نشرت فى الدستور
14-9-2005
عن الاحتياج الروحى، والقلق الدينى، وكمياء المخ
قراءة فيما نشر فى العدد قبل الماضى 31/8/2005
تحت عنوان “أرجوك إسمعنى، لأننى محتاج إليك روحيا” شعرت أن الرد المقترح لقول أحدهم “أشعر بإرهاق” حتى يثبت السامع أنه قد سمع، ليس ردًّا إيجابيا بالضرورة فالرد الإيجابى يتوقف على من الذى يقول؟ ومتى؟ وكيف؟ الرد المناسب ليس واحدا، والرد الإيجابى المقترح الذى ذكره الكاتب/المترجم هو: “فعلا لقد لاحظت عليك هذا الإرهاق!!” وهو رد خوجاتىّ دمث، لا يصلح لأغلب ثقافاتنا الفرعية. بل قد يكون اختزالا ضارا: فلنفرض أن من قال ذلك لا يشعر بإرهاق فعلا، أو أنك لاحظت أن مجرد قوله هذا هو تكرار ممل يقوله بداع وبغير داع، فإن إقرارك السهل بالموافقة قد يكون سلبيا خصوصا فى بلد مثل مصر لا يقدس معظم أهله العمل ولا يعرفون الحركة إلا مضطرين. المقال مترجم، ولست متأكدا إن كانت كلمة “روحيا” موجودة فى العنوان الأصلى أم لا، بل إنى شعرت أنها ربما تكون تزيّدا كنوع من الرشوة الدينية السطحية.
المقال المجاور عن “اضطراب كيمياء المخ الذى يؤدى إلى التعاسة”، ذكر حالات لها اكثر من بعد، وأكثر من تفسير، بل وأكثر من تشخيص، ثم ذكر ببساطة شديدة كيف شفيت كل الحالات المذكورة بمجرد إعطاء “منسقات المزاج”، ومع أنى أحب هذه المجموعة من العقاقير وأعرف أثرها الجميل، إلا أن “الوصف السحرى” هكذا بدا لى غير مفيد وقد يضرّ، كما أن العلاقة بين اضطراب كيمياء المخ والحالات الوجدانية مازالت قيد البحث. فبرغم وجود علاقة أكيدة، لا أحد يعرف أيها السبب وأيها النتيجة، فلماذا هذا الاختزال؟.
المقال الثالث عن القلق الدينى والمراهقة أعجبت فيه بالتوصية بأن يتحلى الوالدان “بالجاهزية”، وقفت فرحاً بكلمة “الجاهزية” التى كنت استعمل بدلا منها “فى المتناول” (بفتح الواو)، وبعد أن أطمأننت أن الزميل الكاتب لم ينْسَ الصبر والانتظار، أْمِلُت أن يضيف بعض التفاصيل إلى ما يعنيه “بالجاهزية” إن صح أنه مرادف لما أقصده بـ “فى المتناول” (بالانجليزية availability)، نعم وجود الوالدين “فى متناول” أولادهم فى كل الفترات، وخاصة فى فترة المراهقة، شديد الأهمية، لكن هذه الجاهزية: للدعم والمساندة، كيف تتم، هل تتم بأن يكون الوالدان جاهزين للنصح والإرشاد، أم للترهيب والترغيب، أم للانصات والتعلم والصدق والمواكبة جميعا؟
ياليتنا نوضح بعض ذلك خشية المباشرة والتسطيح.
وحتى اللجوء إلى الطبيب النفسى فى مثل هذه الأحوال يحتاج لاستقصاء موقف الطبيب من الدين مثله مثل موقف الوالدين، وكيف حلّ أى منهم – شخصيا- قلقه الدينى.
إن إشكالة “الجمود الدينى” عند الوالدين والطبيب قد تكون أصعب من “القلق الدينى” عند المراهقين،
والله أعلم.