جريدة الأخبار
الأحد : 8-6-2014
العالم الجليل د. يحيي الرخاوي في حوار خاص لـ «الأخبار»:
الانتخابات الرئاسية أعادت ميلاد مصر من جديد
شاركــت في التصويت بفرحة كــبيرة لأن كـــابوسا انزاح من فــــوق صدري
كل ما أخشاه الإصرار علي سرعة تحقيق المطالب الفئوية
حوار يكتبه: حنفى المحلاوى
عبارات من العيار الثقيل صاغها العالم الجليل الدكتور يحيي الرخاوي في اسلوب جمع فيه بين ما يتمتع به من مكانة متميزة في اوساط العلماء وكذلك كبار المثقفين.. ونراه هنا يختار كل كلمة تؤدي إلي المعني الذي يريد ان يوصله لنا مصحوبة بأحاسيس مواطن مصري عاش تجارب كل هذه السنين ويتمني ان يري هذا البلد اكثر اشراقا وتحضرا. والي تفاصيل الحوار:
<< كيف رأيت الاحتفالات التي انطلقت بعد لحظات من الاعلان عن فوز الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي؟! وهل لذلك مدلول نفسي؟!
< وصلتني هذه الفرحة علي أنها استجابة طبيعية ورائعة وعادلة، وقد شاركت فيها وأنا أشعر كأن كابوساً ينزاح من علي صدري، وكنت أفرح بأعلام مصرأكثر، فقد وصلتني من البداية أن هذه الانتخابات كانت فرصة لإعادة ولادة هذا البلد العريق القادر علي النهوض مهما بلغت آلام ومضاعفات كبوته، لقد بدأت الفرحة بانتخابات المصريين في الخارج، وصلتني رسالتهم واضحة جلية أن مصر في بؤرة قلوبهم، وأنهم بإصرارهم ومبادرتهم واستعمالهم حقهم في استعادتها
فرحون حتي الثمالة ثم بلغتني المهرجانات النسائية خاصة حتي قبل الدخول إلي لجنة الانتخابات، الرسالة تقول إن مصر «وطن» و«معني» و«حاضر» و«مصير».
إلا أن مخاوف موضوعية بدأت تنسحب إليّ رحت أبثها إلي من حولي حيث رحت أخشي من التمادي في الإفراط في «الفرحة الزائطة»، بما قد يؤدي إلي «اعتمادية طفلية» تتنظر المكافأة والحلوي!!، هكذا رحت أحذر أبنائي وطلبتي ألا يفرحوا بما أوتوأ وإنما بما هُمْ قادرون عليه وينفذونه الآن، بالعمل علي استعادة وطن، واستعادة عقل، واستعادة منطق، واستعادة قـِيـَمْ.
<< هل يمكن ان توحي هذه الاحتفالات بإمكانية تفاعل المصريين مع ما طالب به الرئيس الجديد من ضرورة مساهمة كل الناس في البناء والتنمية.. أم ماذا؟!
< من حيث المبدأ: توحي ونصف، لكن هذا يحتاج إلي دور أكثر مسئولية من الإعلام، الرسمي والخاص، إعلامنا غير ناضج، بل يكاد يكون أحيانا غير مسئول، إن اندفاع بعض الإعلامين أو أكثر الإعلاميين أثناء عملية الانتخاب إلي دعوة الناخبين للمشاركة بهذه الصورة خوفا علي فتنة محتملة، أو إحباط وارد، كان خطأ إعلاميا (وأحيانا أخلاقيا) جسيما، أظن أن هذا الاندفاع كان بمثابة إعلان غيظ غير ناضج، من منافس خفي لم ينزل هذه الانتخابات أصلا، حتي أجمع الإعلاميون تقريبا أن يركزوا علي أن تتجاوز تلك النسبة مثلها في الانتخابات السابقة، أنا معهم أن هذا حرص مشروع، وأحيانا مشكور، لكن ليس بهذه الطريقة ولا إلي هذه الدرجة، دور الإعلام الآن هو أن يساعد الناس أن يتعلموا كيف تكون الفرحة وبرحمة ربنا بنا أن هدانا إلي تصحيح موفق، ورئيس عاقل طيب قادر في نفس الوقت، لا أن نفرح بعدد ما جمعنا من أصوات الناخبين، الفرحة بفضل الله وبرحمته هي خير مما يجمعون.
<< ماذا عن تقييمك للانتخابات الرئاسية الاخيرة من ناحيتين الأولي: عدد المشاركين وفرحتهم.. والثانية.. النتائج؟!
< في رأيي أن موعد الانتخابات تأخر أكثر من اللازم، ومع ذلك فالالتزام المنضبط بالجدول الزمني لخارطة المستقبل كان رائعا وعلامة علي عدم التردد والثبات والصبر معا، ثم أن هذه الانتخابات لم تكن أساسا اختيارا بين أشخاص، وأجمل ما تميزت به هو أن غلب عليها نبل التنافس واحترام الآخر، ثم إنها حين جاءت بعد فرحة انتخابات المصريين في الخارج كانت بمثابة تكملة لعزف لحن الإفاقة، لحن مصر الجديدة.
وأما النتائج فبرغم كونها كانت محسومة مسبقا وليس بمعني ضمان مطلق لمرشح بذاته وإنما بمعني سماح واع بأننا ذاهبون لاسترجاع بلدنا، رحنا ننتخب مصر، نختار مصر أكثر من أن نختار هذا المرشح دون ذاك، نختار الأنسب للحظة الراهنة دون تفضيل بشكل مطلق ودائم لأحدهما عن الآخر.
<< هل تري كأستاذ في الطب النفسي أن احوال المصريين النفسية حاليا يمكن ان تؤثر علي خطط الرئيس الجديد لتنفيذ ما يريده من أجل المستقبل؟!
< طبعا لابد أن تؤثر، لكن نوع التأثير يتوقف علي مدي استيعاب أغلب أفراد الشعب لدوره شخصيا قبل دور الرئيس، أحوال المصريين ليست ثابتة جامدة، وهي عرضة للتأثر بمؤامرات وحقد وثأر في الداخل والخارج، أنا لا أخاف من كذب وتربص الرافضين والحاقدين، بقدر ما أخاف من سذاجة وطفولة وانفعال الفرحانين والمؤيدين، إذا تكشفت عن اعتمادية رضيعية معطـِّلة، أخشي ما اخشاه هو التمادي في انتظار المكافأة والاستعجال في الإصرار علي تحقيق المطالب الذاتية والفئوية، وأيضا أخشي استسهال تكرار النص «السكريبت» «هيجة: «انتظار نـَزِق»: «سرعة تغيير للتغيير»: دون الوعي بتغير الظروف». المزيد من تكرار هذا «النص» المعاوِدْ يمثل خطراً حقيقيا لابد من عمل حسابه لتجنبه.
<< وما مدي امكانية أن نري دورا مؤثرا وفعالا لعلماء النفس المصريين وكذلك علماء الاجتماع في تسيير حركة المجتمع الي الامام خاصة في الفترة القادمة!
< أظن أن هذه الفئات المتخصصة تقوم بدورها بشكل وافر وكاف في حدود الفرص المتاحة لها، وهي فرص ليست قليلة، لكنني أحذر دائما من الوصاية الأكاديمية، ومن إصدار أحكام فوقية من متخصصين جالسين علي المكاتب، فالوعي العام غير الرأي العام، ووعي المصريين خاصة لا يقاس تاريخيا بكسب معركة واحدة أو خسارة جولة من الجولات، وإنما يقاس بالنـََفـَس الطويل والقدرة علي الوقوف بعد التعثر، ولا أظن أن هذا يرجع إلي دور علماء النفس أو الطب النفسي أو علماء الاجتماع، الذين قد يشيرون بوجهات نظر مفيدة، لكنها لا يمكن أن تحيط تماما بالبعد التاريخي أو الجغرافي لكل الثقافات الفرعية التي يتكون منها الوعي المصري العام.
المستقبل.. المستقبل
<< وماذا عن رؤيتك الخاصة للمستقبل وصورته علي المدي القصير والبعيد ونوع التحديات التي يمكن ان نواجهها كمصريين وامكانيات التصدي لها؟!
< علي المدي القصير وبعد الفرحة التي أرجو أن تنقلب إلي عهد ومشاركة في المسئولية وليس إلي اعتمادية رضيعية كما أشرت، فأنا متفائل طول الوقت، بل أن تفاؤلي يمتد إلي أملي أن ينتبه الكارهون والحاقدون إلي أن فرص التخريب والتخويف والتخوين والثأر والتكفير قد أصبحت أقل فأقل، وبالتالي تنكسر شوكة الحاقدين منهم وتنار بصيرة الأوّابين منهم، ويعترفون بالأمر الواقع، ثم نمضي سويا لبناء الوطن بإعادة تشكيل الوعي الجديد وبناء الاقتصاد وتفجر الإبداع.
ثم إن علينا الانتباه إلي ضرورة تحديد العدو الحقيقي، وتحديد العدو لا يعني إعلان الحرب عليه، وإنما يتطلب تنشيط ثقافة الحرب (الاستعداد طول الوقت) بكل سلاح علي كل المستويات.. وعلي المدي البعيد لابد أن نخطط للانضمام إلي أية مجموعة في العالم تحمل نفس همومنا وتواجه نفس تحدياتنا بدءًا بالعالم العربي ثم العالم الثالث ثم كل الخيّرين في الدنيا حتي من هم داخل دول عالم الغطرسة والعولمة.
<< حدثنا عن رؤيتك لكيفية تحفيز المصريين للمشاركة في خطط التنمية وهل ما نشعر به جميعا من سلبيات تبدو لنا بوضوح في كل مكان يمكن ان تكون عائقا للوصول لما نصبوا اليه من آمال ونتائج؟
< نرجع مرجوعنا إلي دور الإعلام لو سمحت، المسألة ليست تحفيز وتشجيع، المسألة هي إعادة تشكيل الوعي ببناء وإرساء منظومة من قيم جديدة قادرة علي استيعاب إيجابيات ما حدث، منظومة تقدس العمل وتتقي الله فيه، وتحاسب نفسها قبل أن تضع اللوم علي الآخرين أو الرؤساء، وهذا لا يتأتي بالنصائح الفوقية ولا بالرشاوي التسكينية، ولا بالهتاف العالي، ولا بالشعارات الميدانية، ولا بالإثارة الإعلامية، وإنما يأتي بتوثيق العلاقة بالعمل فالعمل فالعمل، تحت مظلة تقوي الله وحساب النفس «وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي» علينا أن نتوقف عن عقد المحاكم في الشوارع والميادين، والخلط بين الاحتجاج والتخريب، كما أن علي التربية والتعليم والإعلام معا، وبالتناوب، أن يقوموا بتوصيل فكرة أن كل فرد من أفراد الشعب هو رئيس لهذه الجمهورية الجميلة في موقعه، فيكون مسئولا بعمله الفردي المحدود المتواضع عن الأربع وتسعين مليونا ثم عن العالم أجمع، « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». وبالنسبة لمحاربة السلبيات فلابد من الرجوع إلي سيادة القانون في كل التفاصيل من أول طلتوارات الشوارع حتي حوش المدرسة مرورا بمقلب القمامة حتي مجلس الشعب.
قائدة ورائدة
<< وماذا عن المرأة المصرية الجديدة ومواقفها المشرفة خاصة في الانتخابات الاخيرة وهل ظهورها بهذا المظهر المشرف يوحي بامكانية ان نطور دورها لمزيد من المشاركة في خدمة المجتمع في المستقبل القريب؟!
< المرأة المصرية أثبتت أنها قائدة ورائدة بشكل تلقائي، وقد أرسلت رسالتها لكل المصريين رجالا وأطفالاً، رسالة إيجابية رائعة من خلال هذه الاحتفالية الانتخابية في هذا التوقيت، أنا لا أتكلم عن فرحة الانتصار أو التهنئة، وإنما أنا أشير إلي الفرحة التلقائية الأولية التي وصلتنا من المرأة المصرية، هكذا في هذا التوقيت بالذات؟ صحيح أن الرجال قد عبّروا عن فرحتهم أيضا، خاصة كبار السن والأطفال من عامة المصريين، ولكن جاء التعبير عنها بدرجة أقل تجسيدا وبهجة وانطلاقا حرا بلغة الجسد (يسمونه رقصا) الأمر الذي وصلني من المصريات بتلقائية وحب وصلاة وحمد: رحت أتأمل هذه السيدة الكريمة المنقبة وهي ترقص أمام لجنةٍ ما من لجان الانتخابات، طبعا لم أر وجهها، ولا سمحتُ لنفسي أن أتخيلها، لكن ما وصلني من طيبتها وانسيابها وتناغمها أنها «مصر» تتماوج يمينا ويسارا، ميلا واعتدالا، في رقة كأنها تناجي الكون وتحمد ربنا داخل خيمتها.
لم تكن النتائج قد أعلنت بعد، ولا كان التصويت انتهي، بل في بعض اللجان لم يكن قد بدأ بعد، إذن هي فرحة استباقية، ليست بفوز هذا المرشح الفاضل العاقل الواحد منا، أو ذاك المرشح الشجاع الوطني المنتمي الكريم، لكنها فرحة بعودة الحياة إلي الأحق بالحياة». ثم خذ عندك جمال اصطحابها لصغارها وكأنها تحفـِّظهم. «درس مصر».
<< ولماذا لم نر الي اليوم تنظيمات نسائية شعبية مثلما حدث من قبل عبر تاريخنا الحديث؟! كيف يتم ذلك؟!
< المرأة المصرية تنظم نفسها بنفسها بقوة وإصرار واستمرار، وهي تعمل في الحقول، والمصانع، وهي تساهم في التكافل الاجتماعي «بالجمعيات» و»النقوط»، وليس فقط في الأنشطة الاجتماعية المكتوبة والمواثيق الشائعة المستوردة.
<< شباب مصر.. هل شعرت بأنه يمكن لهؤلاء الشباب ان يكون لهم دور في المرحلة القادمة وكيف؟! وماذا عما قيل بشأن إحجام الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية وأسباب ذلك؟
< دور شباب مصر هو أنهم مستقبل مصر، وإحجامهم عن المشاركة إشاعة لم تثبت صحتها لو سمحت، وعموما فإن الشباب لا يقاس بالسن وإنما بالقدرة علي الحفاظ علي الدهشة وبشجاعة المبادأة، وبطول المثابرة، وبالعناد في التمسك بالحق، ثم دعني أحذر الشباب عموما من اللعب علي وتر «صراع الأجيال» وأيضا من التشبه بقيم مستوردة، أو من الغرور بتصديقهم أنفسهم أنهم أكثر طزاجة لمجرد أنهم أصغر سناً