نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 4-12-2016
السنة العاشرة
العدد: 3383
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (129)
الإشراف على حالة علاج نفسى
(نَصّ حوار الإشراف)
العلاقة بالطبنفسى الايقاعحيوى التطورى
مقدمة:
نشرة اليوم هى النص المسجل لحالة الاشراف التى قُدمت فى مقابلة الإشراف صباح الثلاثاء الماضى الموافق 29/11/2016(1)، وننشرها اليوم بنصها كما وعدنا أمس، وقد نوهنا أمس إلى صعوبة تقديم الاشراف، أو تعليم الاشراف، أو الاشراف نفسه بالألفاظ أو حتى بالتسجيل الإلكترونى، فالخبرة أساسية والتدريب تدريجى متواصل وليس حفظا وشرحاً وتنظيرا، وكثير مما يجرى لا يمكن صياغته بالألفاظ، بل لا يمكن حتى نقله إلكترونيا، ومع ذلك فلا مفر من عرض الحالة لمن ليس لديه فرصة المشاركة المباشرة.
هذا، وقد عدلت بعض المقاطع والجمل وأضفت بعض العبارات المحدودة بحيث يصلح ما هو مسجل بالصوت والصورة للنقل إلى ألفاظ منشورة ورقياً، حتى أستطيع أن أتجنب الفجوات والمعلومات الناقصة التى قد تفسر الرسالة علما بأن ذلك قد تم فى أضيق الحدود . وسوف أترك “التعقيب العلمى” على “النص” لنشرة الغد (الأثنين وربما امتد إلى ما بعد ذلك)
عذرا وشكراً .
المتن:
بتاريخ29-11-2016
مقدم الحالة: أ.نادية
أ.نادية: حضرتك هى عيانة عندها 41 سنة و6 شهور دخلت المستشفى عندنا هنا قبل كده، وآخر مرة كانت السنة دى فى أوائل 2016 وهى معايا بعد خروجها بقالها 9 شهور، وحضرتك بتشوفها معايا من الوقت للتانى، هى عندها فوق الأربعين سنة ليسانس تاريخ مابتشتغلش حاليا، متجوزة هى الأولى من ثلاث إخوات، هى إتجوزت متأخرة شوية وهى عندها 39 سنة جوزها بيشتغل مهندس معمارى وعنده 45 سنة بس هو كان متجوز قبل كده وطلق، وعنده 5 أولاد من الزوجة الأولى هى العيانة لما دخلت عندنا المستشفى الدخول الأول كان فى 2011 داخله متشخصه إنها فصام
د.يحيى: عندها أولاد؟
أ.نادية: لأه معندهاش أولاد هى كانت متشخصة فصام وجدانى
د.يحيى: حاليا بتيجى بانتظام؟
أ.نادية: أيوه هى حاليا بتيجى بشكل منتظم، هى فصام وجدانى من النوع الهوسى وكانت متشخصة كده فى الدخول الأولانى، وكانت دخلت المستشفى بأعراض فيها ضلالات واضطهاد وإنها إسمها مميز، وإنها هبه من الله، وكان عندها طاقة عالية فى كل شئ، وكان فيه كلام كتير فى إتجاه السحر والمسّ وكده
د.يحيى: والتاريخ العائلى؟
أ.نادية: فيه تاريخ عائلى إيجابى: العمه متشخصة برضه فصام وجدانى إكتئابى، وبتتعالج لحد دلوقتى
د.يحيى: عمرها؟
أ.نادية: العمه حاجه وخمسين سنة 55 سنة
د.يحيى: متزوجه ومخلفة؟
أ.نادية: متجوزة ومخلفة، وكمان الأب كان مر بخبرة كده وهو كان فى الثلاثينات، كان الشغل بتاعه فيه شوية خسائر هو عنده مصنع بلاط، كان دخل فى نوبة خوف وفزع، بس بمجرد ماهو راح صيدلية، ادوله كالميبام أخذه شوية وبعد كده الدنيا إتحسنت وماظهرش أى تعب تانى
العيانة دخلت عندنا المرة الثانية من 9 شهور وبرضه كانت الحالة بنفس شكل التعب الأولانى، بس المرة ديه كان فيه ظرف جديد صعب وهو إنها كانت حامل، وحصل إجهاض وماكنتش تعرف إنها حامل
د.يحيى: إجهاض فى كام شهر؟
أ.نادية: فى الشهر الثالث ماكانتش تعرف، وحصل فجأة، وده كان بالتزامن مع سفر جوزها للسعودية كان رايح زيارة لأخوه هناك علشان يشوف شغل معروض عليه يعنى، فحصلت الإنتكاسة فدخلت المستشفى ولما دخلت المستشفى كان برضه الكلام فى الدين كتير والضلالات موجودة، والطاقة العالية وقلة النوم والعنف اللفظى والعنف البدنى وأخذنا شوية وقت عقبال ما الدنيا إستقرت وقعدت معانا حوالى شهر فى المستشفى وخرجت متحسنة ودلوقتى بقالها 9 شهور بتابع معايا.
هى طول الوقت يا دكتور يحيى الأمور مستقرة من ناحية الأعراض يعنى شوية تتكلم فيها شوية مابتتكلمش فيها وبتكمل حياتها. مشكلتى معاها هى علاقتها بالدواء هى طول الوقت بتطلب تقلل الدواء أو تبطله.
د.يحيى: فين السؤال؟
أ.نادية: هوّا ده، مستنية حضرتك، طول الوقت تطلب منى أسأل حضرتك امتى حاتبطل الدوا، فزنقانى معظم الجلسات، وتقريبا مفيش ولا جلسة إلا ولازم تنكش فى حتة الدواء: طيب توقعك إيه؟ طيب دكتور يحيى حايعمل إيه فى الدوا؟ تتوقعى إنه حايوقف الدواء ده جزئية جزئية؟ النقطة التانية اللى بتسألنى فيها باستمرار هى: موضوع الخِلْفَة يعنى برضه مفيش كام جلسة كده إلا وترجع تتكلم عن إن عندها رغبة إنه يحصل حمل، حتة الأمومة باشوفها عالية عندها قوى، هى عاوزة تلحق، هى داخله على 42 سنة دلوقتى فإحنا كنا إتفقنا نأجل 6 شهور بعد ما تخرج من المستشفى علشان بس نشوف الدواء ونشوف انتظامها، هى قبلت ده بس على أمل برضه أنها تقابل حضرتك وتتكلم فى موضوع الخلفة ده، وأن كنت حاتسمح إن يكون فيه حمل ولاَّ لأه، الزوج مش متحمس، وده اللى وصلنى وحضرتك بتشوفه برضه وبتشوف أبوها معايا، الجوز مش واصلنى أوى إنه متحمس لموضوع الخلفة وخصوصا إنه شايفها إنها بتأخذ أدوية، ومعلق على الخبرة بتاعة الإجهاض، وهو عنده برضه 5 أولاد فمش فارقة معاه
د.يحيى: هو مطلق؟
أ.نادية: هو مطلق آه والأولاد مع والدتهم
د.يحيى: كلهم ؟
أ.نادية: كلهم، الخمسة، وعلاقتهم بيه مش مظبوطه ومتوترة برضه
د.يحيى: أكبرهم عمرُه كام ؟
أ.نادية: فى ثانوية عامه، 17 سنة
د.يحيى: والصغيّر
أ.نادية: والصغير فى الإعدادى
د.يحيى: مطلق من إمتى
أ.نادية: هوّا والمريضه دى متزوجين بقالهم سنتين ونصف، يعنى هوا مطلق من خمس سنين أو ست سنين فهو مش متحمس لحتة الخلفة بس هى بتلح عليها من وقت للتانى وبرضه إحنا كنا إتفقنا على ال 6 شهور ، بس إحنا بقالنا دلوقتى 9 شهور، وهى قلقت طبعا
د.يحيى: هو عنده كام سنة؟
أ.نادية: 45 وهى 42 هى مستنية طول الوقت يعنى إمتى البيريود (Period الدورة الشهرية)، شايله هم إنها ماتبقاش منتظمة وبعدين تقف، طيب أنا حالحق أخلف ولاّ لأ، هى عاوزه الحتة دية فاحنا مزنوقين شوية فى ده وممكن تيجى جلسات تعيط بسبب الموضوع ده إنها عاوزه تخلف
د.يحيى: بتشتغل؟
أ.نادية: لأه مابتشتغلش
د.يحيى: معاها شهادة إيه؟
أ.نادية: ليسانس أداب قسم تاريخ، إشتغلت كده بعد التخرج فى حضانة وسابتها وماكملتش الشغل، وهو برضه مش متحمس أوى إنها تشتغل، يعنى بس أنا لما طلبت ده إن إحنا ندور على شغل وإن ده مهم ليها ووقت الفضا كتير اللى بتقضيه فى البيت ماكنش معترض قوى، يعنى هو ساب الباب مفتوح كده إن لو ظهرت فرصة شغل تشتغل، فأنا مزنوقة فى الحتة دية شوية برضه، وموضوع الخلفة حانسمح بيه ولا حانحسم ونقول لأ، فالزنقة اللى أنا معاها دلوقتى علشان موضوع الحمل ده، هى مشغوله بيه قوى.
د.يحيى: حددى بقى السؤال
أ.نادية: هل حانحسم معاها إن إحنا حانوقف الدوا فعلا قريّب؟
د.يحيى: ده سؤال، فيه سؤال تانى؟
أ.نادية: السؤال التانى زنقة الحمل دى، هل حنوصل رساله برضه إن مافيش داعى نهائى للتفكير فى الحمل فى السن دى فى الظروف دى، ولا نقعد نأجل بسبب الظروف؟
د.يحيى: دلوقتى انتى بنت شطورة، وليكى خبرة إكلينكية عمومية جيدة، وخبرة فى العلاج النفسى، فكتر خيرِك، أهم من ده كله إنك أنتى “أم”، وعارفه يعنى إيه “أم”، أنا راجل، يبقى ماعرفش يعنى إيه “أم” بالضبط، بس ساعات بينى وبينك انا من كتر ماعشت مع عيانين يعنى، ومع الأمهات بالذات، واللى مش أمهات برضه، ساعات يخطر فى بالى إنى أم أكتر من أنى أب، ساعات كده وساعات كده، وبابقى فرحان إنى أنا رغم إنى أنا راجل إنما عندى مشاعر تحترم الأمومة لدرجة التقمص، أظن كنتى تقدرى تلقطى إن كل المشكله ديه مع التاريخ العائلى مع عمتها تتركز فى حقها فى الأمومة أساسا، يعنى الست دى زى أى طفلة عندها 4 سنين أو حتى سيدة عندها 76 سنة من حقها تبقى أم، خلقة ربنا ده، حق بشرى قبل بتوع حقوق الإنسان الموضة دول ما يحتكروا حقوق الانسان، ربنا يهديهم ويغفر لهم على باللى هما بيعملوه، ناسين إننا لما نيجى نتكلم على حقوق الإنسان ما يصحش ننسى الحقوق الطبيعية حتى قبل الانسان ما يبقى انسان، قبل السياسة والديمقراطية واللماضة دى كلها، واخدين حقوق الإنسان إن الواحد يبعبع ويعبر عن رأيه وخلاص؟ مش الأول لما الواحد يأخذ حقوقة الأساسية فى الحياة يبقى يتنقل للكلام اللى بيقولوه ده، فيه ناس لما تقولى لهم حقوق الإنسان يقولولك الأكل والشرب، وده صحيح وبنسميه “مستوى الضرورة” طبعا لازم آكل واسكن واشتغل وأركب مواصلة الأول قبل ما أقول “حرية رأى” وكلام من ده، وبعدها يقولو ديموقراطية وتأمين وكل حاجة ماشى، طيب والحقوق الأصلية بتاعة الحيوانات أطنشها ليه؟ ولاّ الانسان تنازل عنها؟ ما أنا أصلى حيوان ولا إيه، والحقوق بتاع العصفورة والحقوق بتاعة الحدّاية، مش من حق العصفورة إنها تبيض وتقعد على بيضها لحد ما يفقس، وتروح تجيب حبايه علشان تحطها فى فم الكتكوت لحد مايطير، كل ده بيفكرنا بالأساس فى شغلتنا هنا على اساس “ربى كما خلقتنى” وربى كما خلقتنى مش إنسان بس، لأه الأول خلقتنى كائن حى الأول، وبعدين اترقيت بفضله لحد ما بقيت إنسان، احنا لو نسينا دى يبقى المؤسسة دى مبنية على فراغ، علشان احنا لما نقول طبنفس تطورى ومش تطورى، دا مش هزار، ولاّ نكتفى أننا نسقف لداروين؟ الجماعة اللى بيدوروا على الحلقة المفقودة دول بيضيعوا وقتهم، بس كتر خيرهم، احنا هنا بنشوفها فى حقيقة “أنا وأنتَ – هنا ودلوقتى” حقيقة “الأن” الطبنفسى التطورى مبنى على إن التطور لسه شغال فينا لحد الآن.
ونيجى بقى نمسك معلومة معلومة من اللى أنتى قولتيها يا بنتى ونبتدى بالاستعداد الوراثى وزى ما بقول دايما الوراثة هى وراثة الحركية والطاقة وطرق التعامل معاهم، يعنى مافيش كلام اسمه المرض النفسى الفلانى نفسه وراثى، يعنى الست دى ما ورثتشى المرض بالذات، لأ، هى ورثت نوع من فرط الحركية، وبرضه فيه علامات بتشاور على إن الحركية والطاقة وكيفيه احتواء دى ودى لها سكك موروثه برضه: يا تتفركش زى ما حصل لعمتها، يا تتكلم بسرعة زى ما اللى لفتِّى نظرنا لِيْه عن الخبرة اللى مرّ بيها أبوها، وبرافو عليكى أنك لقطتيها، ودى تدل إن العيلة دى ورثت برضه القدرة على احتواء الحركية والطاقة، شوفتى إزاى إن دقة الملاحظة من خبرة قصيّرة يمكن أسابيع أو أكثر أو اقل لها دلالتها، كده نعرف نقرأ إن مرض عمتها اللى هو شيزوفرينيا أو شيزوأفكتف(2)زى ما بتقولى: هو هو اللى الأب كان حيمرّ بيه، يعنى نفس الجينات بتاعة الأسرة، لكن الأب لمّ نفسه بالنوم (– ومش حاقول بالعلاج عشان اللى خذه ده لا هوّا علاج بتاع الشيزوفيرنيا ولا بتاع الهوس، هو لمّ نفسه بفضل سلامة الإيقاع أثناء النوم اللى لحق نفسه بيه).
تعالى نشوف إيه اللى جرى بالضبط، شوفى لما نلقط الوراثة بلغة الحركية والطاقة ، حته من هنا وحته من هنا، ونربطهم، وبعدين نلاقى إن الست دى جايه من جهاز عصبى جاهز للحركة، وبرضه جاهز للتشكيل فإن لم تتح له فرصة الحركة الطبيعيه زى أى كائن فى الطريق الطبيعى يمكن يفشل إنه يلم نفسه، الست دى وهى حامله كل الاستعدادْ: احتد عندها الحرمان من حق الأمومة، دا حق عند الحيوان وكل الأحياء تقريبا، والطير بيبيض برضه، والحيوان بيولد من غير مظاهرات وهتافات وكلام من ده، وبعدين اللى عايز أقوله إن احنا لازم نهتم بالحقوق البيولوجية وبعدين الحقوق الضرورية وبعدين بقى حقوق الإنسان المستوردة، عندك حقوق القطة مثلا محدش شافها بتحبل وتولد تبقى أم، وبتشيل عيالها وبتنط بيهم سبع جدران علشان تحميهم من أى خطر، ما حدش علمّها، وما حدش يقدر يحرمها من هذا الحق، ولو اتحرمت شوفى ممكن يحصل إيه؟ قبل ما نتكلم عن أى حق، ناخذ بالنا من الموقف من الأساس يبقى الحق فى الأمومة قبل كل ده، هو أولا حق بيولوجى، واحنا لو ما إحترمناش أصل الأصل زى حق الأمومة، يبقى بنستَهْوَنْ بأهم برامج حفظ النوع، الأنثى الأم هى الأصل، معظم الرجاله ويمكن كل الذكور ماعندهمش فكرة عن الحق فى الأمومة، بالرغم إنه يمكن موجود جواهم فى الغالب زى ماقولتلك على نفسى، فبيستهينوا بيه، واحد عنده خمس عيال زى جوز الست دى، ومتجوز بدرى بدرى، خلى بالك لأنه النهاردة لسه عنده 45 سنة يا دوب وعنده خمس عيال، يعنى شِبع عيال، بس مش شِبع أمومة، لأنه ماعندهوش حق الأمومة بيولوجيا بشكل مباشر، هو لو عنده حق أمومة كان أخذ باله، إنما هو شبع عيال وشبع “أبوه”، وراح متجوز الست دى يمكن جواه مركِّز على دورها فى الجنس وبس، بس أنتى ما قولتيش حاجه عن الناحيه الجنسية بينهم، يا ترى: ماشى الحال؟
أ.نادية: أه ماشى الحال، حتى الزوج كان بيوصف أنها عندها رغبة زيادة فى الموضوع ده
د.يحيى: تصدقى وتآمنى بالله إن الست دى لسه فى عزها، وإن مافيش حاجة اسمها إن قدرتها الجنسية نقصت لأنها كبرت زى ما هو شائع، الست دى لسه محتفظة بالرغبة كويسة وكل حاجه 24 قراط، إنما ممكن الرغبه دى عندها بالذات ترتبط برضه بالأمومة أكثر ما ترتبط باللذة الجنسية، ما هو لازم ندعبس فى الفروق: واحده تبقى عندها رغبة عشان علاقه كاملة، فيه واحدة تانيه عشان لذة وبس، وواحدة تالته عشان ترضى ربنا، وفيه واحدة تلاقى ورا العلاقة رغبة رائعة فى إرواء حق الأمومة، ده يعنى ما يتعارضش مع أنها تبقى تحب الجنس، ويعنى ما يتعارضش مع أنها تنبسط من العلاقة، ده يجوز أنها تنبسط أكثر باعتباره خطوة نحو استقبال حقها المؤجل، أنا مش حا أقول حقها اللى هى محرومه منه، ماحدش حرمها، لكن هى الظروف جت كده، ويفضل الحق حق ولو مؤجل، دا الواقع البسيط اللى لازم ما ننساهوش.
نرجع نفهم الحالة أكثر من خلال خبرة عابرة كان ممكن أى واحد يعدّيها وهى خبرة أبوها، وعلاقتها بفصام عمتها الوجدانى، وبعدين بحالتها، انت عارفة زى ما بنكرر أصل حكاية المرض ده بيجى إزاى؟ بيجى من عدم تناسب حركية الطاقة مع قدرة إعادة التشكيل، أبوها لما جت له الأزمة المادية الصعبّة الحادة دى، زى ما يكون اتفكك أكثر شوية، ومالحقش يتلم، راح واخد بالصدفة قرصين تلاتة كالميبام على حد قولك شوية أيام كده، وأنا رأيى إن الأقراص نفسها ما عملتش حاجة، لأنها ديازيبينات(3) ومش نيورلبتات(4)، يعنى مش ضد الذهان ولا حاجة، الأقراص دى منوِّمة، راح سمحت له ينام كفايته، راح الإيقاعحيوى فى النوم شغال صح، قام باللازم مع راجل ناجح وكبير ومتماسك يبقى مخه لازم كان نشط ومنتظم، ودى كانت كعبلة عالماشى، قام مخه بالإيقاعحيوى لمّ التفكيك أثناء النوم قوام قوام، وهُبْ رجع لشغله وراحت الحالة لوحدها من غير لا نفسانى ولا تشخيص ولا نيورلبتات ضد الذهان ولا يحزنون، وهوّا ده فى الغالب من نفس نوع اللى جه لأخته، يعنى لعمتها، لكن فى ظروف يمكن أصعب وأطول خلت إيقاعها الحيوى ما عرفش يلمها، فعلقت معاها التفكيكة بقت مزمنة، يبقى فى الغالب هو اللى جه للست بتاعتك ودخلت بيه المستشفى كام مرّة، لأنها لا بتشتغل ولا أخدت حقوقها الطبيعية فى الوقت المناسب للزواج، لكن برضه اتلمّت بالعلاج لما دخلت أول مّرة، وبعدين خرجت، لقت الظروف هيّا هيّا، وما انتظمتش على العلاج قوى، فُانْهِكَت راحت متفككه تانى، وأبوها دلوقتى أخباره إيه؟
أ. نادية: أبوها راجل طيب، ومتفاهم، وفعلا قرّيب، وييجى معاها، وحضرتك قابلته كام مرة
د. يحيى: الحمد لله
أ. نادية: هو شكله مِصَحْصَح، وواقف جنبها
د.يحيى: عشان الحركيه عنده أتوجهت صح، ولما أتكعبل قام بسرعة ورجع للسكة الطبيعية، مجرد أنه نام كفاية فى وقت مناسب، ما هو النوم بيخفف أزمة زى دى بسرعة، لما يكون المخ جاهز لإعادة التنظيم، يقوم النوم الكويس يدينا فرصة إننا نعرف التركيبة بتاعة المخ، مش بس الجاهزية للفصام، لأ برضه الجاهزية للتشكيل، يعنى الأسرة ديه شكلها أن اللى مابيلحقش نفسه زى عمتها بيكمل لغاية الفصام، واللى بيلحق نفسه زى أبوها بيتلم وتعدّى، مش قصدى بيلحق نفسه يعنى بإراده وكلام سطحى من ده، لأه قصدى إن تركيبة وتنظيم المخ وتاريخه يكونوا ماشببن، يبقى ماشى صح، وبينبض صح، يقوم لما يتلخبط، ويلحق تجيله فرصه بالصدفة ولا حتى واحد صيدلى يلحقه ويروح ينام بانتظام كويس لمدة كفاية يقوم زى الفل، لأنه هو أصلا متماسك، يروح صاحى فايق ، كل ده بيبقى مؤشرات لينا يوجهنا احنا نعمل إيه، ويخلينا نتفائل بمصير الست لو العلاج مشى مضبوط، والفرص سمحت
أ. نادية: طيب وبالنسبة لأسئلتها؟
د. يحيى: لما نرجع للحالة ونربط بين السؤالين بتوعك حا نلاقيهم سؤال واحد، أول سؤال أبطل الدواء أمتى؟ وتانى سؤال أحبل أمتى؟ هما واحد، هى عاوزه تبطل الدواء، وده سؤال شائع عند كثير من العيانين: بعد أسبوع اتنين بيجوا جرى ويسألوا بإلحاح هو انا حاخد دوا على طول، هو أنا حا أبقى مدمن؟ زى ما يكونوا بيبقوا خايفين على الحركة “بتاعة المخ” إنها تبطل خالص، زى ما يكون الواحد منهم عايز يبطل الدواء عشان يضمن الرجوع للطبيعة الإيقاعحيوية العادية حتى لو كانت اتكعبلت، وساعات مايطلبوش تبطيل الدواء بشكل مباشر، لأ، يتهموا الدواء إن عملهم وجع فى صباع رجله اليمين، ولاَّ نغبشه فى قفاه، واللى يقول لك وجع فى صرصور ودنى ، ويرجّع كل ده للدوا وكلام من ده، ويتهم الدوا إنه السبب عمال على بطال!
أ.نادية: صح، الست دى طول الوقت بتعمل كده، أى حاجة تحس بيها فى جسمها كده ولا كده، بتقول ده من الدواء
د.يحيى: أه، يعنى معنى كده إن العيان بيبقى حريص على الرجوع للطبيعه بما فى ذلك الطبيعه الفاشله، ما هو المرض ده طبيعه، لكنها فشلت مؤقتا غالبا، والمفروض إن احنا واحنا بنواجه المرض بنحارب فشل الحركية مش بتحارب الحركية ذاتها، يعنى بنحاول نقضى على الفشل مش نقضى على الحركة كلها من أصله، لازم واحنا مع العيان نشوف البديل مش بس نهدِّى الحركة، الحالة صعبه طبعا، ويمكن صعبة جدا عشان ظروفها مؤلمه ومش فى ايدنا، ولازم نبحث فى دور زوجها إذا كان راجل طيب: فى الغالب حايفهم ويساعدنا، طبعا مش حانقوله الكلام المجعلص ده
أ.نادية: فيه معلومه عن الزوج هى ماعرفتهاش إلا بعد الجواز، وهى أنه بيعانى من نوبات صرع، وهى لما شافت أول نوبه اتفزعت
د.يحيى: شافتها امتى؟
أ.نادية: بعد الجواز، كان وقَّف الدواء بتاع الصرع شويه
د.يحيى: ودلوقتى؟
أ.نادية: دلوقتى لما مُنتظم علي الدواء تقريبا سنتين مافيش نوبات
د.يحيى: برضه نرجع تانى للأفكار العلمية اللى بنكررها هنا طول الوقت ونحاول نربطها بالممارسه، والحكاية دى قلناها كتير، لما واحد يبقى عنده صرع، ده بيعلن زخم الطاقة الحيوية، وإنها بتتفرغ فجأة فى النوبات، وهات يا مفاجأت ومضاعفات، ييجى يظبط الحاجات دى بالدواء، خير وبركة، ما هو لازم، بس يمكن ده يحصل على حساب الحركية الطبيعية، يجى الدوا يزيد حبتين، مش بس يهدّى الطاقة، لأ يهدى الحركية كلها بما فى ذلك الطاقة اللازمة للعلاقات ، ما اقصدش الجنس بالذات، لأ، العلاقات عموما وبرضه يكلبش الطاقة بتاعة التغير والابداع، تبصىِّ تلاقى العيان بقى يا عينى متكتف.
أ.نادية: برضه حضرتك بتتكلم على حاجة هى مفتقداها، يعنى زى ما تكون حاسه هى إنه بعيد
د.يحيى: شوفى: هى عندها الحركه النشطة اللى احنا شفنا فشلها المزمن فى عمتها، وهو عنده الحركه اللى اتكتمت شويتين بالدواء بتاع الصرع، ولازم نحترم الحقائق دى كلها مع بعضها، نحترم المخ، نحترم الطاقة، نحترم النوم برضه نحترم الفرصة لاعادة التنظيم، زى ما شفنا فى أبوها، ده كله مع احترام “للحقوق الطبيعية للإنسان” من البداية، احنا لا بنحل عقد، ولا بنركز على كيميا، بس بنواصل الاستفادة من كل معلومة قد ما احنا شايفين الدنيا ماشيه إزاى، باديين من حق الأمومه لكمية الطاقة، لتوجّه الحركية، ونقعد معاها واحدة واحدة لحد مانشوف حل وربنا يسهل.
أ.نادية: طيب ما هى فرصة الست دى فى الأمومة ضعيفة، سواء عشان السن أو عشان الأدوية
د.يحيى: عندك حق بس دى بنى آدماية مش قطه، يعنى طبعا الأمومة دى أساسية مافيش كلام، وهى حق حيوى للأنثى، حق مرتبط ببقاء النوع، الأم والأمومة أهم فى حفظ النوع، دا عبر التاريخ، يعنى يكفى ذكر واحد يخلى ميت أنثى يبقوا أمهات ويحافظوا على النوع تمام التمام وهو مالوش أى لازمة، أى ذكر يحل محله يكفى مية تانيه وتالته، ده من حيث الحفاظ على النوع لكن عند الإنسان المسألة مابقتش حفظ النوع وبس، المسألة ما بتوقفشى عند كده
أ. نادية: ما هى الست دى لو ما بقتش أم تبقى اتحرمت من حق أساسى جدا
د. يحيى: طبعا، بس ده مش معناه إنها مالهاش دور فى الحياة غير إنها تبقى “أم”، احنا قلنا أن الأمومة دى للإسهام فى “الحفاظ على النوع“، فيه حاجة اسمها “الحفاظ على النوعية“، يعنى الإنسان ما يبقاش إنسان بمجرد أنه اتولد من أم، ده تبع الحفاظ على النوع، لكنه هو وأمه بيكملوا مشوار الحفاظ على النوعية بتنمية قدرات أخرى تخلى البنى آدم ، بنى آدم، يعنى كائن بيفكر ويحب ويتحب ويبدع ويعمل حضارة، كل العلاقات دى وتطوير الحياة والإبداع هى اللى بتميز الإنسان الحقيقى قبل ما يخربوها بالفلوس والحروب ومستينين يقعدوا على تَلِّها، يعنى الست دى إذا كانت اتحرمت من المشاركة فى “الحفاظ على النوع” عندها فرصة للمشاركة فى “الحفاظ على النوعية”، لكن دقيقة واحدة من فضلك، نرجع مرجوعنا لجوزها أبو الخمس عيال دى لمّا طلق الست الأولانية هوّا طلقها ليه؟
أ.نادية: بيقول انه اكتشف إنها طول الوقت عنيدة وكمان كان فيه خلافات مادية
د.يحيى: يعنى، وهو فيه واحده ست مش عنيده! وفيه بيت مافيهوش خلافات ماديه
أ.نادية: ده اللى بيصدّره على الوش بس أنا مش مقتنعه باللى بيقوله ده
د.يحيى: عندك حق، ما هو كل الرجاله بيقولوا كده، احنا لو عرفنا سبب الطلاق ودوره فيه يمكن نقدر نعرف نوع العلاقة اللى يقدر يعملها ويستمر فيها مع عيانتك دلوقتى، وخصوصا انتى بتقولى أن سنه 45 سنة بس، يعنى لسه فيه فرصة أخد ورد
أ.نادية: أيوه وهى تبان أقل من سنها وهو كمان يبان أقل من سنه
د.يحيى: نعمل إيه بقى بعد ده كله لازم نقول حاجه عمليه تقدر نساعدها بيها، مش الست ديه بنى آدماية يعنى قبل ما تبقى مشروع أم ، مش هى برضه من حقها تبقى بنى آدماية فى الأول والآخر، تعالى نشوف إيه مواصفات ومتطلبات أن الواحد يبقى بنى آدم وهو عنده 41 سنه لسه قدامه يعيش تلاين أربعين سنه خليها تلاتين بس، نقول لحد ما يبقى عندها 71 سنه، إيه اللى ممكن البنى آدم يعمله خلال التلاتين سنة دول عشان يفرح انه بنى آدم من غير أمومة وعيال حتى، أهو ده اللى أقصده بالحفاظ على النوعية.
أ. نادية: يعنى تعمل إيه الست دى؟
د.يحيى: بصراحة أنا خايف أكون باقول تنظير مالوش علاقة مباشرة بالحالة، طبعا احنا لازم بنواصل تظبيط جرعات الدوا طالع نازل من غير خوف، لكن لازم فى نفس الوقت، نفتكر إن البنى آدم عشان ينتمى لنوع البشر على قمة هرم التطور لازم يحافظ على إيجابيات تاريخ بلايين السنين، مش ملايين بس لأن الجنس البشرى عمره كله 600 ألف سنه يعنى ماحصلش مليون سنة، الست دى ربنا امتحنها بأنها حرمت من المشاركة فى “الحفاظ على النوع”، لكن ما تْحرمتش من المشاركة فى “الحفاظ على النوعية”.
أ. نادية : وبعدين
د.يحيى: نبتدى بحاجة بسيطة، الست دى معاها ليسانس، وما اشتغلتشى إلا حاجة بسيطة قبل ما تتجوز، يبقى لازم نشوف ليه، وندفعها انها تشتغل أى حاجه، فيها مواعيد وناس، بصراحة شغل البيت مش كفاية، الشغل وسط الناس ده أساس الحياة للست زى الراجل ويمكن فى الحالة دى للست أكتر، وهى ما عندهاش عيال، وجوزها زى ما انتى شايفة، الشغل عباره عن “ساعَة” يعنى “مواعيد” و”ريّس” و”مجتمع” و”عائد” و”ناتج”، النهاردة إيه؟، والشغل الساعة كام؟، ده حركية لو قدرنا نوفرها تبقى بداية طيبة؟ رايحه فين دلوقت؟ عن اذنك أصل الشغل الساعه تسعه إلا ربع، تروح تقابل ناس تروح ماليه ورق، تحس أنها أنجزت حاجة تتعرف على نفسها، ترجع من الشغل وتنظف البيت وتستنى السيد السند، ويصبح الجنس مش بس وظيفته أنه يديها فرصه أمومه، ممكن يبقى وظيفته إكمال علاقه إنسانية، تيجى تبص لجوزها نلاقى الحكاية صعب، نحاول نحلها ولو شوية ونحترم برضه الدواء اللى بياخذه عشان الصرع، وانه مِكَلْبِشُهْ فعلا، ومع ذلك نبذل جهد ونحاول ننمى الحاجه الطيبة اللى بينهم، وينفتحوا على الناس، مش يركز على عياله الخمسة حتى لو علاقته بيهم متوترة، ويستعملها هيّا لبعض الوقت، احنا بنبذل جهدنا فى كل اتجاه وربنا يسهل ويمكن الدنيا تتحرك، البنى آدم يبقى بنى آدم لما يبقى أمين على تاريخه، لما يحافظ على نعمة ربنا اللى تميز بيها بنى آدم، تلاقى المسألة اتحركت فى الاتجاه الصح، أنا مش باتكلم على إرادة معلنّة وتخطيط وشعارات وكلام من ده، أنا عايز نحاول نملا حياتها بدءًا بالشغل وأى احتمالات علاقة طيبة، يمكن نكتشف ان لها دور يحقق انساتيها يقوم يهدى جوعها لحقها الطبيعى، قصدى الأمومه اللى ملهاش ذنب فى الحرمان منها، طبعا مش حانقول لها ياللا نحافظ على النوعية، وبلاش التركيز على الحفاظ على النوع، احنا لو جبنا السيرة دى كده يمكن تضربنا، أوعى تفكرى أنى باقول الكلام ده عشان تعمليه أو تقوليه، ده نتيجة بسيطة طبيعية لما العلاج كله مع العلاج النفسى يبقى مشاركة حقيقية من وعى ووعى زى ما اتفقنا.
[1] – قبل لقاء المرور الإكلينيكى الأسبوعى وهو التقليد الجارى منذ ثلاثين عاما.
[2] – Schizoaffective
[3] – Diazepines
[4] – Neuroleptics