نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 5-2-2013
السنة السادسة
العدد: 1985
الثلاثاء الحرّ:
حديث الأهرام الجمعة : 1 فبراير 2013
أجرى الحوار أ.محمود القيعى، وقد تفضل بمقدمة طيبة عن شخصى، رأيت أن أحذفها خجلاً، مع جزيل الشكر.
1- برأى أستاذ الطب النفسى، من أين للمصريين كل هذه القسوة التي ملكت عليهم حياتهم وتصرفاتهم؟
د. يحيى:
بصراحة أنا منزعج من إطلاق مثل هذه الصفات على المصريين بهذه السهولة وهذه الوفرة، الشعب المصرى هو الشعب المصرى، لا يصح أن نصفه إلا بالطول وبالعرض، بالطول بأدائه الحضارى عبر التاريخ بما فى ذلك انتكاساته ومحنه، وبالعرض بألا نأخذ سلوكا معينا فى منطقة جغرافية معينة (ميدان أو مسجد أو حتى عاصمة بأكملها)، ثم نقول هؤلاء هم المصريون وقد أصبحوا كذا وكيت، نعم هذه المناظر من القسوة التى تلاحقنا بها وسائل الإعلام لم نعتد عليها من المصرى الأصيل، لكن لا ننسى أن الانطلاقة التى كسرت حاجز الخوف ورفعت كابوس القهر بعد كل هذه السنين كانت لابد أن تسمح لما تحتها بالانفجار، وبعض أشكال هذا الانفجار هو ما نسميه قسوة، لكنها أبدا لم تصبح سمة المصريين، ودعنى أضيف أنها لن تصبح أيضا سمة المصريين.
2- هل يمكن ان نعد القسوة من الامراض النفسية؟
د. يحيى:
لابد أن نفرق أولا بين القسوة والعنف والعدوان، العنف شكل من القسوة، أما العدوان فهو غريزة بقائية نشأت لتحفظ الحياة مثلها مثل: غريزة الجنس وقبلها، وأى تصرف فيه شدة وغلظة وإيذاء يمكن يوصف بأى من هذه الألفاظ الثلاثة بالتبادل مع عدم الدقة.
إذا خرج العدوان عن وظيفته الإيجابية وهى التفكيك تمهيدا للإبداع (نظريتى الخاصة) فإنه قد ينقلب إلى قسوة التى هى باختصار غلظة القلب وعدم رحمته، وحتى هذا لا ينبغى أن يعتبر مرضا نفسيا، وإنما سلوكا ضارا متجاوزا، يُفقد صاحبه جمال إنسانيته ويهدد حياة الآخرين أنفسهم أو حقوقهم بالضرر، أما أن نعتبره مرضا نفسيا فكأننا نلتمس له العذر.
3- وكيف ترى آثار القسوة في هدم المجتمعات؟
د. يحيى:
إذا ركزنا على غلظة القلب وغياب الرحمة فإنها تصبح هدما صريحا لإنسانية أى إنسان وأى مجتمع، وجرحا لحضارته إن كان متحضراً أو يزعم ذلك أو يسعى إلى ذلك، إن الحيوانات لا تمارس العدوان على أفراد من نفس نوعها، (إلا لأسباب بقائية محدودة مثل تنافس الذكور) لكنها تمارس العدوان على نوع آخر منافس كجزء من سيناريو البقاء، أما الإنسان للأسف فقد أصبحت القسوة على أخيه الإنسان تصل إلى درجة القتل وتعتبر سلوكا عاديا، أو دفاعيا وأصبحت القاعدة هى القتل جائز استباقا وبرصد النوايا من قبل أكبر الدول ادعاءً للحضارة أو المدنية.
4- ما علاج القسوة؟
د. يحيى:
أن نكون بشرا لا حجارة “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً”.
هذا مع العلم بأنه توجد قسوة إيجابية إذا استعملت فى محلها، لدرء الأذى أو منع الظلم مثلما قال “أبو تمام”:
فقَسا ليزدجروا، ومن يكُ حازماً *** فَلْيَقْسُ أحياناً على من يرحم
وقد تكون دفاعا عن النفس مثل قول: زهير بن أبى سلمى:
ومن لم يذد عن حوضـه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
5- كيف تنظر إلى مقولة سارتر ” الجحيم هم الآخرون”؟
د. يحيى:
إن عامة الناس قد يفهمون هذه المقولة خطأ، “فسارتر” بموقفه الاشتراكى ثم الوجودى لا يمكن أن يصور الآخر هذا التصوير القاسى بهذه البساطة، الإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا اتصف بالوعى ثم الوعى بالوعى حالة كونه فى علاقة بآخر، فمن غير المعقول أن سارتر يريد أن يحرمنا من إنسانيتنا، لكنه يشير إلى الصعوبة الهائلة التى يمكن أن نلتقى بها إذا أردنا أن نعمل علاقة حقيقية مع بعضنا البعض، العلاقة الحقيقية مع الآخر (الآخرين) تتطلب صبرا، وتحملا للغموض، وقبولا للتناقض، ومثابرة فى الحوار: وكل هذا منِهكٌ، ولعل هذا هو ما يعنيه سارتر بمقولته تلك، وإلا فإن ظاهر قوله يمكن أن يؤخذ على أن العزلة هى الحل أو أن الأنانية هى الحل وهذا غير وارد.
6- بعد ثورة يناير بنى المصريون آمالا عريضة في مجتمع أكثر إنسانية، ولكن تحطمت الآمال على الآمال.. كيف ترى آثار ذلك على الشخصية المصرية؟
د. يحيى:
كررت كثيرا، ولا مانع عندى أن أكرر من جديد، التحذير من الانسياق وراء فكرة احتمال التغير السريع فى الشخصية الإنسانية عموما، هذا غير وارد لا فى شخصية الأفراد ولا فى شخصية الشعوب، نحن عادة نعنى بكلمة تغير “نقلة نوعية” وليس مجرد إضافة “كمية” النقلة النوعية عبر تاريخ الحياة (التطور) أو تاريخ نمو الفرد (رحلة النمو) أو تاريخ حضارة الشعوب لا تحدث فى أيام أو شهور أو حتى سنين، إنها تُعلن فقط فى الوقت الذى يسمح لها “بالظهور” أى أنها تحتاج إلى تراكم خبرات، وتكثيف تجارب لمدة عشرات السنين حتى يصل هذا إلى الظهور سلوكا، هذه العملية، عملية التغير، لا تحدث بشكل داخلى تلقائى بعيدا عن الأحداث، وخاصة الأحداث الجسيمة، التى تهدد الفرد أو الجماعة بتحديات البقاء، مثل الحروب أو الكوارث أوالثورات، ينبغى أن نسمى هذه الأحداث “العوامل الكاشفة” وليست المسبّبة.
الشخصية المصرية لم تتغير وإنما ظهرت منها ابعاد أخرى ومستويات أخرى كانت كامنة أثناء عملية تكوين طول الوقت، حتى جاءت الأحداث الأخيرة فكشفت عن السلبى منها والإيجابى معا، وبالتناوب.
7- كما تكونوا يولى عليكم.. هل معنى ذلك أن المصريين استحقوا كل ما حدث لهم من ويلات؟
د. يحيى:
هذه مقولة جيدة خصوصا بعد شيوع ما يسمى الديمقراطية مؤخرا، فالناخب ينتخب أقرب من يشبهه برغم أن المفروض أنه ينتخب أقدر من يمثله، حتى الذين يستعملون الدين يستغلون هذه المقولة الغائرة داخل البشر، فكثير من المسلمين مثلا يختارون المرشح المسلم لمجرد أنه مسلم، ولا يوجد أبسط من هذا المثال لينطبق عليه هذا القول إذا ما شاع – للأسف – بين المسلمين أن ينتخبوا مسلما أساسا، ليس معنى ذلك أن الديمقراطية هى المسئولة عن سلبيات تطبيق هذه المقولة، لأن دراسة التاريخ تشير إلى صدق هذه المقولة حتى بدون ديمقراطية، وفى هذا تكليف ضمنى للناس لحمل مسئولية السكوت على حاكم ظالم، أو وضع اللوم عليه طول الوقت وكأنه المسئول دونهم.
أما كون المصريين استحقوا كل ما حدث لهم من ويلات فهذا ظلم صريح لهذا الشعب الطيب، لأن هذا الشعب صبور وحضارى وغير متشنج، وينطبق عليه مثل آخر مع التحوير ” اصبر على حاكمك السوّ يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخذه”، علما بأن المصيبة التى تلحق بالحكم السىء قد لا تشمل الشعب، إذْ قد تقتصر على ثورة تزيحه حين يصل الشعب إلى قرار أنه قد آن الآوان.
8- من يصنع الاستبداد في العالم العربي؟
د. يحيى:
الجمود فى تفسير التراث، وأخلاق القبيلة، وغياب الحرية، وصبر الناس حين يتجاوز حده، هذا بالإضافة إلى جوقة المنافقين والمداحين وشلل السوء المستفيدين من هذا الاستبداد.
9- الحرية عندنا أزمة حكم ام أزمة مجتمع؟
د. يحيى:
الحرية أزمة إنسانية فى المقام الأول، وكل من يستسهل استعمال هذه الكلمة يظلمها، ويظلم نفسه، الحرية هى الأمانة التى أبت الجبال والسماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان، إننى أتعجب من الذين يسوِّقون الكلمة، حتى لو كانت مستوردة ملتبسة وملفوفة بأوراق ومواثيق حقوق الإنسان المكتوبة، وأشبهه مستعيرا قول الأمام الشافعى “كحاطب ليل يحمل حطبه على ظهره وبداخله أفعى توشك أن تلدغه وهو لا يدرى”، وحين يسوّق الحرية مشبوهون مثل أوباما ونتانياهو أتحفظ أكثر ، علينا أن نتمسك بالحرية إلى أقصى مدى على شرط أن تكون الحرية هى الأمانة التى حمّلنا الله إياها، وهذا يساعدنا أن نكتشف كيف يسوّقها أناس غير أحرار لا يقيمون العدل ويكيلون بمكيالين وأكثر.
أما أنها أزمة حكم أم أزمة مجتمع فهى أزمة الاثنين خصوصا فى البلاد التى تخطو الخطوات الأولى على طريق ما يسمى بالديمقراطية، الحاكم يخاف على نفسه من فتح الباب على مصراعيه مع أنه أول المستفيدين لو أحسن الاستماع، والمجتمع- خاصة الذى طال قهره- قد لا يستطيع أن يضبط الجرعة اللازمة من الحرية، فتتفكك معالمه ويخف صوت الدولة ويتهدد نظامه.
10- الفقر والحرمان ماذا فعل بالمصريين؟
د. يحيى:
“لو كان الفقر رجلا لقتلته” هذا ما قاله سيدنا على رضى الله عنه. حين أنسى نفسى وأتكلم عن تأجيل المطالب الفئوية حتى تتوفر مصادر تمويلها، أنتبه أننى بعيد عن معنى الفقر الحقيقى، فأنا أعيش مرتاحا ولا أعرف معنى الحاجة التى دفعت هؤلاء الفقراء إلى تخريب دولتهم ومؤسساتهم حتى لو كانوا هم أول من سيدفعون الثمن، لكن ماذا تقول للفقر وقد أعماهم.
11- قلت إن دور الإعلام في تشويه المريض النفسي والعقلي والسخرية منه دور سلبي وصل إلى درجة الجريمة.. كيف؟
د. يحيى:
هذا صحيح، ولو أننى لا ألوم الإعلام وحده بل ألوم كثيرا من المؤلفين والسيناريست والمخرجين على تجاوزهم غير المحسوب ومشاركتهم فى هذا التشويه، ولقد كان التشويه قديما قاصرا على تصوير المريض النفسى فى صورة المهرج الراقص فى عشوائية وغير المسئول (اسماعيل يس فى مستشفى …، رحمه الله) لكن التشويه الآن هو تشويه جهل وتسطيح حين يركز المسلسل أو الفيلم على تصوير عقدة نفسية كما تصوروها، ثم يجعلها هى كل السبب فيما ينسج من أحداث هى بعيدة كل البعد عن آلام المريض النفسى وحكمته وثورته، ليس معنى هذا أننى أدافع عن المرض النفس حلاَّ لتعقيدات الحياة واغترابها، فالمرض النفسى فى النهاية هزيمة وليس ثورة، وهو إجهاض وليس تشكيلا إبداعيا، لكن على الإعلام والمجتمع والمبدعين أن ينتبهوا إلى عمق المأساة التى يعيشها المريض، إذ يصلهم كل هذا الألم الذى يمكن أن يتحول إلى بطولة وإبداع بالتناول المناسب .
12- تقول إنك مدين لمرضاك.. بم تدين لهم؟
د. يحيى:
طبعا مدين بلا حدود، فقد أتاحوا لى أن أعرف عن النفس البشرية وهى تتعرى ما كان من المستحيل أن أعرفه إلا بمشاركتى إياهم آلامهم وخبرتهم وغربتهم وعزلتهم، وقد تعلمت منهم معنى “الوعى الجمعى” خاصة فى العلاج الجمعى، وأخيرا وليس آخرا تعلمت منهم الطريق إلى ربى حين يصّاعد بنا الوعى الجمعى إلى الوعى الكونى إلى وجه الله الشافى المعافى ، دون أن نذكر أية ألفاظ دينية إلا أقل القليل، ولكننا نشعر – خصوصا فى العلاج الجمعى- بحضور ربنا معنا رأى العين تقريبا، فأنا أدين لهم بمعرفتى، وخبرتى، وطريق نموى، وكدح إيمانى.
13- كيف ترى دور الطب النفسي في تطور المجتمع؟
د. يحيى:
حين بدأت ممارسة هذه المهنة الرائعة منذ أكثر من نصف قرن تصورت أن أساسياتها يمكن أن تحل كل مشاكل المجتمع، وأن القياس بها قادر على أن يوضح الصورة بشكل يتجاوز حدود المهنة، لكن بعد مضى عشرات السنين تراجعت بحسم، وفهمت كيف أننا نحتاج إلى كل المهن والفنون والعلوم حتى نواصل مسيرتنا إلى المعرفة والحب طريقا إلى “ربى كما خلقتنى”.
14- كيف ترى واقع دراسات الطب النفسي في الجامعات المصرية؟
د. يحيى:
بصراحة أنا لا أعرف كثيرا عن الجامعات الأخرى، لكن الذى أعرفه هو قسم الطب النفسى فى كلية طب قصر العينى، أعرف أنه ليس أقل من أى قسم مقابل فى جامعات البلاد المتقدمة، وقد تقدمت فيه بوجه خاص أساليب التدريب الممنهج، والعمل الجماعى، وتنوعت العلاجات فهى لا تقتصر على العلاجات بالعقاقير فحسب بل تشمل أغلب العلاجات الحديثة برغم ضعف الموارد وتواضع الميزانية.
15- ” إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي” هل الأصل في النفس البشرية هو الشر فعلا؟
د. يحيى:
لا طبعا، الفطرة التى فطر الله الناسَ عليها هى مشروع أرقى كائن حيوى نعرفه ، فلا يمكن وصفها بأن الأصل فيها هو الشر، صحيح أن الشر جزء لا يتجزأ من تركيبها، لكن المشاركة فى التركيب شىء، وأن يكون من ضمن مكونات الفطرة التى علينا أن نزكيها جدلا لتنمو كما خلقها الله إلى ما خلقها الله شىء آخر، “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا….”، لقد بح صوتى وجف قلمى وأنا أنبه المجتهدين أن معنى زَكَّاهَا، حتى بنص المعاجم هو: “نمّاها”، حين يعى الإنسان الطبيعة البشرية فيحيط بشرِّها وفجورها دون كبت، ويفجر تقواها وإبداعها دون استقطاب، تنمو النفس البشرية كما خلقها الله جدلا، إلى ما خلقها الله، يتجادل الخير والشر دون استقطاب فإذا منهما تتخلق ذات بشرية أكثر ابداعا، وأجمل كدحا إلى وجه الله.
16- برأيك فيم تختلف قراءة النص البشري عن قراءة النص الأدبي؟
د. يحيى:
بصراحة فرحت بهذا السؤال فرحا شديدا، فرحت به لأننى صككت هذا المصطلح “نقد النص البشرى” مؤخرا، وقد وصلنى من ممارستى العلاج الجمعى بالذات جنبا إلى جنب مع قيامى بنشاطى المستمر فى ممارسة النقد الأدبى.
النقد مهم وجوهرى فى الحالتين، ولكن دعنى أبدأ بتعريف النقد الأدبى بالتأكيد على أنه إبداع ثان، أى أن الناقد يعيد إبداع النص الأصلى حين يقوم بتلقيه بوعى الناقد فيفككه من جديد ليعيد تشكيله وقد يكتشف فيه ما غاب عن المؤلف الأصلى، وقد يعيد تنظيم وحداته من منظور نقدى يجدد النص ويثريه، وجدت نفسى أقوم بمثل ذلك حين أقرأ إمراضية (سيكوباثولوجى) مرضاى ولا أكتفى برصد الأعراض أو تعليق لافتة التشخيص، ثم إنى أعيد تركيب وحدات الوعى كما أقوم بعملية النقد الأدبى تقريبا، لكننى رعبت من احتمال أننى أفرض على مريضى ما لم يختَرْه، فإذا بى أكتشف أنه من المستحيل أن أفعل ذلك إلا بمشاركة مريضى وهو يعيد تشكيل نفسه، فيصبح ناقدا مشاركا ، ليس هذا فحسب بل إنه يعيد تشكيلى أنا شخصيا معه فى نفس الوقت.
17- أزمة الثقافة عندنا ازمة إبداع أم أزمة نقد؟
د. يحيى:
بصراحة هى أزمة نقد فى المقام الأول وقد تناقشت طويلا مع شيخى نجيب محفوظ، فوافقنى جزئيا فى ذلك، وأضاف أنه لا يثرى المبدع إلا ناقد مبدع، والإثراء هنا لا يقتصر على التشجيع أو المديح أو حتى رصد الهنات والتنبيه إليها، وإنما هو يمتد إلى طور حوار خلاق بين المبدع الناقد والمبدع الأول طول الوقت، ثم تأتى مرحلة نقد النقد فتزيدنا ثراء وتتسع دائرة الحوار، مصر خلاقة والمبدعون كُثْر، لكن ينقضنا النقد فعلا.
18- هل نجح المنهج النفسي في المساعدة على فهم الأدب أم تراه جنى عليه؟
د. يحيى:
لقد أعلنت رأيى كثيرا فى ما يسمى المنهج النفسى والأهم ما يسمى التحليل النفسى للأدب، ذلك لأننى أرى أن الأدب أعمق وأهم فى فهم النفس الإنسانية من علم النفس ومن التحليل النفسى ومن الطب النفسى، وقد تعلمت من “ديستويفسكى”، و”نجيب محفوظ”، و”فتحى غانم”، و”زسكند”، و”إداور الخراط”، و”صلاح عبد الصبور”، و”صلاح جاهين”، وغيرهم ، تعلمت منهم عن النفس وتركيبها وأغوارها أكثر بكثير مما تعلمت من كتب علم النفس والطب النفسى حتى انتهيت إلى ما اسميته “التفسير الأدبى للنفسى”، ليحل محل “التفسير النفسى للأدب” فالتقط الفكرة أ.د. مصطفى الضبع ووضع عنوان كتابى بعنوان “تبادل الأقعنة” الذى صدر عن قصور الثقافة تأكيدا لهذا المفهوم البديل.
19- كيف ترى المادة الخاصة بتعريب العلوم في الدستور.. وهل اللغة العربية قادرة على الإمساك بزمام العلوم؟ ومن اين نبدأ ؟
د. يحيى:
أنا ضد كلمة تعريب أصلا، لأن العلم ليس له وطن خاص ولا لغة قومية محددة، العلم علم بكل لغة ورمز وشفرة، وبالتالى على كل العلماء عبر العالم أن يبدأوا بلغتهم من حيث هم، وخاصة فى العلوم الإنسانية والمعارف والمهن المرتبطة بالثقافة الخاصة مثل الطب النفسى، يبدأون من لغتهم دون التركيز حتى على الترجمة، أما العلوم المنضبطة كما يسمونها فليس لها إلا لغة العلم ورموزه، أما أن يدرج هذا فى الدستور فهذه ليست مهمة الدستور ولا مؤاخدة.