اليوم السابع
12-5-2014
الشعار والبرنامج
الشِّعارُ هو رسم أو علامة أو عبارة مختصرة يتيَسَّر تذكُّرها وترديدها، تتميَّز بها دولة أو جماعة، وهو يرمز إلى شيء ويدلّ عليه ـ وهو أيضا عبارة يتعارف بها القومُ في الحرب أو السفَر، كما أنه يدل على الانتساب إلى هذه الجماعة أو تلك.
يا ترى ما معنى ظهور شعارات جديدة فى وقت معين؟ وما هو العمر الافتراضى لأى شعار جديداً؟ ومتى ينتهى مفعوله؟ وما هى احتمالات المضاعفات الناتجة من سوء استعماله، أو استعماله بعد أن انتهاء مدة صلاحيته؟
تظهر الشعارات الجديدة حين تكون هناك حاجة إلى الاختصار والسرعة للتجمع أو للتعرف، أهم الشعارات وأعمها هو عـَلـَم دولة من الدول مثلا، وقد يكون اللون وحده شعارا مثل الفانلة الحمراء للنادى الأهلى، أو مثل اللون الأسود فى بعض طقوس الشيعة، كما قد تكون بعض الشعارات أشبه بشفرة سرية يتعرف بها أفراد جماعات خاصة على بعضهم البعض، فيحق لمن ينتسب إليها أن يتمتع بميزات يعرفها ، لكنه لا يعرف غالبا ما يدفعه مقابل هذه الميزات طالما فى الأمر سر ، وينسى أغلبهم أن “الإثم ما حاك فى الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس”
المهم، ماذا عن شعارات هذه الأيام، فى المرحلة الجديدة، وهل آن الآوان لتحديثها أو تغييرها أو الاستغناء عنها بعد أن انتقلنا إلى مرحلة بناء دولة لها رئيس ودستور وقانون؟ دولة يقاس أداء رئيسها بقدرته على أن يكون العمل والقانون هما ركيزتا الدولة الجديدة التليدة فى آن، يكون فيها القانون هو المنظم الأول خاصة إذا استطاعت مواده أن تستوعب الشعارات المطروحة على الساحة؟
الانتخابات الرئاسية تسير فى اتجاه سليم نسبيا، ويغلب عليها الاحترام المتبادل بشكل أو بآخر، لكن من يتأمل فى الخلفية لابد وأن يلاحظ أن كثيرا مما يتردد فى الهتافات، وأحيانا على منصات الخطابة هو مزيج من الشعارات، والوعود المرسلة، والنوايا الحسنة.
لقد تراجع شعار “الإسلام هو الحل” ، ليس لأن الإسلام أثبت أنه ليس حلا، ولكن لأن أغلب الذين رفعوا هذا الشعار أحلوا الشعار المفرغ المصنوع: محل الإسلام الذى أنزله رب العالمين طريقا للإيمان كدحا إلى وجهه إبداعاً وتعميراً وعدلاً وحضارة.
على الناحية الأخرى، لم يتعلم الفريق المقابل من زيف النفخ فى الشعارات دون موقف نقدى للمضمون، ودون مراجعه للآثار المترتبة على هذه المبالغة فى النفخ والتكرار، فرفعوا شعارا مقابلا متصورين أنهم يصدّون الشعار بالشعار مثل صواريخ “سكود” وهى تقابل صواريخ “باتريوت” (والله زمان!!)، رفعوا شعاراً يقول هو الآخر: “الديمقراطية هى الحل”، (ومافيش حد أحسن من حد!!) وكما أهان الشعار الأول وهمّش حضور الله فى الوعى على كل مستوياته من نبض الخلية إلى “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ”، كذلك أهان شعار “الديمقراطية هى الحل” حضور الحرية الحقيقية فى الوعى الجمعى المسئول عن الإبداع والجدل والبقاء والتطور للجنس البشرى كله، إذ اقتصر هذا الشعار على النفخ أيضا فى قشرة الوعى الظاهر الملعوب فيه من معلومين ومجهولين.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الاسلام هو الحل (مثله مثل أى دين لم يتشوه) لكن بمجرد أن انقلبت هذه الحقيقة إلى شعار وليس إلى فعل وإبداع وحضارة اختفى الاسلام الحقيقى ولم يبق إلا هذا الهيكل المفرغ من محتواه، تماما كما اختفت “أم الخير” “رابعة العدوية” شهيده العشق الالهى وراء ما تلوث به الميدان المسمى باسمها، ولا يذكر أحد من الجانبين أنها هى التى حين سئلت: أتحبين الله تعالى؟ قالت: “نعم أحبه حقا”، ولما سئلت وهل تكرهين الشيطان؟ فقالت: “إن حبى لله قد منعنى من الاشتغال بكراهية الشيطان” اختفى الخير وأم الخير، كما اختفى معه العجز عن كره الشيطان نفسه، ليحل محله شعار مشبوه مفزع أو خادع مغرور: أصبح مجرد ضم الابهام، وفرد أصابع الأربعة بُعْبعًا للأبرياء والأطفال، أو فخرا بالقشور والاغتراب، أو حافزاً للانتقام والتنكيل.
وبعد
ما علاقة كل ذلك بانتخابات الرئاسة؟
وإنما أخشى ما أخشاه هو أن يمتد نفس القياس ليصبح البرنامج المعروض ليس إلا سلسلة مطوله من الشعارات، أكثر منه عقداً اجتماعياً ملزماً لأطرافه: الرئيس والناس، كل الناس الذى انتخبوه والذين انتخبوا منافسه.