الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / التدريب عن بعد: الإشراف على العلاج النفسى (9)

التدريب عن بعد: الإشراف على العلاج النفسى (9)

“يوميا” الإنسان والتطور

15-6-2008

العدد: 289

التدريب عن بعد

 

(سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى التدريبى، وكذلك فإننا لا نرد أو نحاور أو نشرف إلا على الجزئية المعروضة فى تساؤل المتدرب، وأية معلومات أخرى تبدو ناقصة لا تقع مناقشتها فى اختصاص هذا الباب)

الإشراف على العلاج النفسى (9)

رفض كثير من  الأصدقاء ممن بلغهم أن هذا اليوم المخصص لعرض الحالات، أو للاستشارات المهنية، أو للتدريب عن بعد (الإشراف على العلاج النفسى)، رفضوا أن  يُعتدى على هذا اليوم  لصالح استكمال الحوار حول قضية الكراهية،

عندهم حق

وهكذا تراجعنا

الحالة والإشراف

د. رياض زكى: المريض عنده 24سنة، حايتخرج قريب من هندسة العاشر، يعنى فاضل له مادتين يعنى، وله أخين مش شققا أكبر منه ووالده، متوفى ووالدته موجودة.

د. يحيى: وبعدين؟

د. رياض: هو تقريبا ماعندوش شكاوى، يعنى هوه شخصيا ما بيشتكيش من حاجة، الشكوى من الأم إنه سرق منها مبلغ كبير حوالى 11000 جنيه وصرفهم، وماعملش بيهم حاجة، وبقاله فترة بيكذب كتير سواء فى نتائج الكلية أو أى حاجة، وهو سقط كتير فى الكلية حوالى 3 سنوات، وهما عايشين جنب خاله دلوقتى، والده توفى وهو فى 3 اعدادى وهما بيمروا من فترة طويلة قوى بمشاكل قضائية عشان الورث والحاجات دى وكلها فشلت وضاع عليهم كل الورث بتاعهم

د. يحيى: مشاكل قضائية مع مين؟

د. رياض: مع اخواته اللى هما الأكبر اللى هما مش شققا، مشاكل  على الورث بتاع والده

د. يحيى: إخواته أكبر بقد ايه

د. رياض: يعنى واحد  حوالى 13 سنة والتانى 10سنين

د. يحيى: أبوه كان بيشتغل ايه

د. رياض: أبوه كان مدرس بس كان عامل مشاريع، كان سافر شوية الخليج رجع عمل مزرعة دواجن، وبعد كده كان يدير قاعة حفلات.

د. يحيى: وبعدين؟

د. رياض: العيان أول ماشفته لقيته كل حاجة فى الدنيا عملها، وكل حاجة ينفع يعملها، وكل حاجة ينفع “يبقاها” حسب تعبيره هو.

د. يحيى: يبقاها يعنى أيه

د. رياض: يعنى يبقى زيها، مش يقلد، لأ يبقاها بتحدى كده ما اعرفشى ازاى.

د. يحيى: وبعدين؟

د. رياض: أنا مشكلتى معاه ان التشخيص ده نفسه مش مريح، أنا مش عارف أشتغل معاه ازاى، التشخيص يعنى بالنسبة لى غريب شوية

د. يحيى: بتشوفه بقالك قد ايه؟

د. رياض: شهر ونص، يعنى 6مرات، امبارح كانت سادس مرة.

د. يحيى: بس انت ما قلتلناش إيه التشخيص لحد دلوقتى، مش مهم، مش هيه دى القضية

د. رياض: فيه حاجة تانية جديدة، إحنا بعد ما ابتدينا تلات أربع مرات، راح اتدين وبقى يصلى ويقرأ قرآن

د. يحيى: إمتى بالظبط؟

د. رياض: بعد تالت جلسة تلقائيا من غير ما أطلب منه أى حاجة وانتظم فى الشغل.

د. يحيى: شغل إيه؟

د. رياض: هو فاتح شركة غريبة كده ما بتعملش أى حاجة، وفيها حتة النصب دى، احتمال، هوه بيعرف ينصب وبيعرف يمثل ويقلد شخصيات ويعمل شخصيات يعنى حتى الاهل استفادوا من ده فى القضايا لانه كان بيعمل نفسه ظابط ويمسك طبنجة ويعمل نفسه حكومة عشان يحل المشاكل بطريقة غريبة جدا.

د. يحيى: السؤال بقى؟

د. رياض: هوه التشخيص ده بالنسبة لى غريب

د. يحيى: تشخيص إيه!! هو احنا فى العلاج النفسى بنبتدى بالتشخيص، داحنا حتى بننسى التشخيص بعد العلاقة ما تتقدم والعيان يقرّب، إنت بتتكلم عن نوع مختلط من اضطراب الشخصية، يعنى ما فيش معالم محددة أو شكوى تقول ده العرض الفلانى، كلها سمات شخصية مش مظبوطة.

د. رياض: مش لاقى حتة كده أبنى عليها خالص، كمّ فظيع من الدمار لأى حاجة.

د. يحيى: حلوة حتة أبنى عليها دى، يعنى هو انت حاتبنى على التشخيص؟

د. رياض: أنا أقصد التركيبة دى كلها على بعضها

د. يحيى: التركيبة معلشى، لكن التشخيص ده مجرد يافطة، إحنا فى العلاج النفسى ما بننشغلشى فى التشخيص، هوه مهم، لكن احنا بنخليه يبقى مركون على جنب، الشغل بيبقى مع التركيبة زى ما انت بتقول.

د. رياض: ده اول سؤال، السؤال التانى هوا راح اتدين بعد تالت جلسة، وراح اشتغل حاجة كده من عالوش، مش عارف ليه

د. يحيى: أنت شايف فيه تناقض؟

د. رياض: …. يعنى

د. يحيى: وبعدين

د. رياض: وبعدين هوه طول الوقت بيتكلم كتير قوى وعنده اقوال فظيعة فى كل حاجة، زى ما يكون حاسس بكل حاجة باوريها له، و كل حاجة باقولها له هو شايفها، زى ما يكون بيحرق الشغل أول بأول، ده مابيسيبش حاجة تتقال خالص إلا ويعلق عليها صح تقريبا

د. يحيى: الله نور، دول بقى يا رياض عاملين زى المثقفين إياهم، يبقى عارف كل حاجة وخلاص، بس هنا فيه حاجة مهمة، إن الرؤية دى إللى ساعات بنسميها البصيرة المعقلنة، ما مفيش لها فايدة، دا حتى ساعات تكون معطلة وتدخل صاحبها فى مناورات العلاج بلا طائل.

د. رياض: الظاهر إنه هو كمان لقط منى كده إنى حاشخصه مريض، راح موقف كل حاجة، وما مسكتشى عليه أى كدبة، لكن أنا حاسس إن دى مناورة وبس.

د. يحيى: خلى بالك المسألة مش مسألة إنت مسكت أو ما مسكتش، قلت لكم إحنا مش وكلاء نيابة، المسألة فرصة تعديل سلوك، وإعادة تشكيل شخصية

د. رياض: إزاى؟

د. يحيى: بصراحة التركيبة دى صعبة فعلا، وبالتالى إحنا محتاجين وقت، ست أسابيع مش كفاية، لازم نستنى شوية وكل ما كانت التركيبة صعبة كل ما احتاجت لمدة اطول ويبقى السؤال الأولى بالطرح دلوقتى بيقول: هل العلاج النفسى بالشكل ده مفيد ولا مضرّ، القضية دلوقتى فى المقام الأول إنه “ييجى ولا ما يجيش”؟ هل فيه ضرر من مجيئه يعنى يمكن يستعمل العلاج كمبرر لمزيد من السلوكيات دى، ولا هوه عايز يتغير بصحيح؟

فى الحالات دى قبل مانقول إحنا نعمل إيه، نشوف الضرر المحتمل من العملية العلاجية، أنا شخصيا عندى رغبة إنه ياخد فرصة، أنا حريص على إنه ييجى على الاقل عشان نتعرف على بقية التركيبة. أنا ما سألتكش عن أى مشاكل قانونية محددة، هل تصادم مع القانون مثلا؟

د. رياض: هو كداب ومبالغ فى كلامه بس مافيش حاجة واضحة، وكمان شغله مش منتظم اتنقل من كذا شغلانة

د. يحيى: بصراحة الحالة دى مهمة فى تدريبك، خصوصا بعد النقلة إلى التدين زى ما انت قلت، حتى التدين ده ما نقدرشى نسقف له من غير ما نشوف أى تغير تانى حقيقى فى السلوك، ودى حاجات تخلينا ما نستعجلشى فى الحكم،

دا فيه احتمال إنه يكون بيكذب على نفسه قبل ما يكذب علينا،

 ثم خد عندك حكاية التمثيل دى، ساعات بيبقى فيه احتمال انه مايكونش تمثيل،  يبقى زى مايكون تيارين من الوعى فتحوا على بعض واحد بيعمل العملة على انها حقيقة والتانى بيلبسها ويتدبس فيها، تبان إنها تمثيل، وهو نفسه يمكن يتهم نفسه بالتمثيل، إنت ممكن تسميها “تأليف” بمعنى إن قرار المرض، أو قرار التقمص، من أى مستوى من مستويات الوعى، هو إللى أصدره، يبقى هوه إللى مسئول عنه. دا الأمر بيوصل أحيانا إن المريض يمثل الجنون، عشان تعتقد إنه بيتصنع، تقوم تحكم عليه إنه مش مجنون وإنه بيمثل، يقوم يكمل فى الجنون الحقيقى بتاعه. وهكذا

وبعدين حتى بعد ما نتبين التركيبة ماشية ازاى، الحكاية بتبتدى مش بتخلص، تبدأ الحكاية بالنسبة لتحديات العلاج، يعنى تقول لنفسك:  تبص تلاقيك بتقول لنفسك: طب وانا حاعمل إيه فى الهيصة دى، تلاقى قدامك مستويات للوعى متداخلة وملعبكة، تلاقيك محتاس يعنى مش عارف تتهمه، ولا تصدقه، المهم ما تتصرفشى معاه كأنك وكيل نيابة

د. رياض: والدوا؟، ينفع أديله دوا ؟

د. يحيى: طبعا ينفع ونص، بس مش دوا كذا عشان التشخيص كيت، ولا مجرد مسكنات، هى الأدوية حاتسكن الكذب ولا النصب ولا إيه؟؟!!  لأ، إنت اتكلمت من الأول عن التركيبة، فهو لو بينام كويس، وله شغل منتظم حتى لو نصب، ممكن تأجل دور الدوا شوية، لكن مع تقدم العلاج، حاتلاقى الأمور بتتقلـّب معاك، وظهور أعراض جديدة فى الحالات دى، بيبقى دليل كويس على نشاط عملية إعادة التشكيل أو شىء من هذا القبيل، وساعتها بندى الدوا المناسب سوا سوا، حسب مستوى الوعى إللى عايزين نضبطه، أو نهمّده، لحساب مستوى وعى أنضج، وأقرب للواقع وللقيم الإيجابية

…………..

وبعـد

نلاحظ فى هذه الحالة:

(1) عدم الوقوف عند التشخيص.

(2) ضرورة اعطاء فرصة أطول من الزمن للتعرف على المريض وأبعاده وتركيبه.

(3) التوصية بإتقان فن التفويت المحسوب لبعض التصرفات، حتى يأخذ المريض الفرصة.

(4) ضرورة تجنب تبنى موقف أخلاقى فوقى، لأن هذا علاج وليس مجرد وعظ وإرشاد.

(5) محاولة الاجتهاد فى استيعاب التناقض (مثل اجتماع التدين والاستمرار فى هذا الانحراف).

(6) عدم استبعاد استعمال العقاقير بالقدر المناسب فى الوقت المناسب، ولكن ليس مفيدا أن نزعم  أنها العلاج الأفضل أو الأول لمثل هذه السلوكيات.

(7) ضرورة الحذر من استغلال العلاج للتمادى فى التبرير (قال إيه عيان!!).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *