نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 29-8-2016
السنة التاسعة
العدد: 3286
الطبنفسى الإيقاعحيوى (91)
Biorhythmic Psychiatry
عن القلق:
قلق فرط (فرط) الدراية (10)
Hyperawareness Anxiety
القلق الذهانى (3)
مقدمة:
ما زلنا مع قلق فرط الدراية، وكل ما قدمناه من أول القلق الوجودى، وحتى القلق الكونى كان إيجابيا صرفا (القلق الإبداعى والقلق الكونى)، أو أنه كان يَحتمل أن يكون إيجابيا أكثر من أن ينتهى إلى مآل سلبى فى ظروف سيئة أو غير مساعـِدة (القلق المُفترقى، والقلق المُواجهى، وقلق الإنذار الداخلي)، لكننا اليوم نقدم نوعا سلبيا صرفا من القلق وهو القلق الذهانى، وبديهى أن نتساءل كيف يكون فرط الدراية مصدرا لقلق سلبى تماما بهذه المباشرة؟
السؤال فى محله، لأن الدراية هى من أهم مستلزمات النمو، (مرة أخرى الدراية غير البصيرة المعقلنة)، فزيادتها تحفز النمو عادة حتى لو تخطت المألوف أو تجاوزت المتوقع، وبالتالى فالمفروض أن يكون مسارها ومصيرها هو تعميق للوجود (الوجود) أو إبداع شخصى (النمو) أو إيمانى (الكونى) أو على الأقلق مفترق طرق لأى من ذلك (مع استبعاد المآل السلبى الذى ينفى عنها إيجابيتها أيا كانت البداية)، مثل القاعدة العامة إن أى زيادة بالغة فى صفة من الصفات مهما كانت إيجابية، أو مطلوبة أو مفيدة، يمكن أن تؤدى إلى عكس ما تعد به، وهذا هو ما يسرى على هذا النوع من القلق الخطير، وبالذات على “فرط الدراية” إذْ من ذا يستطيع أنت يرى داخله كله، وهو يحتوى تاريخ الحياة وتاريخ التطور بالإضافة إلى تاريخه الشخصى يحتوى كل ذلك هنا والآن؟
إذن فالدراية مهما بلغت لها حدودها المتواضعة جدا فإذا احتدت فنحن أمام هوْل الهوْل ومن ثم احتمال الذهان القلقى بل القلق الذهانى.
لا أريد أن أرجع إلى ما أفضنا فيه فى نشرات سابقة (نشرات: نشرة 25-7-2016 & نشرة 24-7-2016 & نشرة 23-7-2016) لنبين مدى إصرارنا على الاحتفاظ بالتفرقة الحاسمة بين العصاب والذهان، وأن التفرقة لا ينبغى أن تتم على مجرد وجود أعراض تسمى ذهانية بذاتها هنا وأعراض أخرى هناك فحسب، بل علينا أن ننتبه إلى التوصيف الذى يميز الذهان بمدى التغير النوعى السلبى للشخصية، وكم الإعاقة الجسيمة للأداء العملى اليومى، ومدى إفساده حتى الإلغاء أو التشويه لمعظم أو كل العلاقات البشرية الضرورية لتمييز البشر، (نفس النشرات السابق ذكرها: نشرة 25-7-2016 & نشرة 24-7-2016 & نشرة 23-7-2016)
وأجدنى مضطرا لاقتطاف نص واحد للتذكرة قبل أن نواصل تفسير هذا التناقض الظاهر فى إدراج هذا النوع اليوم مع مجموعة فرط المواجهة، وهو بكل هذه السلبية التى سوف نراها
مقتطف من (نشرة 23-7-2016):
“لفظ الذهان ليس مرادفا للفظ “الأعراض الذهانية”، لذلك لا ينبغى أن نقصر استعمال لفظ الذهان على الأعراض الذهانية مع أن هذا هو الجارى فى أغلب التقسيمات الأحدث: (الأمريكى الرابع والخامس والعالمى العاشر..إلخ)، لفظ الذهان إنما يطلق على ما يسمى (أو ما كان عادة يسمى) “الجنون”، وهو:
(1) الاضطراب النفسى/العقلى الشديد
(2) الذى يتصف بالانسحاب الأقصى من الواقع أو تشويهه لدرجة جسيمة، وكذا فقد القدرة على اختباره وتمييزه عن الخيال (وعن الواقع الداخلى) .
(3) كما يصاحبه عادة تغير سلبى جسيم فى الشخصية، قد يصل إلى درجة التفسخ
(4) وتصل درجة الإعاقة الفعلية عن الأداء الحياتى المنتظم إلى درجة كبيرة عادة.
(5) ثم إنه قد يشمل ظهور أعراض الهلاوس والضلالات بشكل واضح ومستقر. وقد لا يشملها
من كل ذلك ، وتذكرة بأن الذهان قد يشمل ما يسمى الأعراض الذهانية أو لا يشملها
يمكن القول إن أى مرض يمكن أن يكون ذهانيا إذا اتصف بهذه المواصفات بغض النظر عن وجود ما يسمى الأعراض الذهانية(1)
عودة إلى بعض تفاصيل عن القلق الذهانى :
- هو قلق غريب مختلف عن ما يعانى منه الشخص العادى أو حتى العصابى تحت اسم “القلق”، وهو عادة غامر ومتدفق ومزعج،
- يشكو منه المحيطون أكثر مما يشكو منه المريض، والمريض يشكو منه : لا ليتخلص منه بل إنه عادة ما ينزعج إذا خفّ عنه ولو قليلا،
- وهو يمتد إلى كل جوانب الحياة فى، العمل ، والعلاقات، والنوم، وكل مجالات وصور الأداء.
- والمريض لا يشكو فيه من خوف معروف أو مجهول بقدر ما يشكو من إزدحام الأفكار وكثرتها وتدفقها سواء كانت مخيفة أو غير ذلك، والمريض عادة لا يستطيع أن يحكى عن محتوى هذه الأفكار بدقة مع تكرار شكواه منها دون تمييز .
- وكثيرا ما تصاحب هذا القلق درجة بالغة من التشتت.
- كما قد يتخذ مسارا متذبذبا إذ لا يستبعد أن يختفى لفرتات قصيرة بلا مبرر ثم ينقضّ أعنف وأعتى .
- وعادة ما يعيق الأداء اليوماوى ويفسد العلاقات الشخصية والعامة، لكنه لا يرتبط بأعراض ذهانية بذاتها.
- والأرجح أنه قد يوجد فى العائلة تاريخ إيجابى للذهان أو للصرْع
- كما قد تتصف الشخصية قبل ظهور هذه الزملة تحديدا بأنها شخصية انفجارية Explosive أو عاصفية Stormy.
أما عن المواصفات العامة فإنه ينطبق عليه كل ما ذكر فيما يتميز به الذهان عامة بعيدا عن ما يسمى الأعراض الذهانية، مثل التغيير الجذرى السلبى فى الشخصية، وإفساد وإفشال العلاقات الشخصية، والاعاقة الجسمية عن الأداء اليومى وأحيانا الاعتمادية المفرطة أو النزوية الخطرة.
تجليات متنوعة:
ويمكن تميز- بعد ذلك – بعض تنويعات فرعية، لا تكفى لإخراج هذا الاضطراب من فئة القلق، لكنها تظهر كخلفية متماوجة قد يساعد رصدها فى التعرف على الأبعاد النفسمراضية الأعمق، وأيضا على التخطيط للعلاج ومن ذلك (كأمثلة):
(1) القلق الذهانى الهياجى (العام) وهو الذى يغلب فيه عدم الاستقرار والتنقل الحركى، ويصل فرط الحركة فى بعض الأحيان إلى الإيذاء أو التحطيم، وقد يتميز بعد ذلك أو مع ذلك ما وراءه من هوس أو هياج كاتاتونى أو غير ذلك، فلا يعود يكفى الاقتصار على تشخيص القلق الذهانى.
(2) قلق فرط التفكير وزحمة الأفكار: لدرجة تكاد تحتل كل مساحات الفكر وآليات التفكير، وقد يكون وراء ذلك هوس محتمل أو وسواس اجترارى ضاغط، لكن هذا وذاك لا يمثلان فى مقدمة الصورة الإكلينيكية.
(3) قلق التشويش فى معظم الوظائف وهو نوع متميز بغموض عام وعجز حتى عن وصفه، ويمكن أن يدرج تحت اسم مرض آخر لكن إذا كان ظاهره ومصاحباته تشير إلى درجة قصوى من التداخل معه، فى حين أن الشكوى تكون أساسا من أعراض القلق، مرة أخرى مع عدم ظهور ما يسمى أعراض ذهانية فأنه يظل لا يندرج تحت أى زملة أخرى إلا هذه الزملة المقترحة الآن.
(4) قلق الشكوك والتوجس وهنا – بعد الاتصاف بالمواصفات العامة لما هو ذهانى يرتبط القلق بمخاوف نابعة من سوء تأويل متماوج متكرر لا يصل إلى درجة الضلال، ولا يثبت ثباته.
(5) قلق الفزع من كشف الواقع الداخلى، وهذا مما يبرر تضمين هذه المجموعة ضمن قلق فرط (فرط) الدراية، ويكون عادة فى البداية مثل اسقاط الواقع الداخلى إلى الواقع الخارجى فى صورة هلاوس أو ضلالات.
(6) قلق الدهشة والمفاجأ وقد تردت قبل أن أدرج هذا النوع ضمن القلق الذهانى لأنه لا يظهر إلا فى بدايات الذهان وبالذات فى بدايات الفصام وتغلب فيه أعراض تغير الذات وتغير العالم (2) وقد يكون أقرب إلى القلق المواجهى أو المفترقى.
وبعد
بهذا نكون قد انتهينا من قلق فرط الدراية ونبدأ الأسبوع القادم فى قلق خفوت الدراية.
[1] – ولعل هذا هو ما دعانى فى ورقتى عن الذهانات الأخرى أدرج ما يمسى ذهان الوسواس القهرىObsessive Compulsive Psychosis، والذهان الانشقاقى Dissociative Psychosis ، والذهان النزوى Impulsive Psychosis، والذهان الدورى التفسخىPeriodical Disorganizational Psychosis ، والذهان النكوصى Regressive Psychosis،
[2] – Dpersonalization & Derealization