نشرت فى الدستور
5-1-1998
الصوم عن الإبداع
لا توجد كلمة ظـلمت كما ظـلمت كلمة “الإبداع،” مع أن أغلب الكلمات قد أصبحت تحتاج إلى مراجعة، وهذا ما فسرت به ظهور اللغة الجديدة التى توجت بظهور كلمة “كمننا”.
وكلمة الإبداع تـستعمل استعمالين أحدهما قاصر، والآخر متحيز مشوه. أما الاستعمال الأول (القاصر) فهو حين نقصر استعمالها لنصف بها فئة من الصفوة، ينتجون ما هو بديع جديد فى شكل شعر أو رواية أو تشكيل أو موسيقى، وإلى درجة أقل: فى وصف من يضع فرضا علميا أصيلا أو نظرية علمية جديدة.
أما الاستعمال الثانى (المتحيز المشوه) فهو حين يقتصر استعمال الكلمة على وصف كل ما تحرك بعيدا عن الراسخ الثابت الساكن المستقر من تفسيرات قديمة لنص دينى ملهم سئم تفاسيره الراكدة، وذلك حين نطلق على أى جديد، وصف “بدعة”، وكل بدعة (كما يفهمونها هم) ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
فما هى الحكاية ؟ وما علاقة ذلك برمضان؟
كررت فى هذا الصدد أننى لا أستقبل صوم رمضان باعتباره الشافى من كل الأمراض أو المرقـق القلوب على المحرومين إلخ، ولكننى أستقبله باعتباره فرصة لإعادة النظر وكسر النمط، فالصائم يفاجأ أن ما تصوره لا غنى عنه، هو يستطيع أن يستغنى عنه، والصائم يعيد تنظيم يومه بشكل جديد، (المفروض أحسن وأكثر امتلاء بالعمل، والناس)، وبالتالى فلديه فرصة أن ينظر فى إمكان إعادة تنظيم حياته، ورؤيتها بشكل جديد
وأنتهز هذه فرصة كى أعيد للإبداع عموميته قائلا: إن الإبداع هو التجديد: أبدع الشئ”: أنشأه على غير مثال، تأمل -بحق صيامك تعبير “على غير مثال “هذا، وحين بدأت آمال فهمى فوازير رمضان بدأتها (هى وصحبها) على غير مثال، فكان إبداعا مناسبا، ولكن من ساعتها: كل سنة وأنت طيب، هات يا تقليد، حتى أصبحت الفوازير مقررة علينا، مثل الحكومة والحزب الوطنى، ونشرات الأخبار، وخير مثال على تشويه مانجح “أولا”، ثم فسد بتكراره هو نجاح السيدة الفاضلة لوسى في”أبيض واسود” فى العام الماضى -على غيرمثال- وحين كررت نفسها، وموضوعها، فى “قيمة وسيما” شاخت وباخت، وهكذا.
وقد دافعت فى كثر من المقالات والمقامات عن حق الشخص العادى (الذى لا يقرض الشعر، ولا يلحن، ولا يكتب الرواية، ولا يكتشف نظرية علمية) عن حقه فى الإبداع، ورحت أكرر كيف أننا نبدع إذا رأينا شروق الشمس مختلفا عن اليوم الذى سبقه، نبدع ونحن نقرأ قصة بطريقتنا الخاصة غير ما أنشأها كاتبها، وغير ما قرأها غيرنا، نبدع ونحن نسلم أرواحنا لله فى بداية النوم، ربما قـبضت أرواحنا بالسلامة -اللهم إن قبضت نفسى فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين: دعاء رسول الله، عليه الصلاة والسلام. عند بدء النوم – نبدع ونحن نحلم، فالحلم الحقيقي- هو إنشاء وتنظيم للمعلومات على غير مثال، نبدع حين نولد من جديد ونحن نستيقظ-“الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور” دعاء اليقظة.
فهل يا ترى يمكن أن نستغل كسر النمط فى رمضان لنسترد حقنا فى الإبداع، أم يظل الإبداع محرما علينا طول العام طول العمر- رمضان وغير رمضان-، إذ يظل قاصرا على صفوة فوقية، وكذا يظل ملعونا من كل من لا يريد لنا أن نعيد صياغة وجودنا على غير مثال؟ إنها دعوة لعبادة الله سبحانه البديع، الذى ليس كمثله شئ، بأن نضيف جديدا طازجا ونحن نسعى إليه نريد وجهه: بما نعبد، وما نفعل، وما نبدع.