراض التى يمكن أن تتسبب عنها، وموقف الدين منها.. إلخ)، وليس بالضرورة أن يقتصر السؤال على غير المتزوجين إذ أن بعض المتزوجين يظلون يمارسونها بشكل أو بآخر، هذا، وسؤال الإناث عن هذه العادة يكون أصعب عادة .
التحديث:
بالرغم أن هذه العادة تكاد تعتبر طبيعية فى مرحلة ما من النمو (حتى من خلال بعض الفتاوى الفقهية الدينية)(4) إلا أن سوء الفهم حولها يؤدى إلى مشاكل ومضاعفات ليست قليلة، على أن رصد تواتر ممارسة هذه العادة وتصاعدها، والانقطاع عنها مؤقتا أو دائما يسهم فى ذلك فى تحديد مسار النمو ومدى الانغلاق على الذات بصفة عامة، كما يشير إلى مدى استسهال اللذة الذاتوية، وقد يصل تكرارها بكثرة إلى درجة من “الوسواس القهرى” حتى لو انفصلت عن الاستثارة اللَّذيَّة.
وكل هذا يؤخذ أيضا على انه من مؤشرات دراسة طبيعة توجه الطاقة الحيوية نحو الذات بديلا عن جدل حركية التواصل مع آخرين وآخريات.
وهناـ لابد من التذكرة بأن موقف الطبيب (الفاحص) ظاهرا وباطنا يمثل عاملا مهما فى احتواء الموقف، دون الإسراع بإصدار أحكام أخلاقية علوية أو دينية صرفة.
ونكمل غدًا
[1] – أذكر أن المرحوم عباس العقاد قد صرّح عند سؤاله عن تدريس ما اسموه الثقافة الجنسية فى المدارس أجاب مشيرا إلى طفولته وكيف أن نشأته فى ريف الصعيد لم تجعله يحتاج إلى مثل ذلك.
[2] – Child Abuse
[3] – ولعل هذا ما كان يعينه فرويد حين استعمل مصطلح الليبدو وليس الجنس
[4] – مثلا: الأمام ابن حنبل على تقواه وورعه يقر أنها “فضلة من فضلات الجسم تفصد كما يفصد الدم الفاسد” وثم توجه آخر يزعم أنها كانت لطرد الشهوة فهى حلال أما إذا كانت مصطنعة ولجلب الشهوة فهى حرام.