نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 2-4-2014
السنة السابعة
العدد: 2406
الشباب يتكون منذ الطفولة(1)
حين يسألنى أحد أبنائى أو بناتى الإعلاميين ماذا حدث للشباب؟ ماذا حدث للشباب؟، وماذا تغير فى الشعب المصرى؟ يأتينى السؤال صادقا وهو يحمل كثيرا من الطيبة والحب والأمل والغفلة معا، ومع ذلك أعتذر مكررا عن أية إجابة جاهزة، أو جامعة، أو علمية أو مفيدة لأنى لا أملك أيا من ذلك، لا يرتاحون للاعتذار، وإن كانوا – والحق يقال – يتحملوننى، ثم إن شابة طيبة منهم أضافت بعد أن قلت رأيا بدا لها سلبيا، إذن ماذا نفعل لهم حتى يستعيدوا ما نأمل فيهم؟، فقلت كلاما عن كيف أن الشباب (والرجل والشيخ)، يتكون منذ الطفولة، وأن الحديث عن الشباب دون إشارة إلى ما فعلنا بهم منذ كانوا أطفالا لا يسمح لنا أن نلومهم، ولا أن نتوقع منهم غير ما هم: من تنقل ما بين المثالية الخيالية والغضب العشوائى، وأن الأخلاق والطباع لا تنتمى إلى ما يكتب على ظهر الكراريس الحكومية (إن كانت مازالت توزع ويكتب على غلافها شىء) أو حتى إلى ما يقوله خطيب المسجد يوم الجمعة أو واعظ الكنيسة يوم الأحد دون الإقلال من دور هذا وذاك، وأن الأخلاق والسمات (سيئة وحسنة) تُبنى بناءً فى المخ من واقع الممارسة منذ الولادة، وليس من المعقول أن أنتظر من صبى نشأ فى مجتمع ليس فيه مدارس بالمعنى التربوى، ولا مجتمعات لها قيم بناءة وحضارية وتنظيم أبوى محترم، أن أطلب من هذا الشاب الذى تربى ولم تصله إلا قشرة ظاهرية من الأوامر والنواهى، تحتها طبقة هلامية من التسيب والحرية الزائفة، ليس من المعقول أن أطلب من هؤلاء إذا ظهر من داخله أسوأ ما فيه، أو لاح فى شعاراته وأحلامه أجمل ما يفتقر إليه، أن أطلب منه أن يحد من بدائيتة بمجرد النصح والإرشاد، أو بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهو لا يمكن أن يعطى غير ما عنده ظاهرا وباطنا.
عينة لما أقول مما تفعله فى الأطفال تصلنى فى عيادتى من المرضى والأهل وهى عينة غير ممثلة، لكنها دالة أذكر منها ظاهرتين كعينة:
(1) ظاهرة الغش الجماعى منذ الطفولة (وخاصة بواسطة الأهل والمدرسين وخاصة فى الصعيد (المفروض أنه أحكم تقاليدا وأكثر التزاما)
(2) وظاهرة غياب المدْرَسَة، بمعنى انعدام المجتمع الدراسى، كنت – منذ ثلاثين سنة- دائما أقيس أية مدرسة إعدادية أو ثانوية حين أزورها مدعوا فى ندوة للطلبة والمدرسين، أقيسها بأنها “مدرسة” أو لا “مدرسة” بوجود فناء (حوش كبير) وفسحة طويلة (أكثر من ساعة) حتى لو أعقبتها حصة واحدة، لأنه فى هذه الساحة (الحوش) وأثناء تلك الفسحة (الطويلة) يتخلق الوعى الجمعى الذى هو النواة للوعى الوطنى، ومن هذا الوعى الوطنى إلى الناس إلى وجه الحق تعالى، الحادث: ومنذ سنين عددا أن المدارس لا تفتقد فقط إلى الفسحة والفناء ولكن أيضا إلى الفصول والمدرس، حيث لا غياب ولا حضور غالبا، حتى للمدرسين أنفسهم المشغولين إما بالمراكز (القطاع الخاص) أو بالدروس الخصوصية (القطاع الأخص للقادرين) حتى أننى اقترحت ساخراً ذات مرة أن تعطى الحكومة كل أسرة مبلغاً من المال بمثابة “بدل نقدى” حتى تتصرف كل أسرة براحتها فى تعليم أولادها وبناتها احتراما للأمر الواقع.
ماذا نتوقع من هؤلاء الشباب وقد نشأوا فى هذا المحيط الفارغ المفرغ من القيم والانتماء والأسرة والمدرسة؟
إن من يريد أن يبنى جيلا جديداً، فى وطن جديد، عليه أن يبدأ من البداية، وأن يتذكر أن النتائج لن تظهر له ولنا إلا بعد سنوات،
فانتبهوا أيها الرؤساء القادمون أثابكم الله.
[1] — تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ: 6-2-201412