نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت: 14-5-2016
السنة التاسعة
العدد: 3179
الطبنفسى الإيقاعحيوى (44)
Biorhythmic Psychiatry
المقابلة الإكلينيكية (10)
التاريخ العائلى (5)
مع بعض القادة والمبدعين المصابين بالصرْع ( 1 – 2)
مقدمة
لماذا عرجتُ إلى كل هذه التفاصيل، ونحن لم نبرح “المقابلة الإكلينيكية”، وذلك فيما يتعلق بوجود الصرْع بالذات فى التاريخ الوراثى؟
أعتقد أن المتتبع لتسلسل المحاولة قد يكون قد وصلته إجابة السؤال فيما يتعلق بالطبنفسى الإيقاعحيوى، (التطورى)، أما من لم يلتقط العلاقة فإنى أعده أن أختم ثلاثية نشرات هذا الأسبوع، أى فى نشرة الإثنين بإذن الله، بمحاولة الإجابة التى حضرتنى ولو بالتقريب.
أما اليوم وباكر، فسوف أختم بما تيسر من المعلومات الضرورية عن أهمية البحث عن وراثة الصرع، بعد أن أستبعد من الأمراض النفسية اصلا، وذلك فيما يتعلق بفرض فكرة الوراثة المشتركة النابعة من فرط زخم طاقة نشطة تتجلى فى الصرْع أو الإبداع أو المرض النفسى،
اليوم سوف أختم هذه المرحلة بإشارة موجزة إلى من تيسر لى من المبدعين والقادة (1)الذين عرف عنهم (أو تأكد من تاريخهم) أنهم كانوا مصابين بالصرْع، وفى نفس الوقت قادوا من قادوا، وأبدعوا ما أبدعوا!!
وقبل أن أعرض هذه العينة من الأسماء، أود أن أحدد قواعد انتقاء من سترد أسماءهم:
1) اخترت الأسماء المشهورة ، ليس بأنها صرعية، ولكن المشهورة تاريخا وإنجازا
2) جعلت نفسى ومعارفى مقياسا متحيزا لذلك، فاخترت الأسماء التى ألِفْتهُا أو شدتنى إليها، أو التى أحببتها بوجه خاص.
3) كان من بين هؤلاء من كان يصلنى عفوا من إطلاعاتى أنه صرعى، وذلك قبل أن أستشير عمنا “جوجل”، الذى أكد لى أن كثيرا ممن ألفتهم وقرأت لهم، أو أعجبت بهم، كانوا صرعيين، فسجلت منهم ما تيسر، وهم كُثْر حتى فاضوا عن احتياجى.
4) وصلنى أثناء فحصى أن بعض نوبات هؤلاء قد لا تنطبق عليها وصف نوبات الصرع بشكل محدد متفق عليه إكلينيكيا، ولم أتحقق من ذلك تماما، لكننى رحبت به كاحتمال نادر غالبا، فقط : حاولت أن أتأكد من أن هذه النوبات كان يصاحبها تغير فى الوعى قَصُرَ أم طَالْ، وعلى سبيل المثال، تعجبت كيف أنكر سيجموند فرويد أن يكون ديستويفسكى صرعيا أصلا، واعتبر انه وصف نفسه بذلك خطأ، وأن نوباته كانت من نوع الانشقاق الهستيرى، وقد رفضت ذلك تماما، فلا هو يساير وصف ديستويفسكى لنفسه ونوباته، وخاصة إرهاصات النوبة، ولا هو حتى يتناسب مع مذكرات زوجته التى وصلتنى حديثا(2)
5) اكتفيت أن أقتطف ما يسمح بالتعريف بكل شخصية بأقل قدر من المعلومات الضرورية، وهو أمر لازم لمن لا يعرفهم أصلا (وأظن أن ذلك نادر)
6) تعمدت أن أثبت من النص المتاح من كرم عمنا “جوجل” الجملة التى حددت النوبة بأنها صرع (ربما لتكون فى النهاية العهدة على المصدر، وإن لم ألتزم بتحديد المصدر بالتفصيل)
7) اكتفيت بنيف وعشرين شخصية سوف أنشر نصفهم اليوم مع تعقيبات من بضع كلمات إذا لزم الأمر، مؤجلا الباقين لنشرة الغد، لعلى أعطى الفرصة الكافية لمن يتفضل بالرجوع إلى الأصول (جوجل أو غيره) أن يساعدنى فى التحقق مما وصلنى.
8) اعتقد أن هذا التحقق ليس ضروريا جدا، فنحن حتى فى الفحص الإكلينيكى الحالى ليس عندنا وسيلة وصفية حاسمة محددة للتمييز بين كل نوبات الصرع، حتى رسام المخ الكهربائى، يمكن أن يعطينا نتائج زائفة (وإن كان ذلك نادرا) إيجابية، وسلبية على حد سواء
****
وفيما يلى المجموعة الأولى مع أقل قدر من التعقيب :
(1) فيثاغورث: ولد فى عام 570 قبل الميلاد في جزيرة ساموس على الساحل اليوناني وتوفى فى عام 495 قبل الميلاد
وقد قام برحلات في شبابه ما بين سوريا والعراق، ثم زار مصر أقام بها حتى بلغ الـ40 من عمره، وبعد 20 سنة من الترحال والدراسة تمكن «فيثاغورث» من تعلم كل ما هو معروف في الرياضيات من مختلف الحضارات المعروفة آنذاك، رغم معاناته من الصرع طوال حياته.
تعقيب:
فرحت بأن أعرف أنه بالإضافة إلى إبداعه فى الرياضة نشط تحصيله لكل هذه المعارف ولم يعيقه الصرْع، (ثم سررت سرا بأنه كان ضيفا كريما عندنا فى مصر من قديم، أهلا به وسهلا)
(2) سقراط: ولد عام 469 قبل الميلاد، وأعدم في عام ٣٩٩ قبل الميلاد.
أعتقد أن سقراط – طبعا – هو أشهر من أن يُعّرف في التاريخ البشري برمته كان مصابا بالصرع، ويُذكر أن تلاميذه أنهم كانوا يشعرون بالفزع عندما يفقد أستاذهم الوعي ويسقط فجأة وتتراخى عضلاته، ثم يغط بعدها في نوم عميق، والمعروف عن سقراط أنه لم يضع أية مؤلفات وعرفت معظم المعلومات عن حياته وتعاليمه من تليمذيه «زينفون» وتلميذه أيضا “افلاطون”.
تعقيب:
هذا الوصف من تلاميذه بالغ الدلالة لكون النوبة صرْعا جسيما،
وقد حضرتّنى بوجه خاص المحاورة عن محاكمته، وهى النموذج الإنسانى الأرقى لاحترام القانون من ثائر دفع حياته ليبلغ هذه الرسالة لتلاميذه وناسه والتاريخ!!
(3) أرسطو: ولد عام 384 قبل الميلاد، وتوفى عام 322 قبل الميلاد.
ننتقل من سقراط إلى أرسطو – دون أن نتوقف عند أفلاطون – الذي كان له تأثير تاريخي في العديد من العلوم ومنها علم الحيوان، الأحياء، الأخلاق، السياسة، الفيزياء والميتافيزيقا، إضافة إلى الموسيقى والشعر والمسرح، ونظرا لما كان يتصف به أرسطو من موسوعية، أصبح المعلم الأول للإمبراطور الاسكندر الأكبر الذي كان مصابا بالصرع أيضا، وقد تم ربط صرع أرسطو بعبقريته، وكان يرى هو نفسه أن الاضطرابات العصبية قد يكون لها القدرة على زيادة نشاط الدماغ في أماكن محددة، وربما أيضا تعزز قدرات الأشخاص الجسمانية إلى حد كبير.
تعقيب:
فرحت بهذ الحدس الأخير لأرسطو عن طبيعة مرضه والزيادة فى نشاط الدماغ، والقدرات الجسمانية، حيث وصلتنى من ذلك علاقة ما بفرض “زخم الطاقة” الذى قدمناه الأسبوع الماضى ودائما.
(4) الإسكندر الأكبر: ولد فى ٣٥٦ قبل الميلاد ، وتوفى ٣٢٣ قبل الميلاد
هو واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر التاريخ، … ولد في العاصمة المقدونية القديمة، بيلا، في 20 يوليو 356 قبل الميلاد، وتتلمذ على يد «أرسطو» واعتبره معلمه الخاص الذي درّبه تدريبا شاملا على فن الخطابة والأدب.
وتعلم الاسكندر الأكبر فنون الحرب، وتولى مكان أبيه بعد اغتياله، عام 336 ق. م، وكان عمره وقتذاك 20 عاما، …. لم يخسر معركة قط خلال 11 سنة من القتال ضد قوات تفوقه عددا،.
وكان الاسكندر مصابا بالصرع وكان يعرف وقتها باسم «المرض المقدس»
تعقيب:
أعتقد أن الاسكندر لا يحتاج منا إلى تذكرة، إلا أنه كان صرْعيا أيضا!!
(5) هانيبال: ولد فى قرطاجةعام ٢٤٧ قبل الميلاد ، ورحل منتحرا عام 183 قبل الميلاد
وهو القائد الذي اكتسح شمال إفريقيا وإسبانيا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا، واشتهر بخططه الحربية المبتكرة وتتلمذ على يد والده أيضا مثل الإسكندرالأكبر، …وبدأ زحفه على روما سنة 218 قبل الميلاد, وحاصرها 15 سنة وتمكن من التغلب على الرومان في معركتين واحتل شمال إيطاليا، وكادت روما أن تسقط.
وعاش القائد هانيبال 60 ومات منتحرا بعد أن تناول السم
تعقيب:
وأنا لم أكن أعرفه مثل سابقيه، ولا أستبعد ان دراسة أعمق وأطول قد تربط انتحاره بمرض الصرْع ليست بطريق مباشر وإنما: من خلال احتمال رِدّه الطاقة مدمرة إلى الذات.
(6) يوليوس قيصر: ولد سنة مائة وتوفي عام 44 قبل الميلاد
وهو أحد أكثر الرجال نفوذا في التاريخ كان أيضا من المصابين بمرض الصرع، وقيصر كان سياسيا ورجل دولة داهية، وخطيبا بارعا وقائدا محنكا، وفي 15 مارس 44 ق.م، اغتيل «قيصر» على يد بعض أعدائه القدامى وآخرين طالما اعتبرهم من أصدقائه.
تعقيب:
ويمكن الرجوع إلى نشرة الخميس الماضى فى تداعياتى على تداعيات نجيب محفوظ الخطية، وفيها تفاصيل مصرعه (نشرة 12-5-2016 قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ رقم (236).
(7) الملك ألفريد العظيم: ولد فى عام 849 ، وتوفى فى عام 899
الملك ألفريد الأكبر هو الذي مهد للوحدة الإنجليزية، وتصدى لهجمات قبائل «فايكينج» المتتابعة على شمال أوروبا، كان مصابا بالصرع ورغم ذلك لم ينقذ بريطانيا من الإبادة سوى عبقريته.
تعقيب:
وهذا الأسم هو أكثر بعدا عن معارفى، لكن ربما دفعنى إلى إدراجه هنا ذكر قبائل “الفايكينج”، ثم لاحظ استعمال كلمة “عبقريته” برغم أنه ليس مبدعاً، مع التذكرة بأننى تجنبت استعمالها كما ذكرت فى البداية.
(8) ليوناردو دا فينشي: ولد فى عام 1452 ، وتوفى فى عام 1519 م
وهو مَنْ أبدَعَ أعظم اللوحات الدينية وقد برع ليس فقط في التشكيل ولكن في العديد من التخصصات الأخرى كذلك.
تعقيب:
ولا يحتاج الأمر إلى التذكرة بأنه هو الذى أبدع لوحة الموناليزا.
(9) مايكل أنجلو: ولد فى عام 1475 ، وتوفى فى عام 1564 م
وهو النحات لعديد من التماثيل الدينية الأكثر شهرة في كل العصور.
ومن إبداعاته رسومات سقف كنيسة سيستينا وكاتدرائية القديس بطرس المشهورة بايطاليا وتمثال خلق آدم، وتمثال داود.
(10) مارتن لوثر: ولد فى عام 1483 ، وتوفى فى عام 1546 م
وهو الراهب، اللاهوتي، الألمانى، وهو المصلح الذى تحدى لاهوت السلطة البابوية من خلال مبدأ: أن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للسلطة الدينية(3).
تعقيب:
وأعتقد أن التشخيص الفارقى للنوبات التى كانت تصيبه ربما تكون هى مرض “مينيير”: Miniere’s disease (التهاب مزمن يتراوح للأذن الداخلية).
(11) لويس الثالث عشر ملك فرنسا: ولد فى عام 1601 وتوفى فى عام 1643م،
وقد حكم فرنسا عام 1610م وعمره أقل من 9 سنوات، كان يعاني بشدة من مرض الصرع، والملك لويس تولى مقاليد الحكم عقب اغتيال والده هنري الرابع، وعينت والدته الإيطالية الأصل ماري دي مديتشي وصية على العرش.
وبالفعل نجح في استعادة السيطرة على معظم المدن البروتستانتية المحصنة، وحكم قبضته على مقاليد السلطة في البلاد، وكان يقول للمحيطين به إنه نجح في التعايش مع الصرع.
تعقيب:
بصراحة لا أعرفه بشكل يبرر لى رصده ، لكن يبدو أننى أثبته للإشارة إلى مغزى صعر سنه، تعبير المحيطين أنه “نجح فى التعايش مع الصرْع”، لما لهذا من علاقة بما أشرنا إليه فى نشرة العلاج الجمعى للصرعيين (أنظر نشرة 8-5-2016)
(12) إسحق نيوتن: ولد فى عام 1642، وتوفى عام 1727م
السير إسحق نيوتن، كان من أعظم علماء القرن 18 في الرياضيات والفيزياء،
كان يفقد الوعي لمدة ثواني قليلة بسبب نوبات الصرع، وكانت يحس برعشة حول عينه وفمه، كما كان يشعر بشرود ذهنى متقطع.
تعقيب:
فوجئت أن نيوتن كان صرعيا، وعلاقتى بنيوتن هى انتباهى إلى ذكر اسمه طول الوقت كمرحلة فارقة لتطور الطبيعة والرياضة، بالذات، والتركيز على التفرقة بمرحلة إنجازاته بين المرحلة النيوتنية وما بعد نيوتن.
(13) نابليون الأول: ولد فى عام 1769 وتوفى فى عام 1821
وقد عانى من الإصابة بمرض الصرع طوال حياته، وهو إمبراطور فرنسا وصاحب الانتصارات المتعددة، الذي وصفه البعض أنه «أعظم عبقرية عسكرية عرفها التاريخ».
وقد عرف عن «بونابرت» أنه كان غريب الأطوار، وعاشق للنساء، وفاشل في حياته الزوجية وذو ذكاء نادر،
تعقيب:
فهل يا ترى كان لذلك (ما عرف عنه) علاقة بصرْعه؟
أما علاقته بمصر وبتطوراتها فى حملته ونقلاته قبلها وبعدها فهى أقرب إلينا من أن يعاد ذكرها.
وبعد
إذا كان أغلب من ذكرنا اليوم هم من الملوك والقواد العسكريين خاصة فإن مجموعة الغد بها عدد أكبر بكثير من المتميزين فى الإبداع خاصة.
وغدًا نكمل.
[1] – وهم أحيانا يوضعون تحت ما يسمى “عباقرة”، وإن كنت قد فضلت تجنب استعمال هذه الصفة لأسباب لا مجال لذكرها هنا الآن.
[2] – أنا جريجوريفنا ديستويفسكايا “مذكرات زوجة دستويفسكى” تأليف: آنا غريغور ريفنا دستويفسكي ترجمة: أنور محمد إبراهيم – المجلس الأعلى للثقافة – المركز القومي للترجمة – القاهرة – سنة 2015 – وتقع فى 630 صفحة من القطع الكبير.
[3] – قارن موقف من يسمون من المسلمين حاليا: “القرآنيون”.