نبذة: لا يمكن للانسان أن يعيش دون حلم، الحلم هو امتداد الواقع فى المستقبل، وعدم تحقيقه يحافظ عليه ويبرر و بدء دوام السعى إليه هذا هو الدواء الوحيد ضد اليأس، وفى نفس الوقت تم تنبيه حتمى الا يحل محل الواقع مهما بدء وواعدا مفيدا.
الاهرام: 15-7-2002
الحق فى الحلم
ثمة حقوق للإنسان منسية، أو مهمشة، أو غامضة، غير الحقوق المعلنة والمكتوبة والموثقة. ما أقصده هنا بالحلم ليس حلم النوم، ولا حلم اليقظة. أثبتت الأبحاث الحديثة أن أهمية ظاهرة الحلم (ربع ساعات النوم= عشرون دقيقة كل تسعين دقيقة) ليست فى محتواه، ولا فى تفسيره، ولا فى رموزه ولا فى تأويله (سواء تم ذلك بالتحليل النفسي، أم معجم بن سيرين، أم تنبؤات خالتى جليلة). إن أهمية ظاهرة الحلم أثناء النوم هي’أنه يحدث’. وهو يقوم بوظيفته التنظيمية، سواء حكيناه أم لم نحكه، تذكرناه أم لا. إنه صمام الأمن ضد الجنون. وكما أن من لا يحلم يجن، فإن من لا يتمسك بحقه فى الحلم يتنازل عن مستقبله.
أما أحلام اليقظة، كما شاعت عند العامة وبعض النفسيين، فهى تعنى إطلاق سراح الخيال ليرسم ويحقق ما لم يستطع صاحبه تحقيقه فى الواقع. إنها استراحة نفسية مقبولة فى حدود. لكن الحق فى الحلم هو عكس أحلام اليقظة، لأنه واقع أوقع من الواقع.
الذى أقصده تحديدا هو أن الإنسان، كل إنسان، بما امتحن به من وعى وحرية ومسئولية، يعيش تخطيطا مبرمجا لمستقبله، ومستقبل قومه، ومستقبل نوعه. إن ما نفعله فى الحاضر الراهن، ونحن نواجه تحديات وصعوبات الواقع، هو أننا نبدأ بتغيير الواقع ربما بدرجة غير مرصودة، إذن فنحن نصنع المستقبل بما نفعله الآن، رضينا أم لم نرض، وعينا أم لم نع.
حين يصل إلى درايتنا الواعية هذا الربط بين تحديات الواقع وبين الأمل المرجو من نتاج هذه الحركة يمكن الحديث عما أسميته ‘الحق فى الحلم ‘ موضوع هذا المقال. يتجلى ذلك أحيانا فى الإبداع على المستوى الفردي، أو فى مشروع قومى على المستوى الجماعي، أو فى مظاهر موجات من التقشف النفسى والإتقان الأدائى على المستوى الحضاري. هذا الحق فى الحلم هو من أهم حقوق الإنسان وواجباته معا. إن الإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا تمسك بحقوقه الطبيعية وهو يعمل شخصيا على تحقيقها، وهو يظل أهلا لها طالما هو يدافع عنها، ويظل فخورا بامتلاكه إياها من خلال الإصرار عليها، حتى لو لم تتحق فى مدى عمره.
لا أحد يستطيع أن يحرم إنسانا من التمسك بحقوقه إلا أن يتنازل هو عنها. قد يحرم منها، وقد يحال دونها الآن. لكنها تظل حقوقا قابلة للتحقيق أبدا.
منذ أكثر من عقدين، كان ثم مسلسلا يعرض فى التليفزيون، بطله عادل إمام، ( كان عادل أروع قبل أن يصير ملكا!) أظن أن اسمه كان ‘أحلام الفتى الطائر’، ما زلت أذكر لقطة فيه وعادل يحدث عمر الحريرى عن أن غاية أمانيه، قبل أن يموت، هى أن يكون ‘محترما’. هذا الموقف الأساسي، نحن ننساه بشكل عفوي. إن حق عادل إمام فى أن يحتفظ بهذا الحلم، حتى وهو اللص الشريف الطيب المطارد، هو بعض ما أعنيه بهذا المصطلح هنا ‘الحق فى الحلم’
أحاول أن أستلهم عنوان مقال د. أنور عبد الملك – الأهرام 9 يوليو 2002، وهو يتحدث عن ‘المشروع طريق المستقبل’، لأقرب هذا الحق للأذهان. إن ‘المشروع/الحلم’ يمكن أن يتجلى على مستويات متصاعدة من المستوى الفردي، إلى المستوى الاجتماعي، ثم المستوى القومي، ليصب فى المستوى الحضارى الإنساني، ثم قد يمتد إلى المستوى الإيمانى الكوني، لمن واصل السعى كدحا إليه بحقه عليه.
أهم ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن الفشل فى تحقيق الحق، أى حق، هو ليس مبررا لإنكاره أو انتزاعه من صاحبه عقابا مضاعفا له، وكأنه لا يكفيه الإحباط الناشئ عن الفشل، بل إننا نكمل عليه أو هو يكمل على نفسه بالتنازل عن حقه.هنا: ‘حقه فى الحلم’.
إن المصيبة التى حلت بالإنسانية نتيجة تفسخ الاتحاد السوفيتى ليست استفراد الغول الأمريكى بالناس دون رادع، وإنما أن الناس تصوروا أنهم لم يعد لهم الحق أن يحلموا بالاشتراكية كرمز للعدل .
إن فشل ثورة يوليو، وإفشالها، لا ينبغى أن يكون مبررا أن يتنازل العرب عن حلم القومية العربية. إن الناس التفوا حول عبد الناصر لأنه جسد الحلم، وليس لأنه أنجزه. إنه أحيا فيهم الوعى بحقهم هذا.
إن الجريمة التى تمارسها الولايات المتحدة الآن بسوء استعمال الفيتو، وبتعيين نفسها ولى أمر العالم، تعين حكامه، وتخلعهم، و بالديمقراطية!!!، هى تشويه للديمقراطية وإفشال لها حتى يكاد الناس أن يتنازلوا عن حقهم فى المشاركة فى اتخاذ قرارهم، فاختيار مصيرهم. أى فى حلم الديمقراطية .
وبعد
ليفشل من يفشل، ولنحبط المرة تلو المرة، لكن يظل ‘الحق فى الحلم’ هو من أهم حقوق الإنسان.
الحق فى الحلم لا يحل الحلم محل الواقع. إن التمسك به هو ما يسمح للحلم أن يقتحم الواقع، ليكونـه.