نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 2-9-2014
السنة الثامنة
العدد: 2559
الثلاثاء الحرّ:
حديث لدار الهلال (غالبا):
لماذا لا يتوقف الحديث عن تغير المصريين “سلق بيض”؟ (قوام! قوام)
1- فى رأيكم ما هى أهم التغيرات النفسية والإجتماعية التى طرأت على المجتمع المصرى وبخاصة فى العشر سنوات الأخيرة بين طبقة الفقراء والمهمشين والطبقة الوسطى؟
د. يحيى:
بصراحة: كثرت التساؤلات عن التغيرات، كما كثرت الإجابات والفتاوى ردا على هذه التساؤلات، وفى رأيى أنه قد آن الأوان لمراجعة كل ذلك، سواء من الناحية العلمية، أو السياسية أو الاجتماعية : التغيرات عموما، فى الفرد أو فى المجتمع، وعبر تاريخ الحياة لا تحدث بين يوم وليلة، ولا فى سنوات، ولا حتى فى عشرات السنين، إن الذى يحدث هو تراكمات وتشكيلات تجرى عبر التاريخ، ثم يشاع عن شعب ما (أو فرد ما) أنه كذا وكيت، ثم يأتى حدث ما، خاصة لو كان جسيما، أو كارثيا، أو ثوريا، أو طفريا، فيكشف عن هذه التغيرات طبقة وراء طبقة، فنفاجأ بما لم نكن نعرف، وهات يا إعلان، وهات يا تفسير، وهات يا فتاوى (خاصة الفتاوى النفسية).
ثم إنه علينا أن ننظر إلى الجارى من منظار المسئولية أيضا، فالزمن هو الذى يغير البشر، وليست الكيمياء ولا الخطابة الإعلامية، وإن كان الإعلام هو عامل مؤثر جدا بسلبياته وإيجابياته، ولا حتى تغير الحكام والنظام يمكن أن يكون سببا مباشرا فى تغير الناس والمجتمع، يقول مثلنا العربى مستنكرا : ” ..وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟”، والإجابة بالنفى طبعا، لكن علينا أن نستطرد قائلين ” ولكن يصلح الدهر ما أفسد الدهر”، والدهر هنا لا يعنى الاستسلام السلبى للقضاء والقدر، وإنما يعنى احترام الزمن والعمل أثناءه على الإسهام فى إصلاح ما اكتشفنا فساده فينا، وأيضا على استثمار ما كشفت عنه الأحداث والآلام والخبرات من قدراتنا الكامنة ، فالمسألة ليست كلها إصلاح ما افسد الدهر، وإنما أيضا، وربما أساسا استثمار ما كشف لنا عنه الدهر من إمكانات وفرص وقدرات، وهذا ما أعنيه بالمسئولية.
أما تحديد التغيرات بين طبقة الفقراء والمهمشين والطبقة الوسطى فإن هذا يحتاج إلى فصل هذه الفئات عن بعضها البعض، فالذى حدث مختلف فى كل طبقة عن الأخرى: مثلا : قيل إن الطبقة الوسطى تضاءل حجمها ، وبالتالى تضاءل تأثيرها جدا ، بعد أن زادت الفجوة بين الأثرياء والفقراء، فاصبح لدينا من يعانون من تخمة المال وما يسمى خدر الرفاهية، ومن لا يجدون ما يقيمون به أودهم ليبقوا على قيد الحياة، ومهما قيل عن بعض الإنجازات الاقتصادية التى حققها اقتصادنا القومى فى الثلاثين سنة الماضية، وهذا صحيح بعضه، فإن هذه الإنجازات لم توظف لصالح الأفقر والاولى بالرعاية، لأن غباء الأثرياء حال دون بعد نظرهم، ودون دفع ما عليهم، ودون إرساء العدل الذى يحافظ على سلام المجتمع، أما التغيرات التى جاءت فى السؤال فقد شملت كل الطبقات وإن كانت مختلفة فى كل طبقة عن أخرى، فقد زاد أغلب الأثرياء جـُبـْناً وحرصاً مثلا، ومن ثـَمَّ قـَلَ انتماؤهم وتضاءل مع ذلك شعورهم بالواجب، وتوالت التخطيطات للهجرة إن لم يكن لهم فلأولادهم، فى حين تحرك الأمل عند الفقراء واختلط بالطمع وكذلك تحرك الحقد، كل ذلك معا، ولا مانع، فهذا هو الإنسان فالمسألة تحتاج تحديد وتفصيل دائما.
2- لماذا تغير مزاج الشخصية المصرية وفقدت أهم ملامحها من خفة الدم وروح المرح والدعابة؟
د. يحيى:
أنا شخصيا لم ألاحظ ذلك، والمتابع لما يسمى الفيس بوك، يجد أن خفة الدم – ربما من نوع جديد- انتشرت انتشارا جماعيا، وبعضها شديد الذكاء، وبعضها بالغ الإثارة، سواء كان ذلك فى تبادل مثيرات السخرية والنقد، أو فى ابتداع الكوميديا الساخرة التى يمارسها الهواة من كل حدب وصوب، فلم تعد تقتصر على من هم مثل محمود السعدنى أو صلاح جاهين، بل أصبح القادرون على السخرية مبدعون للفكاهة الناقدة من الدرجة الأولى، إن ما لاحظته، مما بلغنى- فأنا لست من رواد الفيس بوك- هو أنها سخرية قاسية جدا، وإن لم يصل أغلبها إلى الكوميديا السوداء، وإن كان بعضها قارب ذلك، كما تجلت فى بعض البرامج الإعلامية التى بدت لى كأنها مستوردة مدعمة بالتكنولوجيا، فى حين أن ما ألفته من الفكاهة المصرية الاصيلة هو خفة الدم، وتلقائية القفشات، وسرعة البديهة، وكل هذا ما زال موجودا –فى رأيى- برغم المرارة، وقد سمعت تعقيبا ظريفا يصف ذلك بأننا مازلنا “شعب ما حصلشى !!”
3- ما رأيكم فى مدى مسئولية تأثير المسلسلات على الشباب فى الجارى حاليا لهم ، ومنهم؟
د. يحيى:
أولا : أنا لا أشاهد المسلسلات منذ مدة طويلة
وثانيا: المسلسات – خاصة عندنا – غالبا ما ترصد الواقع ، وهى لا تشكل الوعى بشكل مباشر، وأعتقد أنها تركز على مدى ما تُحقق من نجاح من خلال قدرتها على جذب المشاهد وإبهاره وإثارته، أكثر من مسئوليتها على طرح أسئلة ، وتحفيز إعادة تشكيل الوعى، وهو الأمر الذى نحتاجه أكثر فأكثر ونحن نحمل مسئولية استغلال ما يمكن أن أسميه صدمة اكتشاف التغيّر (وليست حدوث التغيير)، إن المسلسل الناجح هو الذى يستطيع أن يحرك المشاهد ليفكر، ويتساءل، وينقد، ويبحث، ولا يظهر اثر ذلك فى المدى القريب، وإنما يحتاج وقتا ليسهم فى إمكانية تحويل التغير إلى ما هو إيجابى وإبداع حقييين. مما قد يساهم فى تكوين شعب جديد خليق بتاريخه المجيد.
4- وهل زيادة ظاهرة المخدرات دليل آخر على ما حدث من تغيرات سلبية؟
د. يحيى:
أولا : المخدرات منتشرة عبر العالم بدون ثورات ربيع أو خلل فى توزيع الثروة، وهى منتشرة بين الأثرياء والمحرومين على حد سواء، لكن اسبابها مختلفة فى كل ثقافة عن الأخرى، وليس عندى دليل إحصائى ثابت أنها زادت أو نقصت فى المدة الأخير، والأرجح عندى – من واقع ممارستى الخاصة – أن عدد من يلجئون إليها لم يتغير كثيرا مع أن المؤثرات اختلفت، فبعض الذين كانوا يهربون فى المخدرات من واقع اليأس من الجارى، ربما يكونون قد عزفوا عنها حين تحرك فيهم الأمل، لكن على الناحية الأخرى، بعض المستعجلين الذين كانوا يتوقعون سرعة تحقيق الأهداف كما كانت تلوح فى البداية، ثم تأخر هذا التحقيق أو حدث العكس، لجأوا إلى مزيد من تغييب الوعى والبعد عن الواقع، بالمخدرات الكيماوية، أو العقائدية، فليست المخدرات فقط هى ما يتعاطى الناس من كيماويات لتغيير الوعى، وإنما هى أيضا ما يشاع بين الناس لاستعمال المثاليات الدينية، والوعود الأخروية لأغراض سياسية، وكأن الذين يلعبون فى وعى البسطاء يحققون المقولة الزاعمة أن “الدين الجاهز المسطح هو مخدر للشعوب”
5- وهل العنف الذى تقدمه الدراما مسئول عن زيادة العنف فى المجتمع؟
د. يحيى:
الأرجح عندى أنه لا أحد يمارس العنف لمجرد أنه شاهد العنف فى مسلسل أو فيلم، فتقمص المجرم، هذا تصور ليس مطروحا كما يشاع، ثم إن التزام أغلب أهل الدراما بالتأكيد على أن “الجريمة لا تفيد”، ما زال جاريا، وإن كان أحيانا يُـتقدم بطريقة مسطحة وخطابية، ثم إن كثيرا ممن يرتكبون أعمال العنف البشعة فى المجتمع لا يشاهدون أغلب الدراما لأنهم يعتبرونها (مع الاغانى والموسيقى) حرام قطعا
6- هل هناك أمل، بعد كل ما حدث ؟
د. يحيى:
طبعا هناك أمل ونصف، أنا أكرر دائما مقولتى أننى لم أستطع أبدا أن أتمتع بـ: “رفاهية اليأس”، أنا أعتبر أن من يستسهل اليأس والسخط وإعلان اللاجدوى هو مساهم خطير لمزيد من اليأس والتقاعس، الأمل فرضٌ دينى وإيمانى وحياتى، لمن يرضى أن يستمر فى هذه الحياة، والتفاؤل ليس مجرد مشاهدة نصف الكوب الملىء، وإنما هو دعوة للمتفائل أن يكمل النصف الفارغ بما هو أفضل حتى مما امتلأ به النصف الملىء.