نشرت فى الدستور
28/12/1997
الحضارة الغربية..وأنا
– غلب “غلابي”: لا أنا قادر أن أقدسها كما يقدسون، ولا أنا ناجح أن أعريها كما ينبغى .
– أسير فى شوارع القاهرة الساعة 3 صباحا بسيارة أو بدون سيارة، فأفرح وأنا مطمئن. لا يخطر على بالى أى رعب من الذى يخطر عليه وأنا أنزل بعد المغرب مباشرة فى شوارع نيويورك أو لوس أنجلوس.
هل هذا يعنى أننا أرقى رغم حادث الأقصر؟ نعم.
– أشرب الشاى فى الخمسينه مع أبو عيد جالسين على الحصيرة، فأبتسم، ويبتسم، نتبادل الدعاء دون حرف، ولا يجرى بيننا كلام سابق التجهيز، وعلى المقهى فى باريس يزغر لى أحدهم لأنى أطلت النظر فى عينيه، دون قصد، والمصحف دون قصد
= أجرى فى طريق سقارة الساعة السادسة صباحا، فأقابل العربجى إبن البلد وهو يتمايل مع حماره وعربته فى لحن واحدى لا يميز بين الثلاثة، فيتصور أننى خواجة أهبل من الذين يسابقون أنفسهم كل صباح، لكننى حين أقترب منه ويتأكد من سحنتى الفلاحى، أحييه بلا تردد أن “صباح الخير” فيرد أنه “نهارنا قشطة”، وحين يقابلنى فى اليوم التالى أكون قد تعلمت تحيته، فأبادره:”نهارنا قشطة” فيرد أنه “بالصلا عالنبي”. أما فى المصعد هناك، ولم يكن به إلا أنا والخواجة المهذب المجلجل الذى لا عيب فيه، وقدتورطت إذ تجرأت أن أقول له هامسا مترددا خوفا من أن يـسمعنى :”صباح الخير (جود مورننج)، فيرد على بإيماءة دمثة من رأسه وينسانى متعجبا منى أو خائفا أو على الأقل مندهشا، وأمام حاجز استقبال الفندق، كاد كتفانا يلتصقان، لكنه كان أبعد من المريخ
يبدو أن الفروق ليست فقط فى حقوق الإنسان (المكتوبة !!)، ولا فى الانتخابات (الحرة !!!)، ولا فى التقدم العلمى، ولا فى مظلة التأمينات، ولا فى نظافة الشوارع، ولا فى تنسيق الزهور، ولا فى مخلفات كلاب الزينة النادرة فى أرض شوارعهم اللامعة، ولا فى المافيا الظاهرة والخفية.
ليست المسألة فى كل هذا، إذن المسألة فى ماذا؟
لست أدرى تحديدا، لكننى متأكد أن هناك شيئا أعمق يستأهل النظر، وقد تناوله الأدب أكثر من السياسة ومن العلم المقارن من أول عصفور من الشرق حتى حب فى المنفى مارين بقنديل أم هاشم، موازين موسم الهجرة إلى الشمال، وكلام من هذا.
أرفض أن أكون أحد أفراد جضارتهم هذه “هكذا” دون شروط، لا أرفض تماما بل لا أستطيع، لا أعرف كيف أعيش وأنا لا أعرف إسم جارى الذى يسكن قبالتى منذ خمس سنين، ليس فى مقدورى أن أحسب كل خطوة نحو زميل أو صديق بحسابات المكسب والخسارة، لا أستطيع أن أمشى وفى جيبى حاسب إلكترونى حديث يبرمج لى يومى، لا أستطيع أن أرى مريضا يحتاجنى فأخاف من التدخل فى حريته حرصا على عدم مساءلتى قانونا وليس حرصاعلى مصلحته، لا أفهم الحرية التى يروجون لها وهى لاتتعدى ظاهر السلوك ومساحة الحركة وحق الكلام والانتخاب بالمرة، رغم أن كل هذا مهم جدا جدا جدا، والنعمة مهم جدا
ثم أكتشف أننى أمارس كل ما أرفضه وما أدعى أننى غير قادر عليه، وعلى الرغم من ذلك فما زلت على يقين من أن ثمة اختلافا عميقا فى أمرين على الأقل(1) نوع وجود الانسان وهدفه و (2) طبيعة إيقاع الحياة
أحسب أننى – أننا – ننتمى إلى وجود ممتد، ليس بالجينات فى أولادنا فحسب بل هو وجود ممتد للفرد فى حياته المحدودة (الممتدة)، وأن هدفنا الأول هو أن نؤكد هذا الامتداد ونحن نؤمن بالله وبالغيب، فعلا يوميا، فيصبح إيقاع الحياة عندي-عندنا-ذا أبعاد متسعة مكثفة لها طعم مشترك وليست طولية كمية فقط
ألا يجدر بنا أن نحافظ على هذا الاختلاف ونحن نحاول أن نقبلهم؟ كيف؟ لست أدرى؟
أليست تعتعة؟؟؟