نشرت فى الدستور
24-5-2006
التغابى حيث لا داعىّ للتحايل!!
حين انهيت تعتعة الأسبوع الماضى قائلا: “ليس الغبى بسيد فى قومه، لكن سيد قومه المتغابى”، سألنى البعض ولماذا اللف والدوران وقد اتسعت مساحة القول والنشر إلى هذا الحد؟ تذكرت كيف أننى كررت كثيرا ما استشهد به سيجموند فرويد من مقامات الحريرى، فى كتابه الرائع “ما فوق مبدأ اللذة”، آخر مرة استشهدت بما اقتطفه فرويد كان مقالا طلبته منى صحيفة الحياة اللندنية، أرسلته فى حينه، اعتذروا عن نشره لأسباب لا أعرفها !! اقتطف فرويد من الحريرى ما يلى:
تعارجتُ لا رغبة فى العرجْ ولكن لأطرقَ باب الفرجْ
وألقى بحبلى علـى غاربـى وأسلكَ مسلك من قد مَرَجْ
فإن لامَنِى القوم قلت اعذروا فليس على أعرجٍ من حرجْ
التحايل ليس دائما توقـّيا أو جُـبنا، كان فرويد يستدرج القارئ العادى، بل والمختص، بكلام بسيط لا يثير فيه دفاعات (ميكانزمات) جاهزة تحول دون أن يتلقى الجديد. كان فرويد يتهم نفسه بالعىّ وعدم القدرة على توضيح فكرته، ثم يطلب من القارئ أن يتحمله ويصبر عليه، لعل وعسى، ثم يلقى إليه ما تيسر، وهو يأمل فيه أن يعيد النظر. أليست هذه هى وظيفة “التعتعة”؟
فرويد ليس شيخى جدا، لكننى أحترمه جدا وأختلف معه جدا، فضلتُ أن أقتدى به ربما يكون ذلك أدعى لتحريك الوعى ونحن ننظر فى “الذكاء السياسى” لبعض الساسة وبعض التصرفات وبعض القرارات عندنا، فلجأت إلى حيلة استعملتها للتعتعة من قبل: أطرح أسئلة مثيرة للجدل، وأنا أزعم أننى – بقصورى- ليس عندى لها إجابات (شكرا لمقامات الحريرى، ثم سيجموند فرويد):
1- أين يقع الكتاب الأخضر للأخ الزعيم القذافى على طيف متدرج الذكاء السياسى؟ ذلك الكتاب الذى به من لمحات الإبداع ما أغرى جارودى بالتصفيق لبعضه، بقدر ما به من سذاجة الفكاهة مما يذكرنى ببعكوكة الأربعينيات المصرية؟
2- أين يقع ذكاء المرحوم الحريرى الذى أدار بلده بكل نجاح، ووطنية، لكنها كانت – كما استنتجتُ من بعض الكتاب الألمانى عن اغتياله (تأليف: كارل يورجيل كولبل) – كانت إدارة بنفس نمط مقاولاته فى السعودية بالذات: بالعمولات والسمسرة وشراء الحكام العرب وغير العرب، بما فى ذلك ما كان من إهدائه قصراً للرئيس السورى قبل الهنا بسنة، ثم ينتهى به الأمر، تلك النهاية المؤلمة، برغم كل وطنيته وكرمه ودهائه؟
3- أين يقع تصرف الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر باتخاذه القرارالعظيم بانسحاب الجيش من سيناء 1956، برغم ما حدث بعده، من تفويت سرّى, وإخفاء حقيقة الثمن عنَّا نحن أصحاب الأرض، مقارنةً بقراره بانسحاب الجيش من سيناء سنة 1967، وكأنه لم يميز بين انسحاب وانسحاب متبعا نوعا شرطيا من الذكاء الأدْنى، لا يليق بذكائه السياسى الذى حقق الانقلاب، ثم أحاله إلى ثورة اجتماعية، على ما قُسم ؟؟؟ !!
4- كيف لمع ذكاء المرحوم السادات وهو ينتزع لنا كل سيناء من فم الأسد، وهو لا يتردد فى تأجيل موضوع المربع فى طابا حتى استرددناه بفضل فقهائنا القانونين بقيادة المرحوم وحيد رأفت؟ أبلغنى أبنائى وزملائى الذين كانوا هناك أثناء مفاوضات كامب ديفيد كيف أن الرأى العام الأمريكى راح يتعجب لدهاء هذا المصرى الأسمر، وهو يخدع بيجن ومستشاريه، ويدور حول كارتر ومساعديه، (حتى قيل أن نهاية بيجن كانت بسبب بعض ذلك). هل هذا الداهية الأريب هو نفس الرجل الذى رُعِبَ مما تصوره مدٌّ يسارى يهدد كرسيه بسوء تقديره لأحداث 18& 19 يناير 1977، فراح يستنقذ بسلفيّى الدين مسيحيين ومسلمين، حتى زرع فى السياسة دينا غير الدين الذى انزله الله، وهو هو الذى أودى بحياته؟ ثم هل هو هو نفس الذكى الأريب الذى أصدر أمر اعتقالات سبتمبر1981 حتى تم حادث المنصة بعدها بأسابيع ؟
أسف مرة أخرى: انتهت المساحة ايضا قبل أن أكتب عن تقييم ذكاء صحف الحزب الوطنى ولجنة السياسات فى الدعاية للإخوان وهم يتصورون أنهم يهاجمونهم، أو موقع ذكاء زيارة الإبن العزيز جمال لواشنطون فى هذا التوقيت بالذات، سرا، فعلانية – اضطراراً على ما يبدو – وقبل أن أعرج إلى ذكاء من قدّم أعظم المستشارين: البسطويسى ومكى للمساءلة، بدلا من أن يكفوا على الخبر (ما حدث فى الانتخابات) ماجورا،…..الخ
أما عن موقع رئيسنا الكريم خلال ربع قرن على هذا المتدرج، فهذا أمر يقوم به عنى بكل التفاصيل فريق من المتحمسين المغالين على الجانبين، حتى وصل تقييم كل منهم إلى أقصاه كلُّ على ناحيته ضد الثانى، مما لا أجد معه جدوى من مزيد، ولو على سبيل التساؤل، وخاصة بعد هذا الذى جرى ويجرى: الخميس فالخميس 11& 18 مايو الجارى.
ربنا يستر !!