نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 11-6-2016
السنة التاسعة
العدد: 3207
الطبنفسى الإيقاعحيوى (56)
Biorhythmic Psychiatry
النظرية التطورية الإيقاعحيوية
الجذور (3)
الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (2)
الطور الانسحابى الانعزالى
وبداية الطور الكرفرِّى التوجسى
مقدمة:
كما ذكرت فى نشرة العلاقة بين الموسيقى والشعر والنفسامراضية، (نشرة: 28-5-2016)، (نشرة 29-5-2016) يمكن أن تفسر هذه العلاقة كيف أن ما وصلنى من مرضاى استطعت أن أصيغه شعرا بالعربية الفصحى والعامية المصرية، وذلك قبل عشرات السنين من قدرتى على شرحه أو صياغته تنظيرا نثريا مسلسلا، اليوم سمحت لنفسى أن أقتطف من شعرى هذا (بالفصحى والعامية المصرية) ما يعيننى على تقديم هذه الأطوار بشكل يتسق مع إيقاعية النبض المخى (1)، بالإضافة إلى ذلك فإننى غامرت باستعارة بعض ما بلغنى من إسهامات المصوِّرين والتشكيليين لإيضاح بعض أبعاد الطور المقابل ما أمكن ذلك.
وأبدأ اليوم بما يخص الطور الانسحابى الانعزالى مع بداية الطور الكرفرِّى التوجسى.
أولاً : بالفصحى |
من ديوان: سر اللعبة
لكن الآخـــــر
يحمل خطر الحب
إذْ يحمل معه ذل الضعف
فأنا جوْعان مذ كنت
بل إنى لم أوجدْ بعد
هذا الطور (الطور الانسحابى الانعزالى) يلغى أى احتمال للاقتراب من “الأخر ” (“الأم “غالبا فى هذه المرحلة) لأنه لم يتخلق منفردا بعد، فهو لا يملك أى مقومات للاطمئنان إلى ضرورة الآخر ليتكون، وينمو، وكلما شعر باقتراب هذا الآخر ، زاد – تبعا لبرامج هذا الطور – خوفا ورعبا مما يبرر انسحابا أكبر
(2) ………...
سوف يكون دفاعىفبقدر شعورى بحنانك
عن حقى قى الغوص إلى جوف الكهف(2)
ثم ها هو ينسحب إلى قوقعته (الكهف –القبر: الرحم) كلما شعر أن المسافة بينه وبين أحد تتضاءل، فهو الانعزال الانسحاب دون كرٍّ أو فرّ
(2) …………
ومضيت أواصل سعيي وحدى
وأصا رع وهمى بالسيف الخشبى
السيف المجداف الأعمى
والقارب تحتى مثقوبٌ
والماء يعلو فى دأبٍ
فى بطءٍ لكن فى إصرارْ
فى بحر الظلمهْ
فى بحر الطلمهْ (3)
مع تواصل الانسحاب يتوصل الإلفاء، وينغلق على ذاته الكيان البادئ، وبرغم أن هذا الانسحاب هو خط الدفاع الأول إلا أنه يعلن اختيار الضياع واللاشىء لينتهى فى محيط الظلام (بحر الظلمة)
ديوان: أغوار النفس ثانياً : بالعامية المصرية
(1) …………
بيقولوا الشط التانى أمان
إيش عرفنى؟
وإنْ كان لازم إنى أعدِّى:
الموجهْ الهادية تعدينى
من غير ما أعوم
وأعدِّى من شطىِّ لشطىِّ،
هوّا دا شرطى(4)
إن الجاهزية للانسحاب والانعزال وإلغاء الموضوع لا تعنى أنه لا توجد حركة أصلا فى هذا الطورً، ذلك أن الحركة لا تتوقف أبدا فى أى طور من هذه الاطوار طالما الإنسان ما زال على قيد الحياة، لكنها هنا حركة فى المحل (محلـَّكْ سٍـِرْ) بمعنى أن دائرة النبض تنغلق آخرها فى أولها بالضبط، فتستمر الحركة زائفة مهما نشطت(وأعدى من شطـِّى لشطـِّى، هوا ده شرطي) ، وهو بذلك يتجنب العلاقة كما يتجنب أى تغيير مهدِّد، دون اللجوء إلى معارك الكر والفر بعد.
(2) …………
وما دام الركنْ متحضَّرْ هنا تحت الأرض،
راح انطّ لْفوق
وأعدّى الطوقْ،
وارضى القُرّدّاتى..
“يسترزق”! (5)
مزيد من التأكيد على أن الحركة فى المحل ليست تقدما نحو الموضوع حتى لو كانت إرضاء للآخر (الأم) وحتى لو أن هذا الآخر قد رضى بها أو انخدع فيها بل إنه قد يساهم فى دعمها لأنه بدوره قد لا يعترف بوجود الطفل كيانا ناميا قادر على الانفصال والاستقلال، والانسحاب ضمان دائم، والركن مآل واق.
(3) ………..
يا أخينا:
لما انت عرفت انّى ميت
بتقرب ليه؟
ماتكونشى عايز تتفرج؟
على إيه؟
عايز تعرف: إزاى الميت بيحس؟
إزاى بيطلع حس؟
ويتمادى الشك ورفض القرب حتى الاعتراف بأن هذا الانسحاب هو اعدام للحياة وتنقلب أى علاقة إلى تبادل الأحكام دون تلاحم حقيقى أو جدل موضوعى
ولاّ حتاخد تفاصيل النعْى:
تكتب إعلان وبْخّط اسود وبيُنْط عرض:
“إن المرحوم كان واحد بيه، ولا خدش نصيبه فى الدنيا ..،ويا عينى عليه،
والمعزى من سته لتسعهبمعياد سابق”(6)
ثم يأتى التسليم والاعتراف بأن الأمان الزائف، وما يشبه العلاقة هو كل الممكن وأن الحوار مع الموضوع ليس فقط حوار الصـُّمّ، بل مغزى للميّت.
(4) …………
- فينـِك يا مّه؟
نـِفـْسِى اتكوّم جوّاكى تانى،
بطنك يامّه أَأْمـَنْ واشرف من حركاتـْـهُم.
= وانْ ما قدرتشْ؟
– يبقى ماليَّاشْ إلا التربه،
والله ترابها دا أرحم واصدق من خدعتهم (7)
الحنين إلى الرجوع إلى الرحم (الكهف/القوقعة/العش) يظل يلح فى مواجهة خطر الاقتراب من الآخر وايضا صد العلاقات الزائفة والسطحية، وهنا تأكيد آخر لتلاحم دور الانعزال والانسحاب مع دور الكرفر التوجسى.
(5) …………
عايزينّى أصحَى؟
وجهنّم خوفى تسوِّينى؟
مانا لو حاصحى، ما نا لازم اخاف
وأموت ما الخوف
وارجع أصحى
وأغيّر جلدى لِحَدّ ما احِسّ
وانا خايفه أحس، وخايفة أبص،
ويمكن أن يظل هذا التسليم مختفيا وراء قشرة من العلاقات الزائفة، وهو يهدد بمزيد من الانسحاب لدرجة المرض إذا لزم الأمر، والمقطع التالى يؤكد الرعب من يقظة بلا ضمان، وخوف من أى تجديد أو محاولة.
على ما اصحى واموت وارجع أصحى
حاتكونوا نسيتوا انا مين
أو كنّا فْ إيه
لا . يا عم
أيها واحد حيقرّبْلىْ، حاخده بالحضن
وكإنى باحب (8)
هكذا يتضاعف الشك كلما لاحت نبضة جديدة تلوح بمحاولة جديدة ومحية التوجس والشك فى الآخر، ويقلب أى اقتراب إلى علاقة زائفة (كأنى باحب)
(6) …………
جرى إيه يا أخينا ..؟
على فينْ؟
ما كفانا زواق الباب
إياك تفتحنى،
حتلاقى الهِوّ
البيت دا مالوهشى اصحاب
دول سافروا قبل ما ييجوا،
ثم يكون رفض الآخر الذى يواصل محاولة الاقتراب بلبس قناع زائف من العلاقات اللامعة الظاهرية الخالية من اى جدل، أو اعتراف بحركية محاولة العلاقة الحقيقية، وتقام السدود الداخلية، مما يتيح أن يُغطَى الظاهر بسماح سطحى مشروط بالالغاء الواقعى
من يوم ما بنينا السد،
السد الجـُـوَّانى التانى
وان كان مش عاجبك، سدِّى البرّانى
تبقى فقست اللعبة
ومانيش لاعبة
أنا ماشيهْ (9)
فإذا فشلت السدود فى الصد والدفع، تنشط آليات الانسحاب من جديد (مانيش لاعبة أنا ماشية)
(7) …………
عايـِزْ اوْصف فى مشاعرى وإحساساتى
واقعد أوصفها سنين
مش حابَطِّل
خايف ابطّل
لو أبطّل وصف فى الاحساس حاحِس
وانا مش قد الكلام ده (10))
هكذا تحل العلاقة الكلامية الاغترابية محل أى علاقة وجدانية بناءه، وكذلك يحل الكلام ووصف المشاعر بالألفاظ محل معايشة الإحساس والانطلاق منه
وإلى الغد
مع الموقف الكرفرّى أساسا (وهو شديد الاتصال بهذا الموقف الانسحابى الانعزالى)
[1] – لا أجد فى نفسى ميلا لتكرار الاعتذار عن التكرار، ومع ذلك فلا بد من إشارة إلى أصل العملين : ديوانى: سر اللعبة (بالفصحى)، و “أغوار النفس” بالعامية المصرية)، وشرحهما (من نشرة 9/6/2009 إلى نشرة 10/9/2010)
[2] – قصيدة: جلد بالمقلوب – ديوان: سر اللعبة سنة 1979
[3] – قصيدة: وهتفت بأعلى صمتى – ديوان: سر اللعبة سنة 1979
[4] – الجنازة الأولانية : سارى الخوف – ديوان أغوار النفس : سنة 1978، ص 46
[5] – الجنازة الثانية : القرداتى – ديوان أغوار النفس: سنة 1978، ص 51& 52
[6] – الجنازة الرابعة : الموت السرى المتدحلب – ديوان أغوار النفس: سنة 1978، ص 59& 60
[7] – العين التالتة : القط – ديوان أغوار النفس : سنة 1978، ص 94&95
[8] – العين الرابعة : البِرْكة – ديوان أغوار النفس: سنة 1978، ص99&100
[9] – العين الخامسة : السد البرانى – ديوان أغوار النفس : سنة 1978، ص104
[10] – العين الثامنة : فركيشه! – ديوان أغوار النفس : سنة 1978، ص117