نشرة الإنسان والتطور
نشرة الأثنين: 17-4-2017
السنة العاشرة
العدد: 3516
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (186)
الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع
أنواع الفصام: تمهيد تاريخى لازم
مقدمة:
وعدت أمس بالبدء فى عرض اللازم من أنواع الفصام التقليدية، وهذا أمر يحتاج أن يبدأ بنظرة تاريخية سريعة يمكن أن تفيد فى بيان أن الخلاف حول مفهوم الفصام كان موجودا منذ بدأ بنديكت موريل سنة 1852 Benedict Morel وصفه باسم “العته المبكر” Dementia Praecox، ومن الطريف أن أول مريض وصفه كان شابا فى سن المراهقة (الخامسة عشر)، توقف فى دراسته عاجزا عن التحصيل، ثم انطوى فى حجرته ثم انسحب من مواصلة الدراسة، ولعل هذا هو أقرب إلى ما نشاهده فى الممارسة حاليا فى مصر خاصة، وربما العالم العربى، ونسميه أحيانا “ظاهرة الثانوية العامة”!!
ثم عاد إميل كريبلين ليصف نفس الظاهرة سنة 1896، وأقر الاسم، وإن كان يوجد نقاش حول ما إذا كان يعرف ما وصفه موريل مسبقا أم لا، إلى أن جاء يوجين بلويلر Eugen Bleuler سنة 1911
ليميز بين هذا المرض وبين جنون الهوس والاكتئاب، ويصك مصطلح الفصام Schizophrenia وهو يرى أنه يمكن أن يكون وصفا أدق لما أسموه “العته المبكر” لأنه انفصام وتباعد بين الوظائف النفسية Schizm) (Split= بين التفكير والعواطف والسلوك، وهكذا: اقترح بلويلر اسم “الفصام” ليحل محل المصطلح الأول “العته المبكر”، وحتى الآن.
يبدو أن الذى دعا يوجين بلويلر إلى تعديل الاسم لم يكن فقط مظاهر الانفصام التى لاحظها، وإنما لأنه اكتشف أن بعض من شُخِّصوا هذا التشخيص كانوا يشفون بدرجة ما، وأحيانا تماما، وبذلك تنتفى عنهم صفة “العته” Dementia التى كانت جزءا من الاسم الأول، وأعتقد أن هذه كانت أول بادرة تفاؤلية تجعل هذا المرض، مهما بلغت حدته، ومهما بلغت ندرة من يشفون منه، تجعله مرضا قابلا للشفاء، الأمر الذى يتفق ما يعرضه مؤخرا الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى بكل إصرار كما لاحظنا طول الوقت ونحن نعرض لذلك.
وبعد
يا ترى هل يوجد مبرر أن أعـُرجَ إلى كل أنواع الفصام التقليدية، وغير التقليدية برغم تحفظى على أولوية التشخيص فى العلاج، وهل الأنواع إلا تفصيل لما هو تشخيص؟ إن تقسيم وتقديم أنواع الفصام حسب المنظور التقليدى ليس حائلا دون وضع كل نوع فى موضعه على مسيرة الفصام، بل إن ما جدَّ من تطوير وتجديد وإضافة ومراجعة للأنواع المختلفة قد أتاح الفرصة لمواكبة حركية التفكيك وخطورة تماديها حتى التفسخ فالجمود، جنبا إلى جنب مع فتح آفاق علاجية تسهم فى مواكبة هذه الحركية عملا على احتوائها، واحتمال تحويل مسارها إلى ما تعد به من قفزات تشكيلية إبداعية على مسار النمو.
هذا، وقد مارستُ مراجعة معظم أنواع الفصام على مدار خبرتى وتنظيرى وأبحاثى وإشرافى على رسائل الماجستير والدكتوراه، وسجلت ذلك على مدى مراحل تطور فكرى من واقع ممارستى، ونشرت أغلبه فى كتاب (1) متاح إلكترونيا ولكن للأسف بالإنجليزية فقط، وعنوان الفصل الخاص بذلك هو: “محاولات متتابعة لتصنيف الفصام” (2)، ولم أنسخ منه إلا عددا محدودا مصورا ورقيا، ، ثم إنى نشرت فى افتتاحية فى المجلة المصرية للطب النفسسى (3) يتعلق بذلك بعنوان: “على مدى طيف الفصام” متصل التفكيك والتدهور، وهو ما سترد الاشارة إليه لاحقا ( انظر الملحق).
وفى تاريخ سابق (1982) نشرتُ أطروحة أخرى فى نفس المجلة عن الاضطراب الفصاموجدانى Schizoaffective Disorder، وكانت بها إشارة إلى رفضى استعمال هذه الفئة باعتبارها سلة مهملات لـِمـَا لـَمْ نستطع حشره تصنيفا فى إحدى “سلال التشخيص المعتمدة“: وقد بدأ لى أن ذلك يفيد نوعا من الاستهانة بموقع هذا الاضطراب كمرحلة مفترقية على مسار العملية الإمراضية التى قد تنتهى بالفصام ما لم نلحقها، وكان عنوان المقال هو: “الاضطراب الفصاموجدانى: هل هو سلة مهملات للمُسْتّبعد تشخيصا، أم هو طور متميز على مسار التدهور” (4)
وقد حاولت فى كل هذه المحاولات أن ألتزم بالمصطلحات الشائعة ابتداءً، وأن أعترف بضرورة التشخيص بما ذلك تحديد النوع ما أمكن ذلك، وحين ظهر الدليل الأمريكى الخامس DSM V، واستعمل عنوان “طيف الفصام” Schizophrenic Spectrum، ولم يركز على تمييز أنواع بذاتها كما اعتدنا: استبشرتُ خيرا، لكننى حين رحت أدرس تفاصيل هذه المحاولة لم تـُـثـْرِنِى، إذْ لم أجدها تتناسب مع منطلق النفسمراضية الذى استهدى به، وأواصل ممارستى وتنظيرى عبره.
لكل ذلك، سوف أمرّ فى هذه النشرة، وربما فى نشرات تالية لا أعرف عددها، على ما يلزم مناقشته من أنواع، أملا فى ربط ما اعتدنا عليه، بما يمكن أن يكون أكثر تنشيطا لحركية تفكيرنا الإبداعى، ومن ثم نقد النص البشرى باحترام كافٍ، وعمقٍ مناسب، وتفاؤل موضوعىّ واجب.
هذا وقد بدأت محاولاتى بتحديد ماهية كل من بُعدَىْ “التفكيك/التفسخ” و”التدهور“، ومدى تواجدهما فى أنواع الفصام الأربع الأساسية، بالإضافة إلى اضطراب الفصاموجدانى
وأكتفى اليوم بتقديم هذا الجدول الذى يبين الخطوط العريضة لما أنوى تناوله بدءا من نشرة السبت
الملحق: تاريخ وأرضية
هذا الملحق هو مجرد إشارة لبعض ما شغلنى عبر العقود الماضية فيما يتعلق بالفصام، وبالذات بأنواعه، وقد نبهنى ما جمعته إلى أن ما يشغلنى اليوم هو ما شغلنى طول عمر تلمذتى المعرفية الممتدة المتمثلة إما فى البحث العلمى أو الإشراف الملـْتـَزم المُلـزم على البحث العلمى فضلا عن الممارسة المستمرة التى أعتبرها بحثا متصلا، وأن ما جد جديدا هو انتظام كل هذا ، فجأة، ليس فجأة تماما طبعا، فى منظومة الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، وتساءلت: أليس من المحتمل أننى لو نشرت بعض ذلك هنا الآن، ولو فى صورة عناوين، أن يأخذنى الزملاء العازفون عن متابعتى مأخذ الجد، وربما اطمأنوا أننى لا أنطلق من فراغ.
وبرغم كراهيتى لمثل هذا التبرير إيمانا منى بمقولة مولانا النفرى “الحق لا يستعير لساناً من غيره”، فقد غامرت ورجعت إلى ما تيسر:
وإليكم بعض ذلك:
-
يحيى الرخاوى، يسرية أمين، رفعت محفوظ، عماد حمدى، عبد الرحمن فوزى (1978) مشكلة الفصام باتباع الدليل المصرى لتقسيم الأمراض النفسية. المجلة المصرية للطب النفسى،1: 24 – 37.
-
محمود سامى عبد الجواد، رفعت محفوظ، محمد هويدى، يحيى الرخاوى (1978) تشخيص الفصام فى مصر: دراسة مقارنة بين الممارسين المصريين محليا لترتيب أهمية الأعراض. المجلة المصرية للطب النفسى، 1: 100 – 113.
-
محمود سامى عبد الجواد، يحيى الرخاوى ، رفعت محفوظ، محمد هويدى (1981) أهمية العرض النسبى فى تشخيص الفصام. المجلة المصرية للطب النفسى، 4: 39 – 56.
-
يحيى الرخاوى (1982) الاضطراب الفصامى الوجدانى، هل هو سلة مهملات لما ليس كذلك؟ أم أنه وقفة على المفترق فى اتجاه التدهور. المجلة المصرية للطب النفسى، 5: 192 – 194.
-
يحيى الرخاوى ، يسرية أمين، عماد حمدى، رفعت محفوظ، محمد هويدى. (1983) اضطراب التفكير فى الفصام: العلاقة ببعدى النشاط والزمن. المجلة المصرية للطب النفسى،6: 12 – 42.
-
يحيى الرخاوى، رفعت محفوظ، أسامه الشربينى، محمد هويدى، عماد حمدى، يسرية أمين. (1983) خلل التفكير فى مرضى الفصام: (قياس اكلينيكي). المجلة المصرية للطب النفسى، 6: 201 – 212.
-
يحيى الرخاوى ، مجدى عرفه، رفعت محفوظ، عماد حمدى، يسرية أمين، فوزية داود. (1985) الفصام: الخصائص المحتملة للنمط الوجدانى. المجلة المصرية للطب النفسى، 8: 41 – 73.
-
يحيى الرخاوى ، عماد حمدى، عماد وديع، رفعت محفوظ، يسرية أمين، مجدى عرفه. (1986) السمات البصرية الاكلينيكية فى مرضى الفصام. المجلة المصرية للطب النفسى، 9: 31- 52.
-
يحيى الرخاوى (1990) “المسار الفصامى، التعتعة، التفسخ، التدهور“. المجلة المصرية للطب النفسى، 14: 11-15.
رسائل الماجستير والدكتوراه تحت إشراف أ.د. يحيى الرخاوى
-
يسرية أمين، (1977) دراسة فى أنواع الفصام. رسالة ماجستير. كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
رفعت محفوظ، (1981) دراسة فى وظائف الذات فى مرضى الفصام المصريين. رسالة دكتوراه. كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
مجدى عرفه، (1982) الظواهر الوجدانية فى الفصام. رسالة دكتوراه. كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
يسرية أمين، (1982) التقييم الاكلينيكى والقياس النفسى لاضطراب عملية ومحتوى التفكير فى المرضى الفصاميين المصريين. رسالة دكتوراه. كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
سعاد موسى، (1988) بعض الجوانب الباثولوجية والسيكوباثولوجية للفصام. مراجعة نظرية. رسالة ماجستير. كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
عبد الله حسن الكثيرى، (1991) ، فينومينولوجية (ظاهراتية) الفصام، رسالة ماجستير، كلية الطب. جامعة القاهرة.
-
زكريا حليم (1992)، أنواع الفصام من منظور محكات إكلينيكية، رسالة دكتوراه، كلية الطب. جامعة القاهرة.
[1] Yehia Rakhawy , Structural-Teleological Approach to Nosology and Diagnosis In Psychiatry: An Egyptian Point of View . Link www.rakhawy.net.
2- Successive Trials for Typifying Schizophrenia in ref (1)P: 32-58
[3]Yehia Rakhawy, Along the Schizophrenic Spectrum (Dislodgement Disorganization- Deterioration Continuum Egypt .J. Psychiat Oct 1992 –
[4] – Y.T. Rakhawy Egypt.J. Psychiat (1982) 5: 192-194 Schizoaffective Disorder: an Exclusive Waste Basket or a Specific Cross-road Devolutionary Phase.