نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت: 18-2-2017
السنة العاشرة
العدد: 3458
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (161)
المواجهة
مقدمة:
يبدو أن المأزق الذى يمر به العلم المؤسسى والطب عامة والطب النفسى بوجه خاص هو مأزق شديد الدلالة شديد الخطورة فى آنْ. فى المؤتمر السنوى لقسم الطب النفسى كلية طب قصر العينى بتاريخ 15 &16 فبراير (2017) كان موضوع المؤتمر حسب العنوان:
“الطب النفسى فى القرن الحادى والعشرين: التكامل فى مقابل العزلة”.
وقسم الطب النفسى هذا هو – كما كررت مرارا –القسم تربيت فيه وتعلمت من أساتذته وزملائى وزميلاتى وتلاميذى، ومن مرضاه أهم ما تعلمته فى الطب النفسى والحياة، وهو قسم له طابعه الخاص، وإن كان لم يصل إلى درجة يمثل فيها مدرسة خاصة، المهم أنه يتميز عندى بميزتين لهما أغلب الفضل فيما وصلنى وهما، أولاً: ارتباط أغلب توجُّهاته بالثقافة المصرية/العربية/الحالية، وثانياً: مساحة من السماح والقبول والحركة فيما بين العاملين فيه لدرجة جعلت كل زهوره تتفتح كما يقولون، وأكرر دائما أننى مدين لهذا القسم منذ كنت طبيب امتياز 1957 وحتى أقضى: دينا لم أستطع أن أرد إلإ بعضه حتى الآن، المهم، كنت قد ابديت ملاحظاتى لرئيس القسم أ.د. عزة البكرى (1) على العنوان دون أن أبالغ فى تحفظى، وقد قبلتْ ملاحظاتى بصدر رحب، ولم يتغير العنوان!.
عنوان ورقتى فى المحاضرة الافتتاحية جاء كالآتى:
“العلاقة الحتمية بين الماضى والمستقبل عبر الواقع الآنى”
لكننى بدأت إلقاءها بتحفظى على عنوان المؤتمر كما شرحتها لرئيس القسم، لأننى اعتبرت هذه الملاحظات أسهل فى الوصول للحاضرين من متن الورقة الأصلية، وأوجِزُ ذلك على الوجه التالى:
أولاً: إن العنوان به تعميم أكثر مما يحتمل الإحاطة، إذْ لم يعد الطب النفسى واحدا عبر العالم، وما يطرأ على الطب النفسى فى القرن الواحد والعشرين لابد أن يختلف من طب نفسى إلى طب نفسى آخر، وقد سبق أن قدمت فى هذه النشرات كما فى المؤتمر السنوى لقسم الطب النفسى جامعة الإسكندرية سنة 2015 وكان موضوعه (فن “نقد النص البشرى” إبداعا)Psychiatry: The Art of Creative Criticism of Human Text قدمت لمحة عن عدد من الطبوب النفسية الأخرى الأوْلى بالدراسة من ذلك الطب المستورد، ومنها:
الطب النفسى الجزيئى الجوهرى Psychiatry Orthomolecular
والطب النفسى الدينامى Psychodynamic Psychiatry
والطب النفسى الكموي Quantum Psychiatry
والطب النفسى الحاسوبى Computational Psychiatry
والطب النفسى التطورى Evolutionary Psychiatry
وكنت أعدد ذلك لاذكّر أن علينا أن ننتقى من كل ذلك ما هو أكثر تناسبا مع ثقافتنا وإمكانيتنا لندرسه ونطوره وننفده ونحن نطبقه.
ثم إنى فى العام التالى وجدت أن قسمنا – فى طب القاهرة – الذى مازلت مصرا على أنه أقرب انتماء إلى ثقافتنا يعقد مؤتمره السنوى سنة 2016 بعنوان “الطب النفسى الإيجابى”Positive Psychiatry فزاد حفزى النقدى حتى أننى قدمت ورقتى أبين أن الأوْلى بنا أن نتعرف على “الطب النفسى السلبى” حتى تتضح لنا معالم “الطب النفسى الإيجابى” الذى بدا لى بعد أن أطلعت على معالم خطوطه العريضة أقرب إلى “التفكير الآمل” أو “المثالية المستوردة”، وبعد مراجعتى للممارسات الجارية عالميا ومحليا وأنا أفحص السلبيات – من وجهة نظرى – من واقع الممارسة مَيزْتُ عددا منها وعددتها فى المؤتمر كما نشرت بعضها هنا بتاريخ 30 & 31/1/2016 ، وقد بلغت أنواع ما اسميته الطب النفسى السلبى اثنى عشرا (2) وهذه هى المسميات (مع تعديل بسيط):
(1) الطب النفسى التصنيفى
(2) الطب النفسى الكيميائى
(3) الطب النفسى التَّرَجمى (من المعمل إلى السرير)
(4) الطب النفسى التعليلى (التحليلى)
(5) الطب النفسى التقريرى (الإقرارى) (لم أضف أنذاك: التبريرى)
(6) الطب النفسى السياسى (أ) الإعلامى السطحى (ب) السلطوى القهرى
(7) الطب النفسى التحفظى الذاتى
(8) الطب النفسى الاسترزاقى
(9) الطب النفسى التهدئِتَىِ
(10) الطب النفسى المستورد
(11) الطب النفسى الإيجابى (المثالى)
(12) الطب النفسى التطورى (المثالى)
وطبعا لم أشجب تماما أيًّا من هذه الأنواع برغم وصفى لها بالسلبية، فهى لا تكون سلبية تماما إلا إذا استغرقتْ فيما تشير إليه التسمية، وفى نفس الوقت استبعدتْ ما دون ذلك، وهذا يكاد يكون مستحيلا حتى لو زعم بعض المنتمين إلى أى من هذه الأنواع أن ما يمارسونه هو أنسب الأنواع إيجابية!!
فى مقدمة ورقتى قبل أول أمس قلت فى نقدى لعنوان المؤتمر إن علينا أن نتساءل: أىُّ طب نفسى من هذه الطبوب هو المقصود النظر فى حالته فى القرن الواحد والعشرين، قلت ذلك وأنا أعيش الأزمة المعاصرة بالطول والعرض ولا أفصل تخوفاتى وتوقعاتى عن الطب النفسى للقرن الواحد والعشرين عن ما يجرى فى مجالات الاقتصاد والسياسة والنقلة المعلوماتية، والتشرذم الإعلامى، وازدياد وإعادة النظر فى زيادرة الفجوات بين الديانات المعاصرة، والأعراق والأجناس، وكيف أن ما يجرى فى أى من هذه المجالات لابد وأن يُلحق بالطب النفسى أثارا دالة، ثم اقترحت ما تصورته أوْلى بقسمنا العريق وما يتميز به عنوانا بديلا تمنيت – بينى وبين نفسى – أن يكون موضوع عنوان مؤتمر العام القادم، ألا وهو:
“مستقبل الطب النفسى فى “مصر” و “العالم” – توقعات ومسئولية”
ثم قدمت توقعاتى لما يمكن أن يحدث فى العالم (المتقدم) ولا أقول (المتحضر) فى القرن21، كما قدمت آمالى فى إسهام ثقافتنا وممارستنا فى مجالنا هذا على الوجه التالى:
أولاً: توقعات ومخاوف فى العالم (المتقدم خاصة)
- زيادة تأثير سلطة المؤسسات المالية العالمية
- زيادة تشويه العلم والأبحاث لصالح هذه السلطات
- وبالتالى زيادة أسعار تكلفة المريض
- زيادة التعويضات والتأمينات
- زيادة نسبة الاضطرابات المتدهورة المستتبة : السلبية
(مثلا: زيادة اضطرابات الشخصية على حساب الذهان النشط)
- زيادة القيود على الأطباء التى تحول بينهم وبين تلقائية مساعدة المرضى مساعدات جذرية
- زيادة عدد المرضى الفقراء فى البلاد الفقيرة (التى ليس فيها تأمين عادة)
- نقص الأمل فى مآل ايجابى حقيقى محتمل من خبرة المرض النفسى
- زيادة التخويف من الأعراض الجانبية للعقاقير الرخيصة لحساب العلاجات الباهظة جدا جدا جدا
ثم إنى قدمت لمحات لتصورى (وآمالى) عن مستقبل الطب النفسى فى مصر (والعالم العربى) بعنوان:
ثانياً: أفكار آملة ومسئولية ثقيلة لـ مصر، والعالم العربى؟
- التركيز على التدريب ليس فقط التدريب على العلاج النفسى ولكن على التطبيب النفسى لتنمية قدرات المريض والطبيب < === > الابداعية من خلال تنشيط الوعى البينشخصى ثم الجمعى في كل ممارسات الطب النفسى، وياحبذا فى الثقافة العامة
- الالتزام بالاشراف المنتظم على العلاج النفسى والأداء عامة (الإشراف غير التفتيش!!)
- توسيع دائرة (دوائر) الإشراف لتشمل كل المعالجين فى وحدات متكاملة (الوسط العلاجى)
- تصنيع الأدوية التقليدية الرخيصة محليا.
- التخفيف من قيود الأطباء والتشديد على ممارسات الهواة.
- المزيد من الاهتمام بأولوية حتمية ”العمل“ الفعلى كعامل وقائى وعلاجى وقيمة إنتاجية وحضارية وتسبيح وتقرب إلى الله
- موضوعية حضور الله سبحانه (هنا والآن) فى وعى الأطباء قبل ومع وعى المرضى عبادةً وإحسانَا، عاملا علاجيا واقعيا من منطلق عمق ثقافتنا.
- زيادة التثقيف العام وحفز الإبداع لتوثيق العلاقة بالحياة الصحيحة ، التى من ضمنها الصحة النفسية
- الاهتمام بالحيلولة دون الكارثة التربوية الأخلاقية الجارية الحالية فى التعليم فى مصر، والتى أصبحت مضاعفاتها تظهر أكثر فأكثر فى مجال الطب النفسى وكأنها أمراض وليست انهيارا أخلاقيا وغياب قيم.
وبعد
كل ذلك كان مقدمة للورقة الأصلية حتى أن الوقت المتبقى لم يتسع فعلا لعرض ما يستحق العرض بعد كل هذه التحفظات.
وسوف أكمل غدًا لأن الورقة تتعلق بفكرة كيف أن الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى هو محاولة للربط بين الماضى فى الحاضر إلى المستقبل، فعنوانها كما ذكرت:
” العلاقة الحتمية بين الماضى والمستقبل عبر الواقع الآنى”
[1] – وهى بمثابة ابنتى أشرفت على رسالتها للدكتوراه فى العلاج الجمعى عن التجليات الإيجابية والسلبية للعدوان والإبداع فى العلاج الجمعى.
[2] – وعلى من يريد أن يرجع ليعرف الأسباب وكيف اعتبرتها سلبية، ليرجع إلى النشرات السالفة الذكر