نشرت فى الدستور
27/8/1997
الإشارات والتحولات: مقارنة (2)
أحسد الناقدة صافيناز كاظم على احتفاظها- رغم كل شئ- بقدرتها التى تقرأ بها المسرح بوعى فائق الحدة بالغ الاختراق، فتعلمنا ما خفى علينا، أما أستاذ الأساتذة د.الراعى فهو إذا قال فعلى الجميع أن ينصتوا، فهل بعد هذه المقدمة الوقائية يسمح لى أن أقول، وبمنتهى الحذر، إنى جزعت حين لم تلتقط صافينازكاظم فى المسرحية إلا دعوة إلى ”إظهار الفسق وإعلانه، وتحريره من قيود التقوى، وتمجيد العهر البدائى، والشذوذ الجنسى والحلول الكافرة إلخ”. ثم أن أشير كيف أن د. الراعى بعد أن أرانا كيف أن سعد الله نفسه كان يتحرر من نفسه ”يقشرها و يعريها” عاد يكتب: أن ”الرسالة الحقيقية التى تود المسرحية أن تبلغها للناس هى: الحب النقى البسيط بين الخادم والخادمة، وأن الخطاة من أمثال الماسة كانوا يتمنون لو كانت الطريق قد مهدت لهم مثل ذلك، هذا بالإضافة إلى تأكيد سلماوى على سقوط أوراق التوت ونزع الأقنعة ومتابعة وائل عبد الفتاح للتأكيد على كشف التناقض بين المعلن والمكبوت، وإن كانت شيرين أبو النجا قد التقطت تحرر الماسة وخلودها “بأن أكون بحرا لا يحتجز” إلا أنها عادت تقول إن المجتمع هو الذى علمها ”الفسق والفجور”،!!!. والتقط فاروق عبد القادر زخم التحولات، لكن بدا لى أنه لم يطلق توجهها إلى الإبداع المجهول، بل حددها من “النقيض إلى النقيض”.
عذرا، فالمسألة قد وصلتنى- مشاهدا مجتهدا- من عمق أخطر، كما يلى:
بلغنى أيها القارئ الكريم أن نضال الأشقر قد وصلتها إشارات طقوس سعد الله عبر البعد التاريخى، فمررتها ببطء هادئ إلى داخلنا، ليخرج عملها يقول عن النفس البشرية بقدر ما يقول عن الواقع حولها، فراح العمل يترجح بنا من الداخل إلى الخارج وبالعكس، حتى تحرك الوعى بما يمكن، أما حسن الوزير فقد جعلنا نعيش الحاضر (الآن) فى مواجهة الواقع الماثل، وهو قد أنسانا قصدا أو عفوا- أننا فى ضيافة التاريخ، لأنه جسد التاريخ واقعا حاضرا يجرى بين الأشخاص (الآن) أكثر مما يعـرى داخلهم، يتأكد ذلك الفرق حين نتذكر كيف أن نضال – مثلا- جعلت نفس الممثل يقوم بدور كل من الراوى والمفتى ووالد مؤمنة ”الماسة”، ويبدو أيضا حين يقتل “العفصة” نفسه “بإرادة الموت الداخلية”، وليس بشنق نفسه بقرار واع، كما يبدو حين تنتحر الماسة ولا يقتلها أخاها. وكل هذه الأحداث تجذبنا أكثر إلى داخل الذات البشرية، وتعدد منظومات وكيانات الوجود فيها، أما التجلى المصرى الذى هو أقرب إلى النص الأصلى، فقد جعل ممثلى أدوار المفتى ووالد الماسة شخصين مختلفين، كما استغنى عن دور الراوى أصلا، ثم إنه جعل “العفصة” (الذى صرح بشذوذه) يشنق نفسه (كما فى النص)، كما جعل “الماسة” تموت مقتولة- ليس بالضرورة بيد شقيقها كما فى النص- لكنه رفض أن تنتحر كما فعلت نضال الأشقر.
أما الذى اتفقت عليه كل من الرؤية اللبنانية والمصرية فهو التنبيه على أن أية قيمة ليست مطلقة فى ذاتها، وأنها قد تكون إيجابية أو سلبية فى سياقها الخاص، فالشذوذ الجنسى الرخو المرتزق (سمسم) غير الشذوذ الجنسى المحب المتحمل مصيره، (العفصة)، وحرية مؤمنة التى تنساب بحرا يغمر الناس بلا تمييز فى رحاب النغم الكونى، هربا من نفاق المؤسسة الزواجية غير حرية نقيب الأشراف المتجاوز غرائزه طالبا المغفرة. وسجن السلطة الذى يكبل المفتى، غير سجن القهر الذى هتك عرض وردة وهى بعد طفلة، وحب الخادم والخادمة (البسيط البرئ)، لا يصح أن يؤخذ باعتباره النموذج الأوحد للحب، أو أنه الإشارة الحقيقية، فكل الإشارات حقيقية وتجليات الحب المتنوعة فى المسرحية قد تجاوزت كل استقطاب أو اختزال، كذلك ظهرت تجليات الفضيلة بتقاسيم مختلفة فمتى نستطيع أن نحذق تلقى الإشارات، وأن نحسن توجيه التحولات، بدلا من الإصرار على استعمال قاموس الترجمة الفورية إلى الفضيلة التى نعرفها دون سواها، أو إلى البراءة التى لم تختبر؟