اليوم السابع
الأربعاء: 7-5-2014
الإنسان المصرى والإيمان الأصلى
علاقة الإنسان المصرى بالله الواحد الأحد علاقة وجودية حضارية أصلية تجلت فى ما وصلته من ديانات هادية مبدعة الواحد تلو الآخر فآمن بها الواحد تلو الآخر، “لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”
وعدت أمس أن أقدم بعض ذلك من خلال بعض إشراقات محفوظ الذى قدّم لنا الطريق إلى الإيمان فى معظم أعماله، إن لم يكن كلها، هذا المصرى المؤمن الرائع حين سئل – بالمصادفة بعد نوبل- عن جذوره واستلهاماته وغائيته أقر بفضل الحضارة المصرية إلى الإسلام المنير، ومع ذلك اتهموه فى علاقته بالله وبالإسلام، هذا المصرى المؤمن الموحد المبدع اكتشفت أكثر فأكثر كل خميس من خلال قراءتى ونقدى لتلقائية ما خطّ عفوا أثناء تدريباته لذراعه المصاب، (مئات الصفحات) ما جعلنى أكاد اعتبره قطبا أضاء لنا عبر إبداعه هذا الطريق الرائع إلى وجه الله كما وصلته فى تجليات ثقافة المصريين الذى يمثلهم أجمل من كل التاريخ .
إن قارئ نجيب محفوظ الذى يحسن الإنصات إلى رسائله، لا بد أن يصل إلى الإيمان اليقين من أكثر من طريق، وبأكثر من لغة. يتحرك إبداع هذا الرجل طول الوقت وهو يكشف لنا بعض ما نستطيع – نحن المصريين- تحمله، وحمله من جرعات الإيمان المتصاعدة، وإليكم بعض ذلك، مجرد عينات:
من ملحمة الحرافيش: فى حوار بين فلة وعاشور الناجى الكبير، تسأل فلة:
“كيف يلقاك الناس يا عاشور؟” فيرد “كلٌّ يعمل على قدر إيمانه”.
ومن أصداء السيرة الذاتية: حضرت تجليات الإيمان والموت والخلود بشكل متكرر متنوع لتخدم تحريك الوعى، لإيقاظ الفطرة سعيا إلى وجه الحق تعالى، وهاكم بعض عينات محدودة:
تبدأ فقرة “الزيارة الأخيرة” بأنه: “لولا المعلم عبد الدايم لضاع كل وافد على المدينة القديمة…إلخ” حيث أرجع الكاتب الفضل كله لصاحب الفضل، وأوضح كيف أنه بالرغم من فضله هذ،ا فقد أنكره أغلب من تفضل عليهم، بل وتنكروا له، حتى نسوه، لتنتهى الفقرة بالتذكرة بأن الموت هو اليقين الذى لابد وأن يثبت أن الوفاء هو الأجدر بمن وعى فضله باحثا عنه حامدا صنيعه.
أما الفقرة المسماة “المصادفة“ فقد أظهرت كيف أن الاعتذار عن غرور الإنسان بنفسه، يبدو أجمل نوع من الاستغفار، وأنه مهما نضج الفرد حتى تصور أن بإمكانه أن يستقل عن تلك القوة الداعمة الجبارة المساندة، فإنه فى نهاية النهاية سوف يعرف أنه:
“لا غنى عنها … وأن لقاءها، هو مصادفة سعيدة رغم كل شىء”.
وفى الفقرة بعنوان “الانبهار” كان الذى حافظ على استمرار العلاقة الجدلية نحو الإيمان حية حركية هو حضور الأسئلة المستعصية دون جواب، حيث يسمع كل سائل فى جوف الصمت العميق، يسمع “الجواب الذى يغيثه” لتنتهى الفقرة كما يلى:
“… لم أرَ حركة تدب فى شفتيه، ولم أسمع صوتا يند عن فيه، ورجعت من عنده وسط جموع قد انبهرت بما سمعت….”.
الإجابات الصامتة عن الأسئلة الصعبة الغامضة هى الإجابات الحقيقية القادرة على تحريك الوعى إلى غايته، وهى إجابات تأتى من الداخل/الخارج (وبالعكس) مباشرة بيقين ليس كمثله شئ،
كل إبداع محفوظ – تقريبا- يحرك فينا مثل هذه الأسئلة التى تدفعنا إلى حيث يدور الوجود البشرى حول حضور الله الآنى والخالد، عبر الوعى بالنهاية/البداية، والحوار مع الأقدار، يفعل ذلك وهو يثير – بسلاسة متسحبة- الأسئلة التى هى هى الإجابات .
وبعد
اسمحوا لى أن أؤجل الحديث عن الشيخ عبد ربه التائه فى الأصداء، وأيضا عن حضور نفس الإيمان الأصيل فى الوعى المصرى فى أحلام فترة النقاهة لشيخنا الجليل: نجيب محفوظ.
أقول قولى هذا، وأدعو الله العلى القدير أن نستطيع نوقظ كل هذا فى وعى كل المصريين الحضاريين المبدعين المؤمنين، ونحن نبنى من جديد هذه الأمة التى تحمل كل هذا الخير، وليس ذلك على الله، ولا على الشعب المصرى العظيم، ببعيد.