الاهرام: 3/5/2004
الخاص والعام فى السياسه والحب
كل من تصدى للكتابه العامه عليه ان يتابع الجارى مهما تالم وبالرغم من ذلك فانا لم استطع ان اصحح خطئى فى التوقف عن متابعه الاحداث الحيه على الشاشه اولا باول اعرف اسبابى لكنها ليست كافيه.
بدلا من تخدير مرضاى بالعقاقير طول الوقت احاول ان اعلمهم وانا اعلم نفسى كيف نتجرع جرعه الالم الضرورى للاحتفاظ بما يجعلنا مشاركين لا متفرجين.
لكن من ذا الذى يستطيع ان يضبط الجرعه قبل ان يسحقه الالم ان توالى عرض جثث الاطفال المحترقه والبيوت المهدمه والزراعات المجرفه بهذا التلاحق قد يجعلنا نعتادها فهربت.. ولم ينجح الهرب ذلك اننى تصورت ان علاقتى الجديده بالانترنت سوف تتيح لى فرصا اكبر للانتقاء لكن ابدا، خذ مثلا ما طالعنى يوم(28 ابريل) قبيل الفجر يافتاح ياعليم: فى موقع الاذاعه البريطانيه: تقبع بقايا جثث عشرين الف رجل وامراه من الافارقه تحت شوارع نيويورك، يصف بعض ذلك بليكي( الاثرى الافرو/ امريكي) كانت ذراعى كل جثه متشابكه الواحده فوق الاخرى وكانت هناك امراه مدفون معها وليدها.. الخ، وفى الاهرام فى نفس اليوم كتب احمد عبدالمعطى حجازى الوضع المثالى الذى يحلم به الاسرائيليون اذن هو الوضع الامريكى الذى استطاع فيه المستعمرون الاوروبيون ان يبيدوا اهل البلاد الاصليين ويحلوا محلهم ماديا ومعنويا.. فى نفس اليوم وفى الاهرام ايضا نشر الدكتور ماتثياس راش اعلانا مدفوع الاجر يصرخ فيه ان تجنبوا حربا عالميه ثالثه الان ثم راح ينبهنا كيف ان صناعات روكفلر النفطيه والدوائيه( وامثالها) هى التى تقف وراء قرارات موسسه بوش تشينى الاجراميه، وبالرغم من رفضى لصوره الدكتور راش وهو يضع سبابته فوق ذقنه وبرغم تساولى عن مصدر تمويله هو الاخر! فقد ارتبطت الاخبار الثلاثه بعضها ببعض حاله كونى طبيبا امارس ما تفعله شركات الدواء يوميا ليس بالمرضى فقط وانما بامخاخ العلماء والاطباء لمجرد جمع المليارات، كيف استطيع ان افصل ما اراه فى عيادتى يوميا من اثار جشع مثل هذه الشركات عن صوره جثه تلك الام مع طفلها تحت مدينه نيويورك عن حرمان الرضيع الفلسطينى منذ اسابيع من امه التى صعدت شهيده باختيارها وهى تحاول ان تحافظ على ماتبقى من كرامتنا ( ربما بلا طائل!) ثم كيف استطيع ان افصل كل ذلك عن علاقتى بقرشى واولادى والرفاهه التى اعيشها يوميا؟ هل اكتفى بالمشاركه فى صالونات الكلام التى تتناول هذه الاحداث وهى تتبادل النكات على الحكام او الصعايده؟ هل اكتفى بكتابه مثل هذا المقال وكانى فعلت كل الممكن؟
اتصور ان نوعا ما افعله ونفعله فعلا( لا ما نقوله او نكتبه او نامل فيه) خلال كل ساعه، كل اربع وعشرين ساعه ثم اربع وعشرين ساعه بلا نهايه هو الرد السياسى مهما تاخرت نتيجته فردا فردا، فجماعه جماعه، فشعبا شعبا فكل الناس. الناس لا تنهزم ابدا الا اذا انقرض النوع البشري.
الاشتغال بالسياسه ليس اختيارا بل هو قدر حياه الانسان المعاصر ان كان يريد ان يعيش بشرا سويا.
بدت لى يوما ان التوصيه بعدم اشتغال طلبه الجامعه بالسياسه للتفرغ لدراستهم هى توصيه بتاجيل حياتهم.
كيف يمكن الا نشتغل بالسياسه ولو لاشعوريا وهى تشتغل بنا( او تلعب بنا) او على وشك ان تبيدنا طول الوقت.
ان الفصل بين الخاص والعام هو مهرب ينتقص من نوعيه وجودنا الانسانى اصلا، يصدق ذلك فى السياسه مثلما يصدق فى الحب، فعل الحب خاص تماما لكن ان لم تسهم هذه الخصوصيه فى زياده قدرتى على حب بقيه الناس فهو جوع يروى موقتا بماء سد الحاجه ودمتم. كذلك ادعاء حب كل الناس ان لم يتجسد فى حب خاص جدا فهو زعم مثالى اجوف.