الأهرام : 17-10-1985
الذراع…والحزام!!
(1)
تمتد الذراع الأفعى إلى حيث لم أحتسب، تتسحب المياه الراكدة فوق المجرَى المختبئ فى ثنايا الستر، تلصقنى اليد الأخرى على قفاى، يتـنخم صوت خشن دون توقف حتى أتبين أنها قهقهة تصدر من أمعاء مخمور لم يتقيأ، يبصق على وجه ابنتى النائمة فى حجرى قائلا:
كله بثمنه.. والذى عاجبه.
(2)
الممثل الأكبر يدهن شعره المصبوغ بشحم نتن، يتحدث عن العدل القاتل والرد الملغوم، وصدور تشريع أحدث لتقنين النذالة والوغدنة الموجهة، تحت أسماء حركية تحتفظ بشفرتها فى ملفات مجلس الأمن السرية التى لا تفتح إلا بعد انقراض الإنسان بمائة وخمسين سنة ضوئية.
أى والله.
أو كما قال.
(3)
أتقيأ شـِعـْرى، تتناثر أوزان قصائده حجارة من سجيل تلطم وعيى، أفتح درج مكتبى لأبحث عن نتائج آخر بحث علمى لم أفسر بعدُ نتائجه، أرقامه مرصوصة فى جداول معقدة، يشغلوننا ـ طول الوقت ـ بهذا العبث الدائر حول مسائل لا تهمنا، ولن تهمنا، جزئيات الجزئيات، أعثر مصادفة على عقد زواجى فأخفيه بعيدا خشية تمزيقه، ألعن ميثاق حقوق الطفل، والوصايا العشر، وإعلانات العمرة السياحية.
(4)
أخجل من مجرد التفكير هكذا، لا أجرؤ أن أتطلع فى وجه حفيدى، يستدير نائما ـ يخفى وجهه فى رحم وسادة صغيرة، ليست نظيفة، ألعن الانتخابات والصحف وأبراج المساكن والمدن السياحية وأسعار الدولار وأطمس إحساسى عمداً إذْ أخشى أن يتسرب صوت آذان، أو أريج وردة، أو ضوء فجر، عبرمسام غافلة لم تطمس بعد.
ما عاد يجوز.. ما عاد يجوز..
(5)
فرضُ كفاية؟ لا يا شيخ !!
أظن كفاية كل هذا، حتى بعض هذا هو يكفى وزيادة،
بل فرض عين لا يسقط أبداً.
لا يسـقطه أن تحارب كل الأجنة فى بطون أمهاتها.
لا يسـقطه أن يتبدل الناس غير الناس.
العار يصبح عارا أبشع إذا عبثت به عتمة الذاكرة أو مؤتمرات القمة أو أقوال الصحف أو إعلانات القرى السياحية الجديدة.
(6)
سوف أقبل الدعوة، هذا هو رقم تليفون قريبى الذى كان يعمل بالمخابرات، يكرههم أكثر من كراهيته لذئب مسعور يجرى جائعا فى روضة أطفال، سوف يدلنى على نوع المتفجرات وطريقة التشغيل، لابد أن تكون الزيارة “العلمية” الثالثة أو الرابعة حتى يطمئنوا، زملائى حسنو النية مهدوا الطريق، هذا هو التطبيع الذى أريده، الأسس النفسية للتفاوض الدولى (!!). ليكن بحثا علميا يحتاج إلى مقابلة الصقور والحمائم مجتمعين، سيكولوجية العلاقات الحازمة الإثنية، (فسّرها أنت على مزاجك، كله محصّل بعضه) “كاهـْلشا رونميريزين.. دهلَكْ”، ماذا أعنى بذلك؟ وكيف تنطقها؟ أنت مالك أنت يا بارد؟ لماذا هذه بالذات التى تريد أن تفهمها، كل لغاتهم هكذا، هذه الكلمات أوضح من لغة المفاوضات البنّاءة والمثمرة، دائمة مثمرة وبناءة.
الحزام رقيق السمك تماما، والمواد بلاستيكية جديدة لا تستطيع أن تكشفها آلات الفحص حتى الحديثة منها.
التحكم من خلال قلم حبر جاف
أثناء النقاش شبه العلمى المختبئ فى ثنايا التطبيع، أتَفَجَّرُ بى ـ فيهم.. معلنا وصيتى فى مؤتمر غير صحفي.
(7)
أنتقل عبر الحاجز غير المرئى، أخترق نفقا طويلا ناعما وكأنى أسبح دون حراك، أخرج منه فتتولد لى أجنحة من مادة سحرية، أشعر أنى أخف وزناً وأن الطيران اللولبى الصاعد سوف يدوم.
(8)
هذا الثقل الذى يدب فى أطراف أصابع القدمين، يتسحب إلى الساقيْن فالجذع، يجذبنى إلى أدنى فأدنى، أهبط ـ غير مصدق ـ فى رعب ساحق، لماذا؟. ألم أفعل ما ينبغي؟. ألا يكفى هذا تكفيراً عن قعودى وتعقلي؟. لم أفتح مظلة الهبوط، لا أنا أمتلك واحدة، ولا أنا أريدها.
أحاول أن أفيق مرتين بلا جدوى.
لا أعرف السباحة والبركة آسنة بلا قاع، على الرغم مما بدا لى من أننى سوف أتحطّم فورا فوق “أسفلت” القار المسلّح.
أغوص مختنقا ببيطء بسبب زئبقية القوام لمنقوع العار والمرارة.
(9)
لم تكتب سناء المحيدلى قصة،
لم تقرض شعراً،
ولا خطبت خطبة عالية الصوت بما يشبه البحث العلمى فى مؤتمر عالمى يتجشأ أرقاماً جوفاء وهو يستمني.
(10)
لا أجد عذراً أنتحله.
لا أستطيع النظر فى وجوه أحفادي.
عنيناَ يتوارى خجلاً من استمراره حياً.