نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 3-6-2017
السنة العاشرة
العدد: 3563
الجذور والأصول لفكر الإيقاعحيوى التطورى (1)
مقدمة:
حين استأذنت منكم أن أعطى المزيد من الوقت لإخراج أعمالى للنشر فى صورتها الورقية لم أكن أحسب أنها بهذا الحجم، ولا أنها بهذه القيمة، وقد بدأت بكتاب “عندما يتعرى الإنسان” وتم بحمد الله إصداره ورقيا واستلمت نسخه أمس، وحين فوجئت بما كتبته فيه منذ نصف قرن، وعلاقته بما أنا فيه الآن خاصة بالنسبة للفكر الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، رحت اقتطف منه ما أسميته “إرهاصات” هذا الفكر، لأبين كيف أنه قديم قدم محاولتى التعرف على ناسى، ومهنتى، وثقافتنا الخاصة، وطريقى إليه، وقد استقبل الأصدقاء القلائل هذه المقتطفات المحدودة بترحاب معقول، مثلما كان هذا العمل الباكر قد لقى نفس القبول منذ صدوره ، فهذه هى الطبعة الرابعة. أتاحت لى هذه الفرصة أن أخفف من غلوائى وأنا أعتبر هذا العمل عملا متواضعا مليئا بالمباشرة، والمثالية، وأحيانا الخطابة، فقد وجدت فيه فعلا إرهاصات واضحة لما وصلتُ إليه الآن تحت مسمى هذا الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، واستغرق نشر تلك المقتطفات الأسابيع الثلاث الماضية، وحلت محل الاستمرار لإكمال أطروحة “الفصام” (مغارة الضياع ووعود الإبداع)، ثم إنى حين هممت أن اقتطف منه للأسبوع الرابع، وجدتنى أكرر نفس “التيمة أو “النص المعاد”: السكريبت ٍscript: “نجاح => اغتراب => صدمة => إفاقة => مراجعة => ألم (معاناة/إعاقة/ مرض) => استشارة => كسر لليأس => أمل => تلويح بإفاقة” (ثم من جديد: نجاح => اغتراب ……الخ الخ).
فقلت هذا يكفى، وتوقفت.
ثم إنى وجدتنى وفيت بوعدى لنفسى ( ولكم) وأجهزتُ كتابين آخرين دخلا أمس المطبعة فعلا، وهما كتاب “تداعيات يحيى الرخاوي”، وكتاب “رباعيات ورباعيات”، الأول به جرعة ليست قليلة من الخبرة الذاتية فى محاولة الكشف عن بعض طبيعة العملية الإبداعية كما عايشتها وأعايشها، والثانى كتاب نقد مقارن لرباعيات صلاح جاهين، مع رباعيات عمر الخيام، ورباعيات نجيب سرور، وتأكد لى أثناء المراجعة للطبع أن هذا مستوى آخر من أعمالى يمكن أن أقدم من خلاله بعض ما يتعلق بنفس الفكر: الطب النفسى الإيقاعحيوى، وتأكدت من حقى فى التحفظ على أن يمثل كتابى الأسبق “عندما يتعرى الإنسان” فكرى االحالى، وقد وجدت فى الكتاب الثانى (رباعيات ورباعيات) ما يؤكد الطبيعة الإيقاعحيوية التى هى محور هذ الفكر من مصدر أعتبره من أهم مصادر معرفتى بالنفس البشرية ، وهو الإبداع والنقد الأدبى عامة، وما يسمح به من استلهام، كما وجدت بالكتاب الأول كشفا ذاتيا عن عمق تداعيات عمليات الإبداع بشكل أو بآخر.
وبعد
بعد هذه المقدمة التى طالت ربما أكثر مما ينبغى أستأذنكم أن أواصل تخصيص أكثر وقتى لإنجاز ما وعدت به بالنسبة لأعمالى فيما يتعلق بالنشر الورقى، وهذا يتطلب أن نكتفى فى النشرات اليومية بالاقتطاف من أعمال سابقة متعلقة، مع إضافات محدودة إذا لزم الأمر، أما بالنسبة لكتاب “عندما يتعرى الإنسان” فيكفى ما ظهر منه حتى لا نتمادى فى الإعادة، ولننتقل أولا بأول إلى مصدر آخر يمثل أيضا الجذور والأصول ولتكن البداية من كتاب “رباعيات ورباعيات”، فبالرغم من أنه نقد أدبى صرف، إلا أننى آمل أن يكون فى تقديمه وعرض مقتطفات منه ما يحقق ولو بعض ما يلى:
1- التأكيد على المبدأ الذى ابتدعتُهُ فى النقد الأدبى باسم”التفسير الأدبى للنفس”
2- إظهار ضرورة النهل من كل مصادر المعرفة للتعرف على النفس البشرية، ومن ثَمَّ إمكان توجيهها إلى ما خُلِقَتْ به، أو إرجاعها إلى ما خُلِقَتْ له، إن كانت قد تورطت أو انحرفت عن ذلك.
3- عينة من منهج آخر، غير المنهج السلطوى السائد، العلم المؤسسى، للتعرف على الظاهرة البشرية
4- ضرورة احترامنا أنه لا سبيل للإبداع أو الإضافة التى هى من حقنا إسهاما فى العطاء المعرفى والدفع الحضارى إلا إذا عدنا للتعرف من جديد على هذه الثروة الكامنة والظاهرة فى لغاتنا: الفصحى والعامية على حد سواء.
5- إمكان استلهام الإبداع الأدبى على مستوى أشمل لتوسيع وعى الممارس للعلاج خاصة: حتى يقوم بمهمته من خلال تنشيط الوعى البينشخصى والوعى الجمعى، دعما وإبداعا ومشاركة، إلى الوعى الأكثر اتساعا وامتدادا وهذا هو جوهر العلاج كما تعلمون وكما سيأتى.
وبعد/أخرى:
دعتنى هذه الوقفة أن أعود لمحاولة تحديد مصادرى التى أوصلتنى إلى هذا الفكر، فعجزت عن الإلمام بها طبعا، ثم فضلت أن أثبت ما خطر لى كرؤوس مواضيع لستُ ملزما أن أعرج إلى تفصيلها حالا، وإليكم بعض تلك المصادر:
أولا: أننى أعيش فى طبيعة دورية (إيقاعحيوية: الليل والنهار، والشروق والغروب، والهلال والقمر، والفصول الأربعة) طول الوقت.
ثانيا: أننى “أنام” و”أصحو” و”أحلم”، و”لا أحلم”، (دون أن أضطر إلى تشوية ذلك بأن أحكى ما يصلنى من أحلامى أو أن أفسرها).
ثالثا: أننى أصلى (وأصوم) مواكبا لدورات الشمس والقمر توجّها لخالقهما، وخالقى.
رابعا: أننى فلاح نشأتُ أعرف وأواكب مواسم الزرع والحصاد ودورات ترعة المياه المرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بدورات فيضان النيل العظيم، ويبدو أن كل ذلك ما زال بداخلى.
خامسا: أن مرضاى الأهم (وكلهم لهم نفس الأهمية) يمرضون فى دورات، اللهم إلا إذا تأخرت بهم الحال وتكلّسوا، أو إذا غطسوا فاحتموا بعباءة ما يسمى مؤخرا “فرط العادية” أو أى اضطراب نمطى آخر للشخصية.
سادسا: أننى قد رصدت دوراتى الشخصية ، وإن كان ذلك عادة بأثر رجعى، وفى مجال الإبداع خاصة دون أن تحتد بى والحمد لله، لكننى أعتقد أننى احتويتها وأحتويها، وأنها كانت وما زالت وراء تدفق إنتاجى كما تجلى فى كتابى الثانى الذى دخل المطبعة أمس أيضا “تداعيات يحيى الرخاوى” كما ذكرت حالا.
سابعا: أننى بقدر ما أستطيع: أنتمى إلى ما هو “هنا والآن”، وخاصة فى العلاج الجمعى فأنا أعيش هذا الذى هو “هنا والآن” بشكل يربط البداية بالمصير، من أول نبض التطور إليه معظم الوقت، بأقل قدر من الاغتراب عن اللحظة الراهنة.
ثامنا: أننى لا أفلت أيا مما يقع لى، مما يصلنى أو أصل إليه، فيما يتعلق بالتطور وآلياته ومراحله ودوراته وبرامجه – بفضل الله- ،وغيره مما يوازيه أو يؤكده فيضيف أو يعدل كل ما سبق أولا بأول.
تاسعا: أننى نجحت أن أواكب مستويات المخ البشرى فى مهنتى علاجا وتدريسا وتعرفت على ما أمكننى منها وذلك من منطلق ما يسمى النيوروبيولوجى، متجاوزا ما يسمى التحليل النفسى وكذلك التنظير السلوكى، دون إلغاءِ أىٍّ، إلى أن اطمأننت إلى ما واصلنى عن المخ البشرى من قدرته على إعادة بناء نفسه طول الوقت، بانتظام إيقاعى رائع
عاشرا: أننى أمعنت، وأمعن النظر فيما وفيمن حولى، بدءا بسباحة عصافير الصباح قبيل الشروق فى دوائر ورحلات بقائية رائعة مجهولة البداية والنهاية، إلى دورات نشاط ومزاج كل من حولى وخاصة من عائلتى وتاريخها.
وأساسا (وأخيرا، يعنى: أولاً)
توقفت طويلا مترددا أن أبين أهم هذه المصادر، وهو ما كان ينبغى أن يتصدر القائمة ، خشية أن يفهم عنى أننى أقدم نوعا – من “التفسير العلمى للقرآن”، وقد كررت مرارا أننى ضد ذلك جملة وتفصيلا، فعلاقتى بكتابى الكريم هذا أكبر واقدس من أن تنزل به إلى هذا المستوى، مهما برق واستعلى ما يسمى العلم الحديث، فوصلنى الحق الذى لا يحتاج دليلا من غيره (كما علّمنا مولانا النفرى)، وقد سبق أن صرّحتُ أو ألمحتُ، كيف يصلنى هذا الكتاب الكريم “وَعْياً خالصاً” ، أكبر من الشرح والمعاجم والتفسير، ولهذا حرصت – ما أمكن ذلك – أن أتجنب حتى الاستشهاد المباشر ببعض أياته المضيئة، خوفا من الاختزال وسوء التلقى، مع أن الاستشهاد ليس تفسيرا، بل هو استلهام يحرِّك طبقات مقابلة من الوعى: على طريق الكدح بعيدا عن وصاية المعاجم، وعن فوقية سلطة مؤسسية تسمِّى نفسها العلم.
ومع كل هذه المحاذير، فقد وجدت أنه لا يجوز أن أتجنب التصريح عن فضل ودور هذا المصدر الأول والأهم،
وأكتفى الآن – حذِرًا – أن أوصى القارئ – كل قارئ وليس بالضرورة من دينى – أن يتلو بهدوء وبصوت عال قوله تعالى:
“… ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ“
وأيضا:
“يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ”
شكرا وله الحمد
أما سائر الآيات التى فضلت ألا أثبتها فسوف أكتفي بالإشارة إلى سورها وأرقامها لمن شاء أن يرجع إليها، أو قد أنشرها فيما بعد إذا طُلِبتْ منى وكان ذلك ممكنا ومفيدا برغم كل المحاذير السابقة.
(آية 5 سورة الفرقان)، (آية 42 سورة الاحزاب)، (آية 9 سورة الفتح)، (آية 25 سورة الإنسان)، (آية 205 سورة الأعراف)، (آية 15 سورة الرعد)، (آية 36 سورة النور)، (آية 11 سورة مريم)، (آية 62 سورة مريم)، (آية 41 سورة أل عمران، (آية 55 سورة غافر)، (آية 96 سورة الأنعام)، (آية 54 سورة الأعراف)، (آية 2 الرعد)، (آية 12 سورة النحل)، (آية 17 سورة الكهف)، ( آية 130 سورة طه)، (آية 33 سورة الأنبياء)، (آية 45 سورة الفرقان)، (آية 29 سورة لقمان)، (آية 13 سورة فاطر)، (آية 38 سورة يس)، (آية 40 سورة يس)، (آية 5 سورة الزمر)، (آية 39 سورة ق)، (آية 5 سورة الرحمن)، (آية 9 سورة القيامة)، (آية 1 سورة التكوير)، (آية 1 سورة التكوير)، (آية 1 ، 2 ، 3 سورة الشمس)، (آية 29 سورة النازعات)، (آية 46 سورة النازعات)، (آية 18 الروم)، (آية 39 سورة يس)، (آية 9 سورة القيامة)، (آية 18 سورة الانشقاق)، (آية 27 سورة أل عمران)، (آية 12 سورة الأسراء)، (آية 61 سورة الحج)، (آية 80 سورة المؤمنون)، (آية 44 سورة النور)، (آية 62 سورة الفرقان)، (آية 86 سورة النمل)، (آية 71 سورة القصص)، (آية 33 سورة سبأ) (آية 37 سورة يس)، (آية 138 سورة الصافات)، (آية 61 سورة غافر)، (آية 5 سورة الجاثية)، (آية 20 سورة المزمل)، ( آية 33 سورة المدثر)، (آية 26 سورة الإنسان)، (آية 10 سورة النبأ)، (آية 4 سورة الفجر)، (آية 4 سورة الشمس)، (آية 1 سورة الليل)، (آية 2 سورة الضحى)، (آية 8 سورة المرسلات)، (آية 2 سورة التكوير)، (آية 190 سورة أل عمران)، ( آية 60 سورة الأنعام، (آية 6 سورة يونس)، (آية 67 سورة يونس) (آية 114 سورة هود)، (آية 47 سورة الفرقان) (آية 73 سورة القصص)، (آية 23 سورة الروم)، (آية 13 سورة فاطر)، (آية 10، 11 سورة النبأ).
وكل عام وأنتم والناس بخير، مهما كان ويكون.
وبعد
ثم نعود غدا إلى ما وعدنا، وهو:
مقتطفات من كتاب “رباعيات .. رباعيات”، وقد كتب من عدة عقود أيضا، وذلك كعينة من النقد الأدبى، الداعم لفكر الإيقاعحيوى وهو بعض ما ألهمنى ما وصلت إليه.