نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 22-1-2017
السنة العاشرة
العدد: 3432
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (150)
لا بديل عن الممارسة تحت إشراف
مقدمة:
بعد كل هذا التمهيد، عجزت أن أصيغ ما يعين الفاحص على القيام بقراءة النفسمراضية التركيبية من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى، التى بناء عليها سوف يجرى تخطيط العلاج “نقد النص البشرى”، ومع ذلك فقد حاولت هذه المحاولة الأخيرة لأنتقل بعد ذلك إلى استكمال عرض الفصام ثم ما يتيسر من “حالات” لعلها توضح الطريقة بشكل عملى أفضل.
الخطوط العامة:
1- البدء بالتعرف على المريض أساسا وليس فقط على المرض.
2- السماح للفاحص بمعايشة انطباعاته التلقائية، يا حبذا لو أمكن ان تظل بعيدة عن وصاية تفاصيل المعلومات المحددة، وبالتالى احترام مشاركة هذه الانطباعات فى التقييم.
3- محاولة تقمص المريض (ومن أمكن من محيطه) وذلك بالتنقل المتعدد حسب الحكى، وتطور المقابلة.
4- رصد ما يسمى “الأعراض”، دون التوقف عندها أو المغالاة فى أولويتها ولكن للاستهداء بها إلى قراءة النفسمراضية.
5- تأجيل الانشغال بالوصول إلى تشخيص محدد إلى نهاية المقابلة، ويمكن – وأحيانا يستحسن- أن تنتهى المقابلة دون تشخيص، برغم إصرار الأهل وأحيانا المريض على تحديده باكرا.
6- يستحسن ألا تُسْتَوفى كل المعلومات التى وردت فى نشرات “المقابلة الإكلينيكية” فى جلسة واحدة.
7- يمكن لصاحب الخبرة فى هذا المجال بوجه خاص، ممن أحسن التدريب والمراجعة، أن يلتقط بُعْد “الواحدية الدفاعية” (1) (أن من يَمْثُل أمامه هو واحد متماسك) فى مقابل احتمال التفكيك مهما كان بادئا، ومهما ضؤلت درجة حضورة فى نفس إطار الوعى الظاهر، وهذا التفكيك المحتمل ليس له علاقة مباشرة بما يسمى اللاشعور” (2)، ولعل التوصيف الأنسب هو أنه “بجوار الشعور” Para consciousness، وعلى الفاحص ألا يتمادى من البداية فى تحديد مدى التفكيك الذى تسمى الدرجة البادئة منه بـ “التعتعة”، لأن المهم هو تلقيه من خلال الوعى البينشخصى، وقد تدعمه مجموعة من الاسئلة والأجوبة، ولكنها قد تخفيه إذا كانت مغلقة وحاسمة.
8- لا ينبغى أن نعتبر أن أى تماسك واحدىّ هو دليل مباشر على العادية أو اضطراب شخصية، فثم تماسك أكثر صلابة حول ضلاات بالغة الجمود والخطورة، فى حالات البارانويا مثلا.
9- إذا لم يمكن رصد هذه التعددية الطفيفة (التعتعة) لا يجوز افتعالها خصوصا فى البداية، وإن كان هذا هو ما يتم بِتِقِنِّيةٍ مهنية فنيه فى كثير من العلاجات النمائية مثل العلاج الجمعى والسيكودراما وعلاج الوسط.
10- يرصد الفاحص أى تفكك جسيم سمح بظهور محتوى منظومات الوعى الأخرى (الأمخاخ) فى ظاهر الوعى الحالى، وفى هذه الحالة يستحسن الاعتراف بوجود هذه المنظومات ابتداءً، وأنها مصدر هذا الذى ظهر على السطح مما نسميه أعراضا بذاتها، ومن طبيعة هذه الممارسة الحرص على رفض التهوين من خبرة المريض باعتبارها من قبيل التخريف والشطح (الجنونى عادة) كما يمكن للفاحص المنتمى لهذا الفكر الإيقاعحيوى أن يعزو بعض ما يصله إلى أصله التطورى مما يعزز فروضه.
11- ليس معنى الاعتراف بما جاء فى (9) هو الموافقة على وجود هذا التفكك الذى سمح بتسرب الداخل هكذا، وإنما المقصود هو أن يشعر المريض باحترام خبرته باعتبارها واقِعَهُ، وليست فقط من نسج خياله أو دليل مرضه، وأن كان من الممكن أن تكون من نسج خياله فعلا وهذا يختلف عن التفكك النيوروبيولوجى الذى أتاح حضور أكثر من منظومة وعى فى نفس المنظومة التركيبية الظاهرة.
12- قد ينزعج الأهل من موافقة الفاحص للمريض على ما يعتبرونه “شطحا” ويصرون على اعتبار كل ما لا يوافق خبراتهم وأفكارهم تخريفا خطيرا على طول الخط، وهنا على الفاحص ألا يدخل فى نقاش لفظى معهم، وأن يسمح لهم أن يحتفظوا برأيهم، وربما يضطر أن يؤجل هذا القبول لواقع المريض بند (10)، (11) إلى أن ينفرد بالمريض.
13- غالبا ما يطمئن المريض إلى صدق محاولة الفاحص إذا ما استشعر أمانة موقفه من حيث القبول المبدئى كبداية للمشاركة (3) .
14- حتى يواصل الفاحص حواره – خاصة عبر قنوات الوعى البينشخصى – لابد أن يعايش أن “كل ما هو موجود” “هو موجود”، وأنه يحترم جميع منظومات الوعى الظاهرة والخفية الآنِيّة والتاريخية، ونعود مرة أخرى لنؤكد أن الاحترام لا يعنى السماح بالتشتت أو النشاز أو النكوص، وإنما هو خطوة أساسية للاحتواء فالجدل فإعادة التشكيل.
15- فى حالات اضطرابات الشخصية، (فرط العادية) وحالات العصاب الأقرب للعادية تكون الواحدية الدفاعية من الصلابة والتماسك بحيث يصعب قراءة النفسمراضية التركيبية بشكل مباشر، لكن يمكن وضع فروض خافتة، غالبا مدعومة بشواهد من التاريخ الأسرى والتاريخ السابق، وليست بالضرورة نابعة مباشرة من الحضور الحالى للمريض.
16- فى معظم الحالات على طريق الذهان يمكن رصد ما تيسر من نشاط الأمخاخ التى ارتضينا الاكتفاء بها فى (نشرة 8/1/2017 ) وهذه هى بداية تخطيط فروض النفسمراضية التركيبية.
17- يشمل تخطيط النفسمراطية التركيبية رصد العلاقة بين هذه الأمخاخ وبعضها البعض مستعينين أيضا “بالتاريخ الأسرى” و”التاريخ السابق” و”الشخصية قبل المرض”.
وبعد
أعرف أن كل ما سبق غير كاف، ولا يمكن تطيبقه بمجرد القراءة حيث أن تخطيط فروض السيكومراضية التركيبية هى بمثابة رسم خريطة حركية تنطلق من البنود الثلاثة السابقة (14)، (15)، (16)، وهذا لا يتأتى إلا بالممارسة والتدريب تحت إشراف واختبار الفروض باستمرار.
وعموما، وبرغم الاعتراف بضعف توصيل الرسالة بالألفاظ سوف أغامر بعرض لمحات عن الأسس الجوهرية لقراءة هذه النفسمراضية، التى يتم تخطيط العلاج بناء عليها.
يتم تخطيط العلاج بعد هذه القراءة على الأسس التالية:
أولاً: احترام حق كل منظومات الوعى (الأمخاخ) فى الوجود والاستمرار فى أدوارها الطبيعية الإيقاعحيوية لإعادة البناء واستمرار النمو، ومرة أخرى الاحترام لا يعنى السماح بالنشاز او المرض وإنما يعنى – مثل مدرب كرة القدم – تنظيم التقسيمات والتناوب والإيقاع والتكامل لتسجيل أهداف النمو.
ثانياً: احترام القشرة (الدفاعية) – إن وجدت وغلبت – التى حالت دون التفكك حتى لو كان ناتجها هو عصاب أو اضطراب الشخصية، ويمكن التعامل فى هذه الحالة مع الأعراض الظاهرة بما تيسر من مضادات لها أو مسكنات لمضاعفاتها طالما أن المريض ليس عنده فرصاً علاجية نمائية أخرى، حتى تحين الفرصة لعلاجات أعمق وأفضل.
ثالثاً: يمكن عادة تحديد أى الأمخاخ هو الناشز الطاغى على حساب هارمونية التناسق “واحدية النمو الجدلى” فيتم انتقاء العقاقير المناسبة لتثبيطه انتقائيا مع مواصلة تنشيط سائر تقنيات العلاج الأخرى، وهذا الانتقاء يجرى من واقع الخبرة الإكلينيكية أكثر من النتائج المعملية، وعادة ما تندرج قوة العقار وفاعليته مع حدة النشاز وبدائيته (أنظر بعد).
رابعاً: يتواصل التأهيل لتنشيط وتدعيم الأمخاخ الأقرب إلى السواء بدءًا بالمخ الاكتئابى التواصلى والمخ الاجتماعى التكيفى، ويا حبذا المخ الجدلى النمائى المشتمِل، وهذا يحتاج خطة تأهيلية ممتده وعلاج نمائى نشط.
خامساً: يجرى كل ذلك مع الحرص على أن يتم جنبا إلى جنب مع التأهيل بتعليمات يومية تسهم فى تخطيط وتنفيذ إعادة التشكيل على أرض الواقع، ويتواصل ذلك تدريجيا وتصعيديا.
سادساً: يتم توفير ساعات كافية من النوم المنتظم، أولا: بالعقاقير، ثم بعد الاستغناء عنها حتى يمكن للإيقاع الحيوى الإيجابى أن يقوم بدوره المطلوب فى إعادة تشكيل المخ الذى أصبح أكثر جاهزية لإعادة بناء نفسه.
وبعد
أنا آسف
وقد يتضح الأمر بالتدريج مع عرض الحالات،
ومرحليا يمكن الرجوع إلى الجدول الأخير المحتوى للحالات المنشورة فى النشرات للإطلاع على ما يتيسر منها لمن شاء، وذلك فى “نشرة 12-11-2016”
[1] – أن يتمسك فى “واحد” بفضل صلابة الدفاعات وليس نتيجة للتكامل الجدلى النمائى التطورى
[2] – وربما يكون أقرب – دون ترادف – للمعروف بما هو “تحت الشعور”
[3] – المشاركة أحدى أساسيات علاج “المواجهة المشاركة المسئولية”