نشرت فى الدستور
21/12/1997
الصيام والتعتعة
يأتى رمضان فيتحرك القرآن الكريم يملأ خلاياى قبل أن أمسك بالمصحف أجلى به بصرى، وأشحذ وعيي، وأستلهم تجاه خطوي، وأنا أقرأه كأنه أنزل على خصيصا، وكأنه يخاطبنى أنا شخصيا ومباشرة، وأتساءل من القائل ” إقرأ القرآن وكأنه أنزل عليك” بلغنى مرة أنه حديث شريف، أو أن عليا بن أبى طالب رضى الله عنه هو الذى قال هذا القول الجميل المضئ، أو أنه لا هذا ولا ذاك لكنه قول حسن مفيد، وقد فهمت من خلاله الآية الكريمة التى تشير إلى أنه “إنا أنزلناه فى ليلة القدر”، فالقرآن ينزل علينا باستمرار، ويعاد تنزيله بلا انقطاع على كل منا دون استثناء، فيتنزل علينا بما يلهم ويهدى ويجدد ويبدع، وذات رمضان وأنا أقرأ الآية الكريمة : ” إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا……”، ثم ” وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا…. ” انتبهت – أو تصورت- أننى لو اتبعت هذا المنهج العلمى الضيق الذى يحول بينى وبين المعرفة، لمجرد أنى أتبع المنهج الذى فرضوه علي، فسوف يحاسبنى الله على امتهان عقلي، وتصوورت أن الله سبحانه حين يحاسبنا فسوف يحاسبنا على نوعية استخدام عقولنا وليس على ما تحتويه، وأن علينا -عبادة واجتهادا- أن نكرم هذا العقل البشرى العظيم بأن نقلل من الاتباع لحساب المراجعة والإبداع، وأننا إن لم نفعل فلن ينفعنا أن نكتشف هذه الحقيقة فى الآخرة، حتى لو قدمنا يوم الحساب كل المراجع المعتمدة المستوردة من الشمال (أوالغرب) ثم إنى تصورت أن هؤلاء السابقين من العلماء سوف يتبرؤوا منا فى الآخرة حين يحاسبنا الله على “كيف استعملنا عقولنا، بل تمادى بى الأمر أن الله سبحانه سوف يحاسبنا على ما نتلقى من فتاوى فتبعها دون تفكير، وأمضى فى القراءة وأنا أتصور الندم الذى سيصيب التابعين دون المبدعين، وهم يطلبون لهم كرة ليتبرؤوا ممن أغروهم بالاتباع دون الإبداع، ليس قط اتباع فى الشر، وإنما أى اتباع كائنا ما كان فى طريقة المعيشة، وفى تفسير النص، وفى المنهج العلمي، وفى شئون التربية”.
***
إلى إبراهيم عيسى:
ببركة رمضان أهديتنى يا إبراهيم لغة عربية جميلة وأنت تكتب “لا يؤدى ولا يجيب” فى عامودك فى الصفحة الأخيرة، وكم هى جميلة رحبة “يؤدي” عن “يودي” بالعامية التى لا تعنى إلا “يرسل”، ثم تزداد فرحتى وأنا لا أجد كلمة واحدة بالعامية فى الصفحة الأولي، الحمد لله : ربنا يسهل: صفحة صفحة، وكذلك لم أجد أثرا للعامية فى صفحتين كاملتين فى ندوة رائعة عن مستقبل المحروسة مصر، لا بد أنه قد دار ثلثها على الأقل بالعامية، وإذا بها عربية كلها، فكم بذل أيمن شرف وزملاؤه فى هذا العمل الطيب.
وبمناسبة فقد بلغنى كم تألم أيمن من عتابى عليه، وأننى لا أعتذر عن حب له ولوطنى ولنجيب محفوظ، وأن الاختلاف ليس حول دلالات قراءته التى يعرفها كل الناس منذو صدور العمل وحتى بعد إختفاءه، وإنما الاختلاف حول مسئولية الكلمة، وغباء من يتلاقها بسطحية، وسؤء توقيت النشر (حادث الأقصر) وغير ذلك كثير، أما وصفه لى بالجمود والتقليدية فهذا غاية هو ما أستطيع يا بنى (أنظر أعلى) – وما دمت قد تحملت أبوتى المقتحمة، فلا أملك إلا أن أدعو الله لك ولى بمزيد من الرؤية والمسئولية والحركية والإبداع، تعتعنا الله وإياكم .آمين.