نشرت فى الدستور
20/8/1997
الإشارات والتحولات: مصرية
ذهبت إلى مسرح الهناجر لأشاهد إشارات وتحولات ونوس بأعين مصرية، ذهبت ويدى على قلبى، خائفا أن أخرج مكسور الخاطر، لكن الله سلم، خرجت مليئا أيضا، حامدا شاكرا داعيا آملا أن تتاح لى فرصة ألا أكتم الشهادة، وهأنذا أستغل عمودالتعتعة فى الدستور لأعلن ما يلى:
إنه كان ثمة فرق بين الرؤية المصرية، والرؤية اللبنانية، ومن ثم العرضين، وإن هذا الفرق لا يصح أن يتناول بسطحية تذكرنى بدرس الابتدائى “مناظرة بين الحاكى و المذياع”، بل إنى شعرت أن كلا العملين يكمل أحدهما الآخر، رغم الاختلاف أو بسببه، وفى نهاية المطاف هما يبلغان نفس الرسالة التى تمنى ونوس أن يبلغنا إياها قبل رحيله والتى تقول: إن الجمود مستحيل، وإن من يغفل الإشارة لا يتحول، ومن لا يتحول هو كائن لم يوجد، وإن التحولات ليست دائما إيجابية أو سلبية، لكنها دائما ضرورية، وإن الإشارات ليست دائما نازلة من فوق إلى تحت، ولكنها تأتى من كل اتجاه إلى أى اتجاه، وإن مسئوليتنا تبدأ بعد التحول فى محاولة ضبط الاتجاه بعد اختباره، وليس فى فرض الاتجاه حسب ما نتصوره مسبقا ، وإن القيم التى تبدو واحدة هى تجليات متحركة دالة، ربما للشيء ونقيضه، لا تـفهم حقيقتها إلا فى سياقها.
ولكن مالذى جعل النص الواحد يحضر هكذا إيجابيا فى وعينا من خلال إتقان هؤلاء المبدعين على اختلافهم؟ أهى جودته واختراقه ؟ أهى نضارة الوعى أم قدرة الإبداع؟ ولماذا يستمر هذا العرض الرائع بضعة أسابيع ويمتد أسبوعا “بالعافية ” فى حين يستمر بهلول فى استنبول عدة أعوام؟
المشكلة العامة التى ذكرتنى بها فرحتى بالمصريين فى الهناجر، الذين شرفت بهم وقد نجحوا بدرجة امتيازمع مرتبة الشرف دارت حول تساؤلات حول علاقة النص بآثاره: هل النص الإبداعى هو نتاج ممارسة عملية تفرزه فيحددها، أم أن النص هو رؤية مسبقة ملهمة تعيد صياغة الحياة من خلال قدرتها ومصداقيتها وتلاؤمها مع مرحلة بذاتها؟ وبالتالى: مالذى ينقصنا نحن المصريين الآن؟ فى هذه الفترة الخطيرة من “تحولنا” ، هلى ينقصنا نص جيد؟ لقد تصور مثل ذلك عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل، فوضعوا “الميثاق”، فتحول إلى موضوع إنشاء جميل يستعمل من الظاهر، وهو مطوى فى ورق شفاف، لا أحد يريد أن يفهم قول السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، وأنه حتى النص الإلهى المقدس قد وصل ويصل إلى الناس حين أصبح ويصبح خلقا يمشى على الأرض.
إن المسرح بداهة ليس منبرا للوعظ، ولا هو درس فى التاريخ، هو “تعتعة “جماعية، هو تحريك الساكن، هو إفاقة المنوم، أكثر منه تطهير الوعى (أرسطو)، أو تفريغ الداخل (فرويد).
وفى العدد القادم سوف أجتهد أن أقدم رأيا متواضعا لبعض الفروق والتكامل بين رؤية نضال الأشقر وحسن الوزير، مارا – فى أدب- بقراءة صافيناز كاظم ود.على الراعى مشيرا فى حياء مصطنع إلى غيرهم، وربنا يستر.