نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين : 9-1-2017
السنة العاشرة
العدد: 3419
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (145)
حقائق وفروض
(المنطلقات الأساسية)
مقدمة
زاد التمهيد، وزادت المقدمات حتى كاد آخرها ينسينا أولها، ومع ذلك، ونظرا لطبيعة العمل واعترافا بمدى المسئولية ، سوف أواصل المحاولة دون تردد
من يمكنه أن يسمح لنفسه بمتابعتنا ، وحسابه على الله، لا بد أن يتحملنا، مع أملى أن يستشعر الحرج الذى أمارسه، وأن يقبل المعاذير التى أقدمها، وهأنذا أواصل ما يحتاج اعتذارا آخر، خاصة لما تَحْمِلُ هذه المقدمة من جرعة شخصية.
أعتقد أن كل ما ورد فى النشرات السابقة طوال عشر سنوات (وقبلها طوال نيف وثلاثين سنة) هو فى صلب ما أريد توصيله الآن، وأنه تمهيد لا بد منه، بل إننى حين أرجع إلى بعضه أتعجب كيف كتبت كذا منذ ثلاثين سنة، وكيف خطر لى كيث منذ أربعين، الفضل يرجع – بعد الله – إلى علاقتى بمرضاى، وأخص بالذكر، مرضى الفصام، يليهم كل الذهانيين فاضطراب الشخصية، ثم ما شئت كما شئت من ناس من خلق الله، وأخص من ذلك مثابرتى على العلاج الجمعى طوال ست واربعين سنة، هذان هما العمودان الأساسيان لتلمذتى الممتدة، الفصاميون والعلاج الجمعى، أضف إليهم تدريسى المنتظم لمن يرغب فيه ومن يتحمله طوال هذه المدة وأكثر، مرتين فى الأسبوع (على الأقل): إحداهما فى قصر العينى، والأخرى فى مستشفى دار المقطم، فضلا عن جلسات الإشراف على العلاج النفسى فى نفس المركزين مرة أسبوعيا فى كل مركز دون انقطاع ، لم أغب عن أى من ذلك إلا بضع مرات متفرقة لا تزيد عن أصابع اليدين،
تأتى بعد ذلك، ومعه، وليس قبل ذلك، قراءاتى فى كل ما يصل إلىّ مما يتعلق بما أحاول معرفته فتوصيله، وأخيرا، ما سجلته بتوقيع وبدون فى “مجلة الإنسان والتطور الفصلية”(1) التى صدرت طوال أكثر من عشرين عاما بانتظام، أضف إلى ذلك الندوات الشهرية التى تعقدها جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى شهريا، وكان لها فضل تجميع بعض كل ذلك فى لقاءات منتظمة، وكنت مسئولا عن تقديمها شخصيا فى كثير من اللقاءات.
هذه الرحلة الطويلة تبدو شخصية لدرجة محرجة، لكنها ليست كذلك تماما، وهذه المقدمة هى تمهيد لما سوف أشير إليه حالا عن الأبجدية (ولا أقول الشفرة) التى يمكن أن نقرأ بها المريض لنعالجه من منطلق هذا المسمى: الطب النفسى الإيقاعحيوى التطورى.
وإليكم ما حضرنى من معالم ذلك:
(1) الإنسان كائن حى أكرمه ربه ، بوضعه على قمة ما خلق، فى أحسن تقويم
(2) التركيب البشرى تركيب متعدد متكاثف لكنه فى أى لحظة بذاتها “واحد” فاعل.
(3) مكوّنات هذا التركيب المتعددة اكتسبت أسماء كثيرة حسب نظريات مختلفة من أول “الأنا” و”الهو” و”اللاشعور” (التحليل النفسى الكلاسى) حتى “حالات العقل”Mental States حسب العلوم المعرفية والنيوروبيولجية الأحدث، مرورا بحالات الذات Ego Statesلإريك بيرن، دون إغفال نماذج كارل يونج Archetypes ، ثم تركيبات المخ التشريحية (للأسف)!!
(4) برامج هذا التركيب تتمركز فى المخ المعروف لكنها لا تقتصر عليه، فهو يُسَمِّعُ فى كل أعضاء الكيان البشرى، وبالذات كُل جُمَاع الجسد، كما أنه يتجلى فى كل امتداد حضور منظومات الوعى البشرى إلى كل المستويات. (أنظر بعد)
(5) حضور منظومات الوعى البشرى هذا هو حضور متعدد، ربما بتعدد التركيبات، وأكثر، وهو متداخل متبادل جدلى نابض نام طول الوقت،
(6) مع أن منظومات الوعى هذه هى أكثر التركيبات غموضا، إلا أنها أكثرها أهمية وأنشطها تفاعلا وإبداعا (دون تحديد تشريحى)(2).
(7) لا يمكن الاقتراب من فهم التركيب البشرى من اى زاوية من الزوايا إلا ونحن نواكب حركية مستويات الوعى التى تخلقه وتتخلق منه ومعه طول الوقت، (وهذا ينطبق على كل الأحياء دون استثناء)
(8) بما أن هذا التركيب هو دائم الحركة والحركية، فإنه مرتبط كل الارتباط بحركية وتوجهات ودافعية “الطاقة الحيوية” طول الوقت، وبالتالى فلا يمكن فهم الطبيعة البشرية فى الصحة والمرض إلا بمحاولة استيعاب حركية الطاقة وعلاقاتها بمنظومات هذا التركيب ما أمكن ذلك.
(9) مع مواكبة “تشكيلات الحركة” ورصد “توجّهات الطاقة”، تتجلى وظائف وفاعلية الإيقاعحيوى فى كل منظومات الوعى وهى تواصل التنغيم والتشكيل وإعادة البناء طول الوقت.
(10) يتطلب فهم علاقة المنظومات المختلفة ببعضها البعض استيعاب عدة أنواع من التناغم والتكامل والتبادل (فى حالة الصحة)، وأيضا رصد نشازها وتشتتها أو جمودها فى حالة المرض
(11) تتنوع أنواع العلاقات بين منظومات الوعى – فى السواء- مع نبضات الإيقاعحيوى ما بين: التبادل، والتكامل، والتسوية الساكنة ظاهريا، والجدل، والإبداع
(12) تمتد منظومات الوعى، بقوانينها وبرامجها، وأهمها الإيقاع الحيوى إلى المحيط خارج الوجود البشرى الفردى ليتخلّق من خلال ذلك ما يسمى الوعى البينشخصى، فالوعى الجمعى، فالوعى الجماعى، فالوعى المجرّى(3)، فالوعى الكونى، إلى المابعد (الغيب) “إليه”
(13) من منطلق فروض “الاستعادة” فإن تتابع هذا التواجد البشرى يمثل ، ويعيد تتابع التواجد الحيوى عبر تاريخ الحياة، ثم تاريخ حياة الفرد، ويضيف الطبنفسى الإيقاعحيوى أنه يُسْتعاد عبر كل نبضة حيوية، وخاصة نبضات الإبداع الحيوى لإعادة التشكيل باستمرار.
(14) تعتبر أزمات النمو بكل مراحلها نموذجا مكبرا للاستعادة الإيقاعحيوية ونموذج أصغر لتطور الحياة (كما جاء فى فروض مستويات الصحة النفسية) (نشرة 26-10-2010) و(نشرة 2-11-2010) و(نشرة 23-11-2010) و(نشرة 24-11-2010) و(نشرة 30-11-2010) و(نشرة 1-12-2010).
(15) تشمل دورات الإيقاع والنمو والإبداع مراحل متبادلة ومتعاقبة ما بين التماسك فالتفكيك فإعادة التشكيل، (مما سبق عرضه فى فروض : حالات الوجود المتبادلة) (نشرة 25-6-2016( و(نشرة 25-6-2016) و(نشرة 25-6-2016).
(16) يحدث المرض النفسى نتيجة لاضطراب هذا التناغم واختلال هذا الترتيب بشكل مؤقت أو دائم ، وتظهر مظاهره حسب نوع الاضطراب، ودرجة النشاز، ومضاعفاته، وميكانزمات محاولات ضبطه أو التخفيف من حدته.
(17) يجرى علاج هذا الاضطراب – من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى- من خلال رصد الخلل الذى حدث، ومِنْ ثَمّ ضبط النشاز الذى انطلق، لتدعيم الهارمونى الذى اختل، وذلك من خلال كل المعطيات العلمية والخبراتية: والكيميائية، والسلوكية والطبيعية، والمعرفية، وهذا هو المقصود “بنقد النص البشرى للمريض”(4) والمعالج على حد سواء.
(18) كل ذلك يحدث بفضل الله فى كل الأحياء (غالبا) دون حاجة إلى تنظير أو نشرات!!! أو كتابة أو معامل، ومن نجح وينجح من هؤلاء الأحياء فى التناسق مع قوانين الوجود وبرامج البقاء وبفضل الله، يبقى، ومن يفشل بمرض، وأن طال الفشل وشمل كل النوع: انقرض النوع.
(19) إذن فكل ما ذكرت على صعوبه استيعابه ألفاظا مكتوبة، ومع الافتقار إلى براهين معملية، يجرى بكفاءة رائعة أبقت على الحياة حتى مرحلة الإنسان الذى اكتسب اللغة والمخ الاجتماعى، وربما هذا ما يفسر بعض وصوله فى الممارسة أجهز وأكمل مع القدرة على تقديم ما يعايش بالشرح والكتابة.
(20) من كل ذلك تصلنى تلقائية المشاركين فى العلاج الجمعى، – وقدرة الفصامى على استيعاب هذه المعالم أكثر بكثير من زملائى وطلبتى – بالنسبة لأغلب هذه الفروض.
وبعد
تفصيل كل ذلك – وغيره – قد ورد فى النشرات تباعا فى هذه النشرة اليومية طوال عشر سنوات وخاصة فيما ضمنته – حتى الآن- فى كتابَىْ “الأساس فى الطب النفسى” ثم كتاب “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”.
وطبعا لن أشغل قارئ هذه النشرة بالإحالة إلى أى رابط بذاته فيهما، فقط أذكر له الحقائق التالية:
أولاً: كتاب “الأساس فى الطب النفسى” (لم يكتمل)
إجمالى عدد الصفحات 3434 ثلاثة الآف وأربعمائة وأربع وثلاثون صفحة من القطع الكبيرA4
ثانياً: “الطب النفسى الإيقاعحيوى التطورى” (حتى الآن 9-1-2017)
إجمالى عدد الصفحات 928 صفحة من القطع الكبير A4
وليس المطلوب طبعا أن أوصى بالرجوع إلى كل هذا العدد، ولا أن أقوم بنشر هذه النشرات كما هى فى مجلدين معجّزين، وإنما أدعو الله أن أتمكن عند النشر الورقى – إذا كان فى العمر بقية – أن يصدر كل ذلك فى عدة كتب متكاملة ما أمكن ذلك.
[1] – مجلة الانسان والتطور: يناير 1980 حتى يوليو 2001
[2] – مع أننى أطلق عليها لفظ “المخ” مضطرا
[3] – المجرّى: من المجرة
[4] – نشرات نقد النص البشرى بتاريخ: (نشرة 23-04-2016)، (نشرة 18-04-2016) (نشرة 04-04-2016) (نشرة 03-04-2016) (نشرة 02-04-2016) (نشرة 20-09-2015) (نشرة 05-07-2015) (نشرة 21-07-2014)