نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت: 1-4-2017
السنة العاشرة
العدد: 3500
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (179)
الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع
مسيرة الفصام :
المرحلة الثالثة: ما قبل البداية (1)
استهلال: تذكرة بالمراحل النفسمراضية
المرحلة الأولى: ما قبل الولادة
المرحلة الثانية: ما قبل المرض
المرحلة الثالثة: ما قبل البداية
المرحلة الرابعة: البداية
المرحلة الخامسة: التباعد التركيبى نحو التفسخ
(وتشمل عدة مراحل فرعية متتابعة، ومتذبذبة، ,وأيضا متراجعة: ما أمكن !)
المرحلة السادسة : الاندمال السلبى نحو التدهور
******
(المرحلة الأولى والثانية : نشرات الأسبوع الماضى)
المرحلة الثالثة: ماقبل البداية:
مقدمة:
هل توجد علامات أو إرهاصات تعلن أننا على وشك الدخول فى امتحان “المـُـفترق” (“مفترق الطرق”) المنذر أكثر باحتمال مآل مؤقت أو متماد ، بكل هذه الخطورة والتحدى ، أعنى الفصام؟
هذا غالبا ما كنت أعنيه حين رأيت العناية بهذه المرحلة (الثالثة) تخصيصا، خوفا من تركها متداخلة بغموض فيما قبل المرض ، أو داخلة تعسفا فى عز المرض، ذلك أن التهيؤ للمرض سواء بالوراثة أو بفقر التغيذية البيولوجية بالمعنى ، والأداء الهادف، مما بيّناه الأسبوع الماضى فيما هو “قبل الولادة وقبل المرض”: لا يكفى هذا أو ذاك أن يعلن أننا على أبواب مرض بهذه الخطورة (وأيضا: بهذه الوعود !!) ،
لكل ذلك رأيت أن أخص “ما قبل البداية” بمرحلة مستقلة، تحدد معالمها ، خاصة وأن التدخل العلاجى أو بتعبير أكثر دقة: “التدخل الوقائى” يكون أنجح فى هذه المرحلة بشكل رائع.
الصعوبة التى ينبغى أن نذكرها بالنسبة لهذه المرحلة هى أن نفس المعالم والمظاهر (التى تـُسمى أعراضا فيما بعد حين تتحول المسيرة إلى المرض) تكاد تتداخل، وأحيانا تتشابه مع أعراض ما قبل أزمات النمو الحادة، وأيضا مع ما قبل ولادة إبداع فائق،
من هنا لزم الحذر من البداية بالتوصية بعدم التعميم، علما بأن هذه المنطقة تبينت لى أكثر كثيرا بعد كتابة المتن الأول “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” وترسخت طوال العشر سنوات الأخيرة، وقبلها ، حين استنارت لى مسارات ودورات الإيقاعحيوى المستمر كما ظهرت فى أغلب ما كتبت عن حالات الوجود المتبادلة (نشرة 25-6-2016) و(نشرة 25-6-2016) و(نشرة 25-6-2016) وغيرها.
المهم أننا حين نلتقى بنفس المظاهر التى تميز هذه المرحلة والتى سوف نقوم بتحديد معالمها ما أمكن ذلك: علينا ألا نحكم عليها ، أو بها، منفصلة عن سياقها، ولا أن نحكم دون ربطها بكل ما ذكر فى المرحلتين السابقتين، أعنى مرحلة ما قبل الولادة ومرحلة ما قبل المرض، فبقدر ثقل الإرث الجينى للفصام (أو ما يعادله إيجابا : إبداعا أو تميزا، أو سلبا: اضطرابات الشخصية..إلخ) ينبغى تقييم موقع هذه العلامات ، والعمل على حمل مسئوليتها.
باختصار: فإن ما قبل البداية هو علامات الأزمة المفترقية عامة فى ظروف تشير إلى الاستهداف لظهور الفصام أكثر من احتمالات المآلات الإيجابية وأيضا أكثر من الذهانات الأخرى أو غيرها من الأمراض
المتن : (مع السماح بالتعديل المناسب):
… فى ظل هذه الظروف من الجوع التكوينى (فقر وسوء التغذية البيولوجية) نتيجة الإهمال وعدم الرؤية، ومن التشويه الداخلى والبعد عن كون الراعى فى المتناول، يبذل الفرد جهدا شعوريا ولا شعوريا فى مواصلة مسيرته بأى جهد وبكل الحيل النفسية والبرامج النيوروبيولوجية أمِلا فى أن يحافظ على صلابة القشرة الخارجية فى مواجهة الفراغ والتشوش الداخلى المهّدِّدين، وهو يستعمل لذلك (أحيانا فجأة على غير ما تعودَ أو تعوَّدْنا منه) قدرا متزايدا من الحيل النفسية، التى تختلف باختلاف الفروق الفردية، والسمات الشخصية، وجدير بالذكر أن أخطر الحيل التى يستعملها القبفصامى Preschisophrenic هى الإنكار الشامل، و المحو الجاهز الممتد، وإن كانت كل الحيل تستعمل فى العادة، لكن الأصعب هو حين يستعمل بعض هؤلاء الأشخاص حيلة شديدة الخداع وهى التى تتجلى وكأنها أقرب إلى استنارة البصيرة منها إلى إرهاصات المرض، وأعنى حيرة العقلنة Intellectualization ، وهنا يبدو الشخص وكأنه تعرَّف على نفسه داخلا وظاهرا تماما (وأحيانا فجأة)، لكنها معرفة للتثبيت ، لا للتحريك أو التغيير.
لكل ذلك فإن علينا أن نرصد تلك الإرهاصات بجدية ومسئولية، حتى لو لم تكن إنذارات محددة للفصام، وهذا وارد لشدة تداخلها مع مكافئاته السلبية من أمراض، وأيضا تداخلها مع بدائله الإيجابية من تميز، ،كما ينبغى ألا نكتفى برصد أنها عُـصابات غير نموذجية Atypical Neuroses ، ذلك لأن التتبع المسئول، فى ظروف إيجابية محيطة داعمة، قد تقلب هذه المرحلة إلى مرحلة نمو ناجح، أو ربما إبداع فائق.
المتن (تابع):
…. مع زيادة حدة حركية الداخل وعدم كفاية الحيل وقرب ظهور الفصام: تبدو الأعراض العصابية الظاهرة غير مألوفة , وغير مترابطة ويحتاج تفسيرها على أنها دفاعات عادية أو عصابية إلى خطوات وتبريرات أعمق وأكثر تركيبا من التفسيرات المباشرة للحيل النفسية العادية المسئولة عن التكيف أو عن إمراضية العصابات المختلفة، ذلك أن المطلوب هوالعناية بملاحظة غرابة هذه الأعراض مهما ظلت محتفظة بطابعها السلوكى الظاهر الأقرب إلى العصاب.
وقد أدى مثل هذا الحذر والتدقيق إلى وصف زملات خاصة تصف بعض هذه الحالات فى هذه المرحلة مثل ما يعرف باسم شائع هو “الفصام شبه العصابي”, Pseuodo-Neurotic Schizophrenia وهذا يشير غالبا إلى أن الفصام قد بدأ فعلا ولكنه مازال متخفيا وراء مايشبه العصاب، ,وبالرغم من أن “هوك” Hoch الذى وصف هذا النوع سنة (1) 1949 قد تراجع عنه بعد دراسات تتبعية، حيث ثبت أن أغلب هذه الحالات ا لم تتمادَ إلى الفصام الصريح، لكننا فى خبرتنا وجدنا أن هذا التشخثص له وجاهته على شرط ألا يأخذ لفظ “فصام” فى تصنيفه، لأنه لم يصبح فصاما بعد، لكن الاهتمام به، وتمييزه عن العصاب النموذجى، يضعه فى مرحلة ما قبل البداية (التى قد لا تبدأ أبدا) ، ويفيد تبنى هذا المنظور فى الوقاية بمحاولة تحويل المسار بعيدا عن هذا المآال، وبالتالي يمكن التنبيه أنه مهما طالت هذه المرحلة التى نسميها قبل البداية، فإن لهذه الزملة التى تنازل صاحبها عنها دلالتها وأهمية لرصدها، ولذلك فقد رأينا أن نحتفظ بمواصفاتها، على أن نغير اسمها ونحذف منه لفظ “الفصام”، واقترحنا تسميتها الزملة القبفصامية العصابية ؛Preschizophrenic Neurotic Syndrome وأحيانا ما تطول هذه المرحلة وتزمن وتستتب حتى تصبح جزءا لايتجزأ من الشخصية أو تصف نوعا معينا من اضطرابات الشخصية.
لكل ذلك فإن رصد العلامات المنذرة، والتأكيد على الاهتمام بهذه المرحلة ن يمكن أن يفيد تمتاما فى المبادرة بالعلاج والوقاية، بل إنه قد ثبت فى كثير من احلالات أن استعمال النيورولبتات فيها يجدى أكثر من استعمال مضادات العصاب الخفيفية، أو مذيبات القلق Anxiolytic
وبعد
وغدًا نعرض بعض تفاصيل مظاهر هذه المرحلة نفسها
[1]- Hoch, P.H. and Polatin, P. (1949) Pseudoneurotic forms of schizophrenia. Psychiatric Quarterly, 23: 248-276.