نشرت فى الدستور
16-4-2008
تعتعة
السياسة ولغة الشارع: “.. فى الهرْْدَبِيزْ” (3 من 3)
الوعى الشعبى غير التراث الشعبى
التراث الشعبى هو الذى أشرنا إلى بعضه فى التعتعين السابقتين (يومية العتاب على الشعب 2-3)، (يومية السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبى 1-3)، وهو ما يظهر فى مثل قديم، أو موال ليس له مؤلف، أما الوعى الشعبى: فهو حركية وعى عموم الناس “هنا والآن”، تلك الحركية المسئولة عن إفراز تلك اللغة الجديدة الغريبة التى تنطلق فى طلقات رمزية، أو سخرية حكيمة، أو حتى أغنية هابطة (ولا مؤاخذة)، تنطلق بإيجاز مفيق، وبدلا من الإنصات ومحاولة الفهم، نفاجأ بأن كل من لا يعرف هذه اللغة يتخذ منها موقف الحكم، والشجب، والتعالى، وخاصة المثقفون، والوعاظ، وأهل السلطة، وكبار السن، وكافة من عين نفسه وصيا على حركية وعى الناس فى الشارع خاصة، وعلى وعى الشباب أكثر.
ما شأن هذا بالسياسة، والحكومة التى تمارس السياسة فى غير أوقات العمل الرسمية، وهى لا تعرف أصلا شيئا اسمه “الوعى الشعبى”. “وعى” يعنى ماذا؟ و”شعبى”؟، عيب كذا.
إسأل مسئولا عن كلمة “وعى” ماذا تعنى عنده وستجده يشير غالبا إلى أنه: عليك أن “تأخذ بالك” مما يمكن أن يجرى لك إذا خطر لك أن الأمور هى كما هى، لأن الأمور هى كما تراها الحكومة وتبلغك عنها أولا بأول، وليست “كما هى”، فإنْ لم تأخذ بالك بهذه الطريقة، فإن معنى ذلك أنك لست “واعيا” بما قد يضر صحتك السياسية والأمنية.
أما فى مؤسسة ما يسمى الحزب الوطنى (كمثال: وهى مؤسسة للمصالح الخاصة، ولا تهدف للربح العام أى للاشتغال بالسياسة) فإنهم لا يهتمون بتفسير كلمة “وعى” أيضا، ويركزون على تعريف من هو “الواعى”، تحديدا، فالواعى فى هذه المؤسسة هو الذى يعرف طريقه، ويحذق اتصالاته، ليتمكن من الفوز بترشيحه فى المجلس المحلى، أو المحل المجلسى، تمهيدا لاحتمالات ترقيته للجلوس على نَـفَس الشعب فى مجلسه.
كلمة الشعب، بالنسبة لأغلب حكامنا المجتهدين هى كلمة أوضح وأكثر تحديدا: “الشعب” هو صاحب المجلس الذى يسمى “مجلس الشعب”، وهو المجلس المكلف بإلغاء دور الشعب، فيما يهم الشعب.
هل هناك ما هو أوضح من ذلك ؟
وهل هناك أدعى للشباب (والناس “البيئة”) أن يخترعوا لغتهم الخاصة الجديدة؟
تنشأ هذه اللغة – كما نشأت الحكم والأمثال قديما- مصادفة، أو إثر حادث غريب مشهور مثير (لأمرٍ ماَ جَدَعَ قصيرٌ أنفَه !!) أو مقتطعة من مقطع أغنية، أو من مشهد فى فيلم، فيكررها البعض فى مواقف دالة، ثم يتداولونها، ثم تنفصل عن أصلها، ثم تصير لغة لها دلالاتها.
من هنا جاءتنى فكرة أن أعرض على أهل الحل والربط أن نتعلم السياسة معا ونحن ننصت إلى بعض مغزى هذه اللغة التى تترجم حركية “الوعى الشعبى” هنا والآن، بدلا من التعالى عليها ورفضها ابتداء.
وفيما يلى قراءة “سياسية” لبعض أبجدية هذه اللغة:
- كبّر…. (اختصارا لتعبير “كبّر دماغك، وأشياء أخرى):
كلمة واحدة، فعل أمر: “كبّر…”، نتعلم منها أن الناس قد فاض بهم، وأنهم انسلخوا عن الحكومة وما تفعل وما تزعم، كلمة تنصحك أن تكبر دماغك أو جمجمتك، وتوفر وقتك للبحث عن الحلول الذاتية، المشروعة وغير المشروعة.
فَهْمُ دلالة هذه الكلمة تفصيلا يعتمد على الموقف الذى تستعمل فيه: خذ مثلا الموقف الأخير لانتخابات المجالس المحلية، ألا تفسر هذه الكلمة “كبّر…” العزوف عن المشاركة فى الانتخابات؟ وأن الناس قد تبادلوا هذه الطلقة “كبّـر…”، وانصرفوا لمصالحهم بعيدا عن هذه الصغائر التمثيلية المعادة؟ . ألا يصلح ذلك تفسيرا سياسيا لهذا الموقف أفضل من اتهام الشعب باللامبالة، وعدم الانتماء والسلبية…. إلخ
- إنسَ..
فعل أمر آخر، منتهى الإيجاز، يعنى – سياسيا – ألا تأخذ كلام بيانات الحكومة أو أرقامها مأخذ الجد، حتى لا تصاب بالإحباط السياسى والبله التفاؤلى.
- هات مالآخر
هو تعبير مفيد أيضا لو ترجم سياسيا، فهو يلخص موقف الناس من كل ما يصلهم من كلام عن الخطط الخمسية والعشرية، والخمس وعشرينية، وعن ارتفاع الدخل القومى، ومعدل نصيب الفرد من كذا وكيت، هو تعبير يطلب تحديد كيف يمكن للشخص العادى أن يترجم كل هذا: فى البيت، وأمام المخبز، ومصاريف الدروس الخصوصية، والمواصلات، هاتى من الآخر يا حكومة، وقولى لنا: إذن ماذا؟
- وأخيرا يمكن أن نستمع للشارع وهو يلخص الموقف السياسى كله بأن:
الحكومة “…. جابت جاز“
كدت أسمع أحدهم يقول لخطيب رسمى جدا مهم جدا :
“ما تفرشهاش سيراميك”
فيرد عليه جاره المستمع لنفس الخطاب :
فوّت فوّت، ما هو كله:
“فى الهردبيز“
وهل يحتاج ذلك إلى شرح سياسى أكثر