نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 6-11-2012
السنة السادسة
العدد: 1894
الاختلاف اليقظ بين الفرقاء: علامة حيوية ودليل يقظة
اعتذار:
انتهت نشرة أمس بوعد أن نلتقى اليوم لإكمال الحديث عن “شعر الموت” والأصح: الشعر والموت، أو بتعبير أدونيس “الموت ذلك الشعر الآخر” إلا أنه وصلنى احتجاج رقيق أن تخصيص ثلاثة أيام فى الأسبوع لموضوع واحد هو “الإدراك”، فضلاً عن ما يأتى ذكره فى بريد الجمعة، هو جرعة زائدة فوق احتمال الهضم والتمثل المناسبين، وكنت – قبل اعتذارى عن عدم الكتابة للوفد- أخصص يومين للكتابة السياسية، وقد فوجئت اليوم (5 نوفمبر) بنشر حديث لى فى صحيفة الأخبار، وفى نفس الوقت انتبهت إلى أن موضوع الموت والشعر، وخاصة إذا ما حاولنا ربطه بالإدراك حسب وجهة نظر أ.د. السامرائى ، يحتاج وقتاً أرحب وإعدادا أدق، فرأيت أن أنشر هذا الحديث السياسى الجديد وأن أكتفى بعد ذلك بيومين فى الأسبوع لهذا الموضوع المشكل المهم، وليصبح اليوم الثالث حرا يستقبل المفاجآت أو تسمحوا لى بنشر اجتهادات قديمة سياسية أيضا بعد تحديثها، أو لأهمية محتواها الذى لم تتغير دلالته بمرور الأيام.
* * * *
حديث الأخبار بتاريخ 5 / 11/ 2012 .
س 1 – هل عادت روح الكآبة تسيطر على المصريين رغم انتخاب الرئيس بعد أن تحسنت قليلاً أثناء الثورة؟
جـ : أنا أرفض استعمال تعبيرات مثل الاكتئاب أو روح الكآبة فى مجال السياسة والإعلام بهذا التواتر، ولا أعرف كيف تصدر مثل هذه الأحكام حتى من بعض المختصين زملائى بمثل هذه السهولة، وما فائدة ذلك، إن الذى ظهر فى الأيام (أو الأسابيع الأولى) لمشروع الثورة، لم يكن مجرد تحسن فى روح الكآبة، إنه الشعور بالكرامة وإحياء الأمل والثقة بالقدرة الجماعية، وهذا وصف مباشر ليس فيه مصطلحات نفسية خاصة، إن فرط استعمال اللغة النفسية فى السياسة، يبعدنا عن التقييم الصحيح لحركية الوعى الشعبى سلبا وإيجابا، هذا شعب أصيل يتألم، ويفيق، ويثور، وينجح، ويفشل، ويواصل، فلماذا نلحق بأى طور من هذه الأطوار صفة الكآبة التى تزيد وتنقص؟ أنا أتصور، مع ما أتابعه من أحوال البلد موضوعيا، وما يصلنى من احتمالات التآمر، وما ترتكبه من المشاركة فى تخريب مؤسساتنا عشوائيا هكذا، أتصور أنه لا يمكن أن يكون تفاعل معظم الناس إلا الألم والانزعاج والغضب، أما أن نرفض مثل ذلك ونسميه الكأبة، فكأننا نفضل البلادة فى مواجهة الأحداث، ونسميها تحسن فى درجة الكآبة!!.
س 2 – ما هو التفسير النفسى لحالات التناطح السياسى بين القوى السياسية الموجودة على الساحة الآن وهل تعتقد أن هذه النخبة تريد مصلحة مصر أم تبحث عن مغانم فردية خاصة؟
جـ : مرة أخرى تسأل عن “التفسير النفسى” يا سيدى: التناطح السياسى هو السياسة، الاختلاف النشط بين الفرقاء علامة حيوية وهو دليل يقظة، فلماذا نسميها تناطحا، إذا انقلب الاختلاف فى الرأى وفى البرامج السياسية، وفى التوجه الوطنى، وفى المواقع الشعبية إلى معارك شخصية سلبية، يمكن أن يسمى ذلك تناطحا، وهو ما لا ألاحظه بشكل غالب، صحيح أنها قوى تتكلم أكثر مما تخطط، وتأمل أكثر مما ترسم، وتعد أكثر مما تقدر، وهذا كله يثير ضوضاء أكبر كثيرا من الفعل اللازم، ولعل هذه الضوضاء هى التى تسميها تناطحا، ولكن قل لى بربك كيف يمكن أن نختلف دون أن يتمسك كل فريق برأيه ويعلو صوته حتى يوضحه، وبالتالى تظهر الفرصة لتفاعل الآراء، وليس لتنازل أصحابها عن مواقفهم لتحقيق تسويات مائعة، يبدو أننا لا نعرف قواعد ما يسمى ديمقراطية فنرصد أية حدة فى الاختلاف على أنها تناطح، ألم تتابع الحوارات التى جرت بين أوباما ورومنى واستعمال تعبير “تكسير العظام” كشىء أساسى من قواعد الحوار؟ هذه هى السياسة عبر العالم.
أما حكاية البحث عن مغانم فردية، فينبغى ألا نرفضها بطريقة طفلية مثالية، إنه لا يعيب السياسى القادر الأمين أن يبحث عن مكاسب فردية شريطة أن تكون شريفة ومعلنة وبالطرق القانونية، فهى تصب فى النهاية فى المكاسب الجماعية إن صدق العزم.
س 3 – هل نستطيع تحليل الحالة النفسية للرئيس مرسى الآن أم أن ذلك يحتاج إلى وقت أكبر حتى نستطيع أن نحصل على معلومات أكثر دقة؟
حالة الرئيس النفسية هى هى حالته الرئاسية هى حالته المصرية: هذا فلاح مصرى نشأ فقيراً مجتهدا، ثم أصبح أكاديميا ناجحا، وهو متدين حسن النية، قليل الخبرة السياسية، يثق فيمن حوله أكثر من اللازم، وأحيانا دون تمييز، يحاول أن “يرضى جميع الأطراف”، وهذا عيب وليس ميزة، حكاية رئيس كل المصريين لا تعنى إرضاء كل المصريين، الذى هو استحالة طبيعية، وإنما تعنى حمل مسئولية كل المصريين، حمل هم كل المصريين، رعاية كل المصريين، أما الإرضاء والتسويات التنازلية والرشاوى بالوعود، أو الاستجابة لطلبات الفئات الواحدة تلو الأخرى دون حسابات شاملة مسئولة، فينبغى أن يتوقف كل ذلك بأسرع ما يمكن، وأن نظل نحترم الاختلاف .
أما مسألة الانتظار للحكم على من هو الرئيس لنحصل على معلومات أكثر دقة، فهذا أمر ثانوى، فمن ناحية “الكتاب يقرأ من عنوانه”، ومن ناحية أخرى فإن مصادر المعلومات سوف تزداد غموضا وتحيزا مع مرور الوقت، نحن ننتظر مزيدا من الأداء المنضبط لنحكم عليه حكما موضوعيا أولا بأول، مع السماح له بالتغيير، ولنا بتعديل أحكامنا.
س 4 – رغم وجود رئيس منتخب ديمقراطيًّا لأول مرة فى مصر؛ إلاّ أن هناك من يسعى إلى إفشال التجربة لاختلاف التوجه السياسى ..ما تعليقك؟
جـ : لا أظن أن أحداً يسعى لإفشال التجربة، لمجرد الإفشال، ثم إنه لا أحد جاهز بقدر كاف لتولى المسئولية حاليا ببرنامج بديل قادر، وبالتالى لا ينبغى أن نقرأ رصد الأخطاء للرئيس أو معاونيه على أنها إفشال، إن الرئيس يحتاج أن يعرف أخطاءه بقدر ما يحتاج أن يعرف إنجازاته، ولا أظن أن أعدى أعداءه يتمنى له الفشل على طول الخط لأن فشله هو فشل مصر ولو فى هذه المرحلة التى لا تحتمل فشلا جديدا، كما أن فشله يعنى أننا سنواجه بمخاطر بداية جديدة، ونحن فى حال لا تسمح برفاهية التغيير بهذه السرعة على حساب حاجات الناس الضرورية، على الرئيس وجهاز الدولة أن يثق فى خطواته واضعا فى الاعتبار رصد أخطائه من مؤيديه الموضوعيين ومعارضيه الوطنيين على حد سواء، وألا يستقبل النقد مهما بدا صريحا أو لاذعا أو محذرا أو مهددا، باعتباره محاولات إفشال، بل إن كل ذلك قد يشحذ همته ويصوب أخطاءه أولا بأول، فهو يساعده على النجاح دون تربص لفشله.
س 5- مع وجود التحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة.. هل تعتقد أنها تستطيع أن تصمد للإخوان والسلفيين خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
جـ : للأسف هذه التجمعات تحتاج إلى وقت حتى تنصهر معاً فى توجه ضام، حتى يظهر أثر ذلك فى لحظة امتحان الصناديق، أنا أتصور أنه قد ترجح كفة الاخوان أمام الصناديق حتى لو بدت غير ذلك بعيدا عن الصناديق، لأن الأمور قد تنتقل من تقييم سوء الأداء، إلى العودة إلى التلويح بالترهيب والترغيب الدينى، الأمر الذى من السهل أن يُستدرج إليه الوعى الشعبى الساذج والطيب دون حسابات المكسب والخسارة على أرض الواقع
الجديد فى الأمر الآن هو الاختلاف الذى ظهر مؤخرا فى اللجنة التأسيسية بين الاخوان والسلفيين وهذا قد يسحب من رصيد الاخوان ولكن ليس لصالح التحالفات الليبرالية، نحن أمامنا وقت طويل حتى نتقن هذه اللعبة الديمقراطية الجديدة، ثم إن ما يسمى بالتحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة هو خليط غير متجانس، لا يجمعه إلا أنه ضد الاخوان، دون تنسيق تخطيطى قوى يمكن أن يصل إلى عموم وعى الشعب، لأن ذلك يحتاج وقتا طويلا، وممارسة متجددة، ليس بمعنى تكرار المظاهرات وسرعة إيقاع التغيير، ولكن بمعنى التعلم من الأخطاء، وتنمية القدرة على التمييز بين الوعود والفعل، وبين الدين واللعب بالدين، وكل هذا لا يتم إلا فى طقس ديمقراطى ممتد.
س 6 – ما رأيك فى مسودة الدستور وهل تعتقد أنها جاءت معبرة عن طموح الشعب المصرى بعد الثورة؟
جـ : بصراحة أنا لا أتابعها بالتفصيل، ولا أعتقد أنها سوف تجئ بجديد يليق بكلمة ثورة أو حتى يتناسب مع كلمة معاصرة، وأتصور أن دستور 1923 ، وحتى دستور 1971 الأصلى بعد إزالة التشوية الذى لحقه مؤخرا، كان يمكن أن يكون كافيا مع ترشيد التطبيق، ولا تنس أن دور المحكمة الدستورية العليا الرائع فى الأشهر الأخيرة جرى بمواد قانونية دستورية بشكل رائع دون انتظار هذا الدستور تحت الإعداد، إن وضع دستور جديد، مع قصر عمر الممارسة الحقيقية لدولة القانون ودولة المؤسسات، ودولة الانتاج هو ضرورة ينبغى أن تؤخذ فى حدود الضرورة فقط ، الدول لا تتغير بكلمات على الورق، وإنما بالممارسات العملية والتعلم وتنمية الوعى على أرض الواقع
ثم إنه قد خطر لى أن الاستفتاء على الدستور هكذا هو إجراء ناقص بشكل ما، إذ كيف يطلب من أى شخص يقبل بعض المواد وهو يرفض البعض الآخر، أن يقول “نعم” أو “لا” على كل المواد، وأنا لا أعرف بديلا حتى شطحت وتصورت ضرورة الاستفتاء على كل مادة من مواد الدستور على حده، ثم تبينت أن هذا سوف يحتاج إلى عدد من السينين نكون خلالها قد أعلنا إفلاسنا، أو قمنا بثورة أخرى.
س 7- ألا ترى أن المظاهرات الفئوية التى تملأ الشوارع الآن.. تؤيد ما ردده البعض من أن ثورة يناير كانت ثورة جياع ولم تكن ثورة للبحث عن الحرية والديمقراطية؟
جـ : كلا، أنا لا أوافق أنها كانت ثورة جياع، ثم إنه لا يعيب ثورة البحث عن الحرية والديمقراطية أن تكون همها الأساسى هو إطعام الجياع بمعنى تصحيح أحوال المظلومين وإنصاف المهمشين، ومع ذلك فأنا ضد المظاهرات الفئوية التى تجرى الآن بعد حوالى سنتين من بداية التغيير، وأرى أننا فى حالة حرب حقيقية وأن البلد على وشك الافلاس، وأنصح هذه الفئات أن ينتبهوا إلى أنهم ضحوا كثيرا جدا ولزمن طويل فعلا، لكن فى حالة إفلاس البلد – لا قدر الله- هم الذين سوف يدفعون الثمن، أما الاثرياء الظالمون منهم والمتفرجون فسوف يدبرون حالهم بطريقة أو بأخرى، وفى نفس الوقت على الدولة أن تقف بحزم مطلق فى مواجهة مثل هذه المظاهرات إذا وصلت إلى حد التخريب، وعلينا أن نتذكر جميعا أننا فى حالة حرب فعلية، فإذا بلغ هؤلاء المظلومين أن ذلك لصالحهم وأن العدل سيأخذ مجراه فى توزيع خير البلاد، فإنهم سوف يكونون أول المتعاونين وسوف يبحثون عن وسائل أخرى للتعبير والمطالبة لا تضر الصالح العام الذى هو صالحهم فى نهاية الأمر.
س 8 – تراجع الرئيس مؤخراً عن عدد من قراراته الرئاسية منها عودة البرلمان وأزمة النائب العام.. هل ترى أن هذه التراجعات تؤثر فى ثقة الشعب بالرئيس؟
جـ : طبعا تؤثر إذا قرأها الناس على أنها تدل على أنه مهزوز، أو على أنه متأثر بالمحيطين به “بالدور”، فيصدر قرارا بناء على اقتراح أحدهم، ثم يأتى مستشار أو معاون آخر ينبهه إلى خطأ قراره فيرجع عنه وهكذا، هذا الموقف المهزوز لا يرضى أحداً، لكن إذا قرأ الناس مثل هذا التراجع على أنه دليل على قدرة الرئيس على العودة إلى الحق، والتعلم من الخطأ، فيكون مثل هذا الموقف لصالحه لأنه يخرجه من فصيل “وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ” إن التراجع له معناه الإيجابى وهو أنه لا تأخذه العزة بالخطأ أو بالإثم وأن المسألة ليست عنادا وركوب رأس، ولكنها مسئولية وحسابات متجددة باستمرار.
س 9- هل تعتقد أن العلوّ السياسى للحركات الإسلامية سيؤثر على فكرة المواطنة والترابط الأخوى بين جناحى الأمة الذى امتازت به مصر؟
جـ : نعم، لأن الإسلام الممارس فى دور العبادة هو غير الاسلام المعلن على صفحات الصحف، غير الاسلام الحقيقى الذى يحمل المسلم أمانة رعاية كل الناس بالعدل المطلق مسلمين وغير مسلمين، وتأثير الانتماء للدين دون الوطن جاهز لأن معنى الوطن كان قد اختفى من وعى أكثر المصريين لمدة طويلة اللهم إلا فى أزمات الحروب (هزيمة 67 أو نصر 73) ومباريات الكرة مع أبناء وطن آخر، لقد اختفى معنى الوطن فى المدارس والساحات والبيوت على حد سواء، وفى مثل هذه الحال يصبح الانتماء إلى دين أسهل وأجهز، فالإجابة هى أن لهذه المخاوف ما يبررها، مع أن الانتماء إلى الوطن لا يتعارض مع انتماء كل صاحب دين إلى دينه.
س 10- سمعنا بعض التصريحات من إرهابين تتهم بعض الفئات بالمروق عن الدين حتى اتهموا الرئيس نفسه بالكفر.. كيف تقرأ المشهد المصرى القريب وسط هذا الضباب الفكرى؟
جـ : يوجد كلام كثير حول دور “القاعدة” فى الربيع العربى كله، دون استثناء مصر، ليس فقط القاعدة، وإنما حماس، وإخوان سوريا وكلام كثير لابد أن نضعه فى الاعتبار حتى ولو كان كله نتيجة للتفكير التآمرى الذى هو جزء لا يتجزأ من حقنا فى الحذر للدفاع عن أنفسنا، المصيبة أن هذا الهمس الجارى الذى له أصل حتما يضع أمريكا التى تزعم أنها ضد القاعدة كمحرك أساسى لتفكيك المنطقة دون الانطلاق إلى البناء بعد التفكيك، وأنا لا أرفض هذا الاحتمال بصراحة، لكننى لا أروجه مع أنه قد يفسر جزئيا ما حدث فى ليبيا أو فى تونس مؤخرا، وحتى فى سوريا الآن، ومصر ليست استثناء، وحين نقول القاعدة فنحن لا نستبعد المصريين المنتمين لهذا التنظيم أو ما شابهه، وقد تركزوا فى بعض سيناء ولا أقول فى سيناء، ونظرا لقرب سيناء من غزة ومن اسرائيل فإن الأمر يحتاج منا يقظة أكبر وحذر أشد وعلينا ألا نستهين بهذا الاحتمال وخاصة إذا صدقنا أن القوى المالية العالمية قد تكون وراء كل هذا التفكيك وهى تستعمل القاعدة ومايقابلها فى عملية التفكيك الشاملة للمنطقة تمهيدا لترسيخ التبعية الاقتصادية ولإرساء قواعد الدولة الماليه العولمية الواحدة لنصبح تابعين ورعايا فى وطننا لا مواطنين مستقلين نتعامل معهم معاملة الند.
س 11- هناك من يتهم الخطاب الإعلامى الزاعق بأنه سبب رئيسى فى حالة عدم الاستقرار التى تشهدها مصر الآن.. ما رأيك؟
جـ : الإعلام مسئول مسئول مسئول، سواء كان الإعلام الرسمى أو الإعلام الخاص، الداخلى أو الخارجى، ومع اعترافى بالتقدم الهائل الذى أحرزه الإعلام فى القيام بدوره من حيث الاخبار والشفافية، فإننى آخذ عليه تركيزه على رشوة الناس، ودغدغة ظاهر المشاعر، ودعم الاستسهال، وفرط الإثارة جذبا لمزيد من المشاهدين سواء لتأكيد الكاريزما أم لجذب الاعلانات .
بصراحة الإعلام لا يقوم بدور التوعية الكافية لحفز الإسهام فى تغيير وعى الناس نحو حمل المسئولية، والإسهام فى البناء، وأنا لا أعنى بالتوعية أى نوع من النصائح أو الحماس أو الأغانى الوطنية أو حتى الوعظ والإرشاد، وإنما أقصد تعرية الحقائق، ثم تقديم الاقتراحات العملية القابلة للتنفيذ ثم تعهدها وتنميتها باستمرار مثابر.
س 12- هناك من يعتقد أن لدى الرئيس رغبة داخلية فى التملص من شِباك الإخوان.. كيف ترى ذلك؟
جـ : أنا لا أعتقد ذلك، ولا أرى أية علامات تشير إلى ذلك، ولا أوافقه على مثل هذا التوجه إن صح أنه عنده، الرئيس إخوانىّ حتى النخاع وهذا لا يعيبه، بل إنه ينبغى أن يفخر به، وأن يؤكد انتماءه لمن كان سببا فى توليه هذا المنصب، دون أن يؤثر ذلك على التزامه بالعدل المطلق فى الحكم، أى دون تمييز أى من حزبه أو جماعته بميزة شخصية أو فئوية لمجرد أنه من الاخوان، ولا يتم هذا الالتزام إلا بالعدل المطلق وبالصراحة المطلقة والقياس بمقاييس موضوعية، وفى نفس الوقت يظل الرئيس إخوانيا طول الوقت، هذه بديهية، إن الانتماء لفصيل بذاته لا يعنى تمييز هذا الفصيل عن غيره، بل إن الانتماء للإسلام نفسه، لا يبيح تمييز المسلم عن غير المسلم فى أى مجال، وعلى الرئيس أن يتذكر أنه ما كان يصلح أن يتولى النحاس باشا الحكم وهو يتملص من الوفد، تماما كما لا يجوز الآن أن يتولى أوباما الحكم ثم يتملص من الحزب الديمقراطى، ما هذا؟ هذه ألف باء السياسة، الرئيس جاء رئيسا لأنه ينتمى إلى الاخوان لا أكثر ولا أقل، ولو كان رشح نفسه مستقلا مثلا وأعلن أثناء الترشيح أنه مرشح من قبل “كل المصريين” فإنه كان سيحصل فعلا على عشرين ألف صوت أغلبهم من قريته وتلاميذه، ما هذا؟.
س 13- كيف ترى مستقبل الحرية الصحفية والإبداعية على ضوء إقالة رئيس تحرير الجمهورية من قِبل مجلس الشورى؟
جـ : موضوع هذه الإقالة كان فيه من الإهانة والتجاوز أكثر مما فيه من الخطأ، صحيح أن الجيش بالذات، وهو درع الأمة وحارسها الأمين، لا ينبغى أن تُتَداول أخباره حتى الصحيح منها بهذه السطحية والعجلة، فهو خطأ مهنى كان ينبغى أن يعامل فى حدود ذلك مع الاعتذار الواجب للجيش.
أما مستقبل الإبداع فلا خوف عليه، فالمبدع لا يستطيع إلا أن يبدع مهما تأخر نشر إبداعه، فمرحلة القمع إن حدثت لها عمر افتراضى قصير بإذن الله، وسيظل المبدعون يسحلون اشراقاتهم وإضافاتهم ربما بشكل أكثر تدفقا تحديا للقمع المحتمل، ثم ينطلق فيضان الإبداع يصحح ما أفسده القمع بمجرد أن تتاح الفرصة.
س 14- هل تعتقد أن هناك محاولات لأخونة مؤسسات الدولة المدنية..وهل ستنتصر هذه المحاولات أم أن الهوية المصرية ستكون غالبة؟
جـ : الخوف كل الخوف هو أخونة الجيش والبوليس أساسا، وكذلك الخوف من اللعب فى مقررات التعليم، وهذا وارد، وقد ظهرت له علامات ليس فقط فيما يتعلق بتعينات المسئولين، ولكن أيضا فيما سمعت بالتوصية بحث أبناء الاخوان على الإقبال على تلك المؤسسات الحساسة، ليتم أخونتها من القاعدة،
وبرغم ذلك فإن ثقتى فى الشعب المصرى أنه حتى لو تم مثل ذلك فهى فترة محدودة سرعان ما سوف نفيق منها أقوى وأقدر.
* * *
ملحوظة: الحديث صدر بعنوان : “إذا فشل الرئيس فشلت مصر”
وهذا ليس صلب الموضوع ولا يؤدى المعنى المراد إلا إذا وضع فى السياق الكامل.
كما أن الحديث برغم أنه احتل أكثر من نصف صفحة إلا أنهم – كما أبلغونى معتذرين- اضطروا لحذف فقرات منه برغم تحذيرى من مثل ذلك والتزامى بعدد الكلمات المطلوبة، وأنا لم أعتن بمراجعة الفقرات التى حذفت، مكتفيا بنشر الحديث كاملا هنا.