نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 25-6-2013
السنة السادسة
العدد: 2125
الثلاثاء الحرّ:
من “تمرد” إلى “تجرد” وبالعكس!
صحيفة المشهد:
1) كيف ترى الأوضاع السياسية الراهنة؟
د. يحيى:
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال فى سطور، إن ما وصلنا إليه هو نكسة تطورية وحضارية، و كأننا نبدأ فى التعرف على معنى “المجتمع الإنسانى” انطلاقا من نكسة إلى ما دون حياة الإنسان البدائى الذى لا يعرف من أسلوب التواصل إلا آلية “الكر والفر” بمعنى : أن كل ما ليس “أنا” هو عدو مهدد، وأنا أتصور أن هذه الردّة هى إلى ما قبل مجتمع القبيلة البدائية حتى، فالقبائل التى خرج منها المجتمع البشرى الحديث كانت لها أعرافها وقوانينها وكان لها شيخ قبيلة مسؤول، ونظام هيراركى محترم، وأهداف جماعية، وكانت كل قبيلة تتحاور أو تتقاتل مع القبائل الأخرى بأعراف متفق عليها، أما ما وصلنا إليه – للأسف – فهو يكاد يكون أكثر بدائية من كل هذا، لكن يظل الشعب المصرى الحقيقى هو الشعب المصرى الحقيقى ينتظر وينتصر فى النهاية.
2) ما تحليلك الشخصى لحملتى “تمرد” و “تجرد” الجديدتان على مسمع المواطن المصرى خلال الفترة الماضية؟
د. يحيى:
أنا لا أستعمل كلمة “تحليل” حتى لا يــُظن أنه تحليل نفسى، وإنما أنا “أقرأ” ما أمامى مثل أى مواطن، وأنا لم أعد أرحب بهذه الشعارات المتلاحقة، والأسماء الحركية اللامعة التى نطلقها على الأيام والجمع والتجمعات والحملات، وأشعر أنها مجرد تكرار كالصدى يبعدنا عن أى إبداع نحن فى أمس الحاجة إليه، قلت أكثر من مرة إن الثورة هى إبداع جماعى، والإبداع ليس فيه تكرار أصلا، وأى مبدع يكرر نفسه لا يستحق صفة الإبداع، هذا التكرار فى حد ذاته هو إعلان عن فقر الإبداع الجماعى، ومن ثم البعد عن معنى الثورة الحقيقى.
أما وقع الكلمتين على مسمع المواطن المصرى فهو ليس واحدا، فالذى يحمل مسؤولية بلده سوف يقيس الكلمة بما تحمل من معانى التغبير الحقيقى النابع من موقف وطنى وجودى شامل، أما الذى يستعجل لتحقيق تغيير لا يدرك أبعاد ما بعده ولا يحمل مسؤولية ما يترتب عليه ، فقد يفرح وهو يدور حول نفسه يردد هذا الشعار أو ذاك، فلا ينتبه إلى الأيدى التى تحركه، ولا إلى المصير الذى ينتظره.
3) وكيف ترى الفرق بين الحركتين؟ وما تأثيرهم على الشارع المصرى؟
د. يحيى:
أنا لا أعرف أية تفاصيل تسمح لى بالحكم على أى منهما، لكن ما يصل لى شخصيا هو أن كلا من الحركتين تضمان مجموعة غير متجانسة، هذا اللاتجانس أكثر حضورا فى حركة “تمرد” عنه فى حركة “تجرد”، وبالنسبة لحركة تمرد يصلنى أن بعضهم يعرف ما هو “مصر” من بعيد بشكل عاطفى، والآخر لا يعرف إلا ذكريات الإبداع الجماعى الأول (25 يناير) الذى أجهض فعلا، فهو يحاول أن يعتنى بحمل لم يعد موجودا وكأنه يحاول أن يحيى المسخ المجهض، ناسيا أن تعويض الإجهاض لا يكون بالنفخ فى كتلة الدم المتخثر، وإنما فى حمل جديد فى ظروف صحية أكثر تلاؤما ، يمكن من خلالها أن يتلافى أسباب الإجهاض السابق، ولكن الجارى هو اللعب فى كتلة الدم المجهضه لإحيائها كيانا لم يعد يصلح.
أما حركة تجرد فإنها فى النهاية سوف لا تضم إلا مجموعة من المتحمسين الذين لا ينتمون إلى مصر أساسا، صحيح أنهم أكثر تجانسا لكنه تجانس زائف بعيدا عن مصر، وعن الحضارة، وعن التطور، وعن ربنا، تجانس لهدف آخر، ومكاسب أخرى، وتميز آخر، فهم يركزون على تسويق بضاعة لا تحمل إلا التخدير ووعود لا يملكون مقومات تحقيقها لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، فالذين يجتمعون حول هذا الشعار لم يتأملوا حتى كلمة “تجرد” ، فهل هو تجرد لوجه الله، أم تجرد عن الطمع فى الدنيا، أم تجرد عن النزعات الشخصية، أم تجرد عن التجارة بأثمن القيم لأدنى المكاسب؟
4) ما تأثير الحركتين على نفسية الفرد فى الشارع “المواطن البسيط والمثقف” ؟
د. يحيى:
يتوقف التأثير على النتائج طبعا، أنا أعتبر نفسى ممثلا للمواطن البسيط وليس المثقف، ولا أظن أن طاقم الحكام الحالى سوف يتغير بمثل هذه التجمعات والتظاهرات وتكرار النص (السكريبت)، وحتى لو تغير بهذه الطريقة فسوف يترسخ فى الوعى العام أن هذا هو أسلوب تغيير الحكام بعد نجاحه مرتين متتالين، وتنقلب المسألة من حوار مستويات الوعى العام تكافلا لصالح البلد، إلى صراع الانفعالات تهيجيا لصالح إسرائيل والقوى المالية المفترسة (أمريكا والشركات المعولمة) التى تحصد المكاسب دون نقطة دم ، أو ببعض الدولارات لبعض الغافلين.
أما تأثيرها على المثقفين بمعنى المعقلنين ذوى الياقات المرتفعة البيضاء، فغالبا لا يثير ما يجرى حولهم إلا مزيدا من النقاش وألعاب الشطرنج السياسى من الوضع جالسا (ليس بالضرورة على الكنبة).
5) بعد انتهاء 30 يونيو ما هو تأثيرهم؟ هل سيكون هناك اختلاف بين الحركتين أم أن آثارهما ستتلاشى بعد 30 يونيو؟
د. يحيى:
هذا يتوقف – مرة أخرى على النتائج – فقد تكون النتائج بركا من الدماء، وقد تكون خرابا اقتصاديا لا صلاح له وقد تكون تراجعا جزئيا من السلطة عن بعض الأخطاء والتورطات، وقد تكون حكما عسكريا يذكرنا بحركة 1952 وليس فقط بحكم المجلس العسكرى بعد مبارك، ويتوقف موقف كل من الحركتين على أى من هذه النتائج هى التى ستتجلى بعد انحسار موجه الحماس والألم والصراع والإحباط، وعموما فإنى أرى أن مصر سوف تخرج فى جميع الأحوال بخسارة أعاننا الله على تعويضها بأسرع ما يمكن.
أما مآل أى من الحركتين تحديدا فهذا سوف يتوقف على مآل فض التجانس الهش الجارى، ربما مثل مآل من يسمون “الثوار” بعد 25 يناير، أو حتى مثل مآل حركة “كفاية”، وهى مآلات لا ينقصها حسن النية، لكنها تفتقر إلى الحنكة السياسية والنفس الطويل،لتخليق وعى جماعى مسؤول قادر على التغيير بالطرق المشروعة.