نشرة “الإنسان والتطور”
14-10-2009
السنة الثالثة
العدد: 775
الشغل فى المستحيل
أن يحب أحدنا الآخر بما يليق بالكائن البشرى المعاصر
تمهيد
تأملت – من جديد – المأزق الذى وجدت نفسى فيه مؤخرا (كما هو حال أغلب الناس ممن ينتمون إلى ما يسمى “الإنسان المعاصر”، وليس “الإنسان العصرى”) فوجدت أنه يتأرجح بين تناول العلاقات البشرية بعد أن بلغ هذا الكائن الحى الشقى الرائع: هذه الدرجة من الوعى بنفسه، وبضرورة الآخر شرطا لتواجده بشرا سوياً، أو ما يسمى عادة الحب ، وبين ما أسميه جدل الموت والحياة، وكلتا القضيتين متعلقتين بدرجة الوعى/الأمانة التى تورط فيه هذا الكائن الخاص جدا المسمى الإنسان
اكتشفت أن تناولى لإشكالة العلاقات البشرية من خلال هذا المتن تحتاج إلى توضيح مبدئى قبل المضى قدما فى ذلك.
رحت أكتب مقدمة لهذه الحالة الخامسة فإذا بها تصلح مقدمة للعمل كله:
مقدمة (1)
نلتقى حين نسعى
هذه هى الحالة الخامسة، ويبدو أنها ليست إلا شرحاً على متن الحالة السابقة (الحالة الرابعة: الأسبوع الماضى)،
لاحظت حتى الآن – للأسف- أن تعريه العلاقات المسماة “الحب” حتى النخاع هكذا، تنتهى إلى ما يشير إلى يأسٍ ما، أو قل، إلى إيحاء باستحالة أن يتحاب البشر فيما بينهم بما وصلوا إليه من أزمة “الوعى، والوعى بالوعى” وأضيف الآن: “بما يشمل “مسئولية المشاركة فى جدل نمو الإنسان فردا ونوعا”.
فكرت أن أتوقف عن التمادى فى توصيل رسائل مثل هذه قد تحمل فى ظاهرها جرعة من اليأس أو العجز لم أقصدها أبدا، قلت أنبه القارئ ببعض التوصيات التى قد تعيننى على توضيح ما قصدت إليه من هذه المحاولة هكذا:
أولاً: أن يتذكر القارىء أنها محاولة لفك شفرة النص البشرى بتعبير الابن والصديق د.جمال التركى، أو لعلها “نقد النص البشرى” كما اقترحت سابقا، فهو ليس حكما دامغاً
ثانياً: أن هذا العمل مرتبط بنص محدد هو متن شعرى كتب منذ 36 سنة، وينشر كما هو إلا ما ندر من تصحيح شكلى لجملة أو تحديث محدود فى شطر، ذلك أننى راعيت أن أى تغيير فى المتن أكثر من ذلك هو تجاوز للأمانة.
ثالثا: أن أعمال الكاتب تكمل بعضها بعضا، فإذا وصلت رسالة مثل الرسالة الحالية بها هذا القدر من التعرية لدرجة التلويح باليأس أو الاستحالة، فهى ليست فصل الخطاب، ومثل حروف وأرقام الشفرة (الكلمة المفتاح فى بريدك الالكترونى “مِيِلَكْ” مثلا) لا يمكن أن تفتح الشفرة إلا باكتمال إدخال الكلمة المفتاح حَرْفا رقماً.
رابعاً: أن يتحمل معى القارىء قدرا من التكرار، لا أريد أن ألزم نفسى بتجنبه فى المرحلة الحالية، وآمل حين يصدر هذا العمل – إذا صدر- فى طبعة ورقية أن تخفّ جرعة التكرار قليلا أو كثيرا.
تُرَى: هل يستطيع القارىء الصديق أن “يعلق الحكم” (بلغة الفينومينولوجيا)، فيضع رأيه بين قوسين حتى ينتهى من قراءة مجمل كل نشرة، والأصعب والأهم: حتى ينتهى من قراءة العمل كله، والأصعب جدا حتى يلم بما يكمله من أعمال الكاتب الأخرى؟
إن ما أحاول توصيله لا ينتهى بحكمٍ يحتاج إلى تعليق (تعليق الحكم) بقدر ما هو دعوة لتحريك الوعى فى اتجاه أرى أنه يصلح أن يجمعنا معا كلما مضينا قدماً أكثر فأكثر،
وعندى يقين بأننا نلتقى حين نسعى إلى أن نلتقى، لا حين نلتقى فعلا (أنظر بعد):
مقدمة (2) هذه القصيدة:
فرض قبل الفروض:
هيا نوجز الإشكالة فى هذا الفرض (1):
إن أى علاقة بين إنسان وإنسان هى علاقة بين عدة أناس، وعدة أناس أُخرْ، بداخلنا معا:
فهى علاقة متشابكة متداخلة، بها من التنافس (والمناورات والمخاوف بين الذوات داخلنا) بقدر ما بها من التكامل والجدل،
هذا تفسير العنوان الأول الذى تغير إلى العنوان الحالى، العنوان الأول كان كالآتى:
“مناورات ومخاوف الذوات داخلنا (فى ملعب الحب والحياء)”
أما أنها مناورات ومخاوف فهى كذلك نفيا أن تكون – فقط- صراعا أو سباقا تنافسيا حاضراً، مع أنها صراع محتمل وتنافس مشروع ، علما بأن المناورات والمخاوف هى خطوات نحو هذا الجدل الواعد.
أما أنها تجرى فى ملعب الحب والحياة، فذلك لأن كلمة “الحب” هى التى شاعت أكثر من غيرها فى توصيف العلاقات البشرية،
فروض مستلهمة من الخطوط العامة للقصيدة:
نشرت فى الاسبوع الماضى المستويات العشرة للعلاقات البشرية دون أى تطبيق أو تفصيل، وطلبت التأمل فيها لحين نشر المتن والشرح اليوم،
وهأنذا أعيدها – بعد تعديل طفيف – مع التذكرة بأن القصيدة إنما تقوم بتعرية المستويات الثلاثة الأولى، وإلى درجة أقل المستوى الرابع، وهى:
المستوى الأول: الجذب النداء والانجذاب الذاهل.
المستوى الثانى: اللذة المشتركة بعض الوقت.
المستوى الثالث: اللعب الحر معا – أحيانا.
المستوى الرابع: تبادل الاعتمادية
هذه المستويات الثلاثة + واحد، هى التى تعرضها هذه القصيدة بوجه خاص، وللأسف فإنها تقوم بتعرية هذه المستويات بقسوة بالغة (كما جاء فى شرح المتن فى نشرها السابق منذ عامين بتاريخ 8 أكتوبر 2007 “مَنْ” يحب “مَنْ”…؟”)
وهذا ما نبهنى إلى احتمال الرسالة السلبية التى قد تصل من هذا المتن، حتى لو قمنا بشرحه هكذا دون حذر كاف.
الخوف كل الخوف هو من أن نتوقف عند هذه التعرية وكأننا نرفض هذه المستويات ابتداء ودائما، وهذا ضد الطبيعة البشرية الحالية،
وقد ساءلت نفسى عن مدى واقعية المستويات التالية، خاصة أننى وجدت أن المتن الشعرى فى كل الديوان قد تناولها بأقل القليل، فوجدت أنها مستويات تبدو نظرية أو مستحيلة.
الشعر شعر، ونحن لا نستطيع أن نقيم وصاية عليه حين يتوقف عند مرحلة التعرية ليدفعنا نحن لمحاولة تحقيق المستويات التالية مهما بدت مستحيلة ، وعلى الإنسان العصرى أن يعيش شرف محنة قصوره عن معايشتها بما تستحق، بما يلزمه بمواصلة السعى
إن الصعوبة حتى الاستحالة البادية ابتداء ليست مبررا لإنكار الحقائق، ولا للتوقف عن السعى لتحقيق الآمال الواقعية، ومن هنا جاء العنوان “الشغل فى المستحيل”
وفيما يلى ما تراءى لى من مستويات لاحقة، (نشرت أيضا الأسبوع السابق) وذلك مع إضافة قدر محدود جدا من التوضيح هكذا :
المستوى الخامس: انتشار الفرحة تواصلا إلى محيط من البشر أوسع فأوسع.
(وهذا يحتاج إلى تعرّف على مانعنيه بالفرح والفرحة حالة كونهما وسادة المشاركة معا)
المستوى السادس: جدل النمو .
( فننتبه إلى أن الجدل الذى يستحيل التحدث عنه دون اختزاله أو تشويهه ، هو حقيقة ما نمارسه فعلا دون تسمية، “لنكون فنصير”، رضينا أم لم نرضَ)
المستوى السابع: إعادة الولادة.
(وهذا ما يجعل تقييمنا للتواصل البشرى بما يتبقى منه،وليس فقط بما يتحقق به مؤقتا)
المستوى الثامن: الامتداد إليهم حمْدًا.
(فنجد أنفسنا فى دائرة الوعى الجمعى، وهو شرط لا بد من توفره يكون القاسم المشترك الأعظم الذى يبرر تحققنا أفرادا بشريين)
المستوى التاسع: الألم الخلاّق كدْحا إليه.
(ثم تمتد بنا العلاقة إلى مستويات أعلى فأعلى من الوعى المشتمل، فنجد أنفسنا نعزف اللحن الأرحب مع الطبيعة المنفتحة إلى الوعى الكونى المفتوح النهاية إلى وجه الحق تعالى).
المستوى العاشر: إعادة دورة جدل الايقاع الحيوى فى نبضة جديدة على مستوى أعلى، وهكذا.
(غنى عن البيان أن هذا التصعيد ليس خطا مستقيما أو درجة بعد درجة، بقدر ما هو دورات معادة تتقدم مع كل دورة إلى ما تيسر من إمكانية تجعل المستحيل ممكنا مع استمرار الدورات حسب كفاءة الإيقاع الحيوى المفتوح النهاية)
رجعة إلى العنوان الحالى أقول:
الشغل فى المستحيل
بعد الرجوع إلى مادة “شغل” فى المعجم الوسيط اطمأننت إلى استعمالها لوصف ما خطر ببالى وأنا أتناول القضية تلو الأخرى بوصف الاستحالة، ثم أصر على أن نقتحم الاستحالة لنقلبها إمكانية، هو ما أصفه أحيانا بـ “إمكانية المستحيل” وهو شرف الكفاح لنكون بشرا،
هذه هى قضيتنا الممتدة بـ الشغل فى المستحيل لنجعله ممكنا-
نحن نتعامل مع:
عدل مستحيل (تخنقه، وفى نفس الوقت تحقق ما تيسر منه: قوانين مكتوبة خانقة مختنقة، مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليه)
حرية مستحيلة ( تزيفها وتطمسها ديمقراطية عاجزة أو زائفة مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليها)
حب مستحيل ( يزيحه ويحل محله المستويات “الثلاثة الأولى + واحد”، مع أنها خطوة اضطرارية على الطريق إليه)
الحركة، الشغل، الكدح
أما لماذا استعملت كلمة الشغل، فهذا ما قد يحتاج منى إلى شرح أخير يقول:
لم تعد القيمة المجردة تهمنى، بقدر ما أريد التأكيد على العملية الجارية فيها وبها وحولها
- لا يوجد شىء اسمه “حرية”، وإنما يوجد سعى دائم لزيادة جرعة ما تيسر من الحرية
- لا يوجد شىء اسمه “الإنسان”، وإنما يوجد تطور مفتوح النهاية نحو ما يمكن أن يكون إنسانا
- لا يوجد شىء اسمه “العدل” ، وإنما توجد معادلة متحركة لتحقيق أكبر قدر ما التوازن بين وحدات الوجود المتكافلة لتعود على الجميع بما يحافظ عليها وينميها معا
- بل إن الحق تبارك وتعالى لا نؤمن به إلى حالة كوننا نتعرف عليه بتحريك” الكدح” إليه
وعلى هذا القياس
- لا يوجد شىء اسمه الحب، وإنما يوجد شغل طول الوقت لتحقيق تصعيد جدلى خلاق بين أفراد البشر وجماعاتهم لتتلاحق مستويات التواصل فيما بينهم ما أمكن ذلك، إلى إمكانية المستحيل.
يا ترى سهلتها أكثر؟ أم صعبتها لدرجة الاستحالة؟
وهل أمامنا سبيل آخر إلا أن نجعل المستحيل ممكنا؟
وبعد
آسف أن أكتفى بهذه المقدمة الضرورية،
وأعتذر بأن أعيد نشر المتن دون شرح (يمكن لمن يريد بعض الشرح أن يعود إلى نشرة 8 أكتوبر 2007 “مَنْ” يحب “مَنْ”…؟”)
مع دعوة لحوح أن يشاركنا القارئ الصديق الصعوبة قبل أن نقدم على التعرية القاسية (للمستويات الأولى على الأكثر) لما هو التواصل البشرى البدئى
ولعل فى نشر المتن هكذا حرا طليقا، ما يعتذر لهذه المقدمة الشائكة التى استغرقت نشرة بأكملها بهدف تخفيف قسوة التعرية ، فإذا بها أشد قسوة (أم ماذا؟ )
هل يستطيع هذا المتن خالصا أن ينسينا كل ما سبق فى هذه المقدمة
يا ليت
*****
المتن
وعيون مكـْحُـولة مْـنَـدِّيــة.
تِسْحِـَر وتشِدْْ.
منديلْها على وش الميّة
مِـستنّى تمـدْ:
إيدك، تسحبْـها تروحْ فيـها،
ولا مينْ شـَافْْ حـدْ.
(1)
ماتكونشى يا واد الندّاهة؟
حركات الجنّية اياها؟
أنا خايف مـِاللـِّى مانـِيشْ عارْفُهْ.
أنا شايفْ إِللِّى مانيش شايفُــهْ.
وتلاحِـظْْ خوفى تْـطَـمّنى.
وتقولّى كلام، قال إيه يعنى :
ماتبصّش جوّهْ بـزْيادة،
خلّــيك عالقَــدْ.
شوف حركة عودى الميـّادَة،
شوف لــون الخدْ
(2)
وأحس بهمْس اللى معاها،
أنــوِى أقرَّبْْ.
وأشوف التانية جُــوَّاهَـا،
أحلى وأطيبْ.
والخوف يغالبنى من ايـّاهـَا،
لأْ. مش حَـاهـْربْ.
والطفلة تشاور وتعـافرْ،
بتقـّرب، ولاّ بـْتـِتاَّخـِرْ؟
وانْ مدّيت إيدى ناحيتها، بتخاف وتكِـشْ.
والتانية تنط تخلــّـيها: تـهـْرَبْ فى العـِشْ.
دى غيامةْ كــِدب وتغطــيّة، ومؤامرة غِشْ.
(3)
وماصـدّقشى،
ولا اسلّمشِى،
أنا واثق إنها ما مَـتِـتْـشٍى
أنا سامع همس الماسْكِـتْشِـى
مش حاجى، لو هيّه ما جَاتْـشِى.
(4)
- جرى إيه يا أخينا؟ عَـلى فـِينْ ؟
حَاتْـصـَحّى النايـِمْ؟ بـِـضمانْ إيه”؟
جَـرَى إيهْْْ؟
مش عاجـْبـَك رسمى لـِحـَواجـْبى، ولاََ لُـونْ الُّروجْ؟
مش عاجبك تذكرةِِ الترسو، ولا حتى اللوجْ؟
ما كَفاكْشى زِواق البابْ؟
هيّه وكالة من غيرْ بّوابْ؟
أنا مش ناقصة التقليبهْ دِيّــةْ،
ولا فيش جوّايا “الْـمِشْ هيّةْْ”،
ولاَ فيه بنّـوتــة بـْمَـرايلْهـَا،
ولا فيه عيّـل ماسك ديلهاَ،
(5)
إوعى تخطّى، أبْعـَدْ مِـنّى، حاتْلاقى الهِـِوْْْ.
البيت دا ما لوهْـشى اصْـحـَاِبْ.
دُولْ سـَافروُا قَـبـْلِ ما يـِيـِجـُوا.
من يوم ما بنينا السدْ:
السد الجوّانى التانِى.
وانْ كان مش عاجبكْ، سدّى البرّانـِى.
تبقى فقست اللعبة،
ومانيـِشْ لاعبةْ.
(6)
دوّر على واحدة تكون هبْلهْ،
بتْسوُرَقْ مِنْ حَصْوِة نِبْلهْ.
تديلك قلْب الخسّاية!!
ومالكشِى دعوة بْجُوّايَا
…..
يا ما كان نفـِسى،
بس ياروحْ قلبى “ما يُحْكمشِى”.