نبذة: التأكيد على أن معايير التغير ليست بالضرورة فى الأحداث الكبيرة ودلالاتها إيجابيا أو سلبيا، وإنما هو النتاج الكيفى لتراكمات الأحداث الصغيرة طول الوقت مع إشارة هامة لنكسة يونيو، وإنكار الهزيمة، واستمرار العمى، والدهشة المشلَّه، والغيبوبة ….. كل ذلك يشير إلى أنه علامات للتغيير الحقيقى.
الأهرام:19-5-2003
الأشياء الصغيرة وتراكم التغيير
لم تكن تمر على نشره أخبار واحدة من لندن بالذات، خاصة وأنا أقود سيارتي، إلا واستمعت على الأقل إلى مقدمتها، كاد ذلك يمثل لى إشكالا حقيقيا مع زوجتى التى تأمل أحيانا فى أن انتبهالى أنها بجوارى بقدر انتباهى الى دماء الشهداء وقهر الطغاه هنا وهناك. منذ اكثر من شهر، لم اعد استمع لا إلى أذاعه لندن ولا الى اى أذاعة. اكتفى بتصفح الصحف مرغما. لا اعتبر ذلك انسحابا، تصورت اننى أحافظ بذلك على بعض ما تبقى من مشاعرى التى كادت تتبلد من تكرار عرض الالام وعد الضحايا وكانها حاله الطقس اليوم او اسعار العملات. لا افرح بالانسحاب ولا أدعو له، دافعت عن اللامبالاة التى يتهم بها المصريون- فى ردى أخيرا على صحفى شاب- باعتبارها نوعا من العصيان العاطفي( قياسا على العصيان المدني) لإعلان رفض الاستدراج الى مشاعر بلا فاعلية.
أقرا الصحف الان بطريقه اخري، لا اهتم بالصفحات الاولي، ولا بالعناوين الكبيرة- ابحث عن تغيير حقيقى فى الأخبار الصغيرة، والإعلانات المبوبة، وأحيانا الحوادث. القضايا والاراء تشدنى أحيانا، لكننى لا اكمل بعضها الا بجهد جهيد.
لا اعتبر ما تقدم من الامور الشخصيه تماما، أتصور- املا- ان مشاعر الناس تتحول الان بشكل او باخر لتواجه الاحداث الجاريه كما ينبغي.
الكوارث الكبيرة، قبل وبعد ضحاياها، هى إنذارات داله على مسار التطور. التغيير الحقيقى الذى اتوقعه حتمى وجذري، هو يبدا باشياء متناهيه فى الصغر( وربما فى التفاهة)، لكنه يتراكم ليعنى شيئا، ثم يتراكم ليصنع اشياء. قد يكون التغيير فى حده النظر، او طريقه القراءه، او مذاق الطعام. المذاق المر الذى ملا كل تجويف حلقى وامتد حتى البلعوم يوم8 يونيو1967 مازال يعاودنى كلما بصق احدهم على وعيى بقنابله او تصريحاته( هلوسه؟؟ ربما!!)، ما يغمرنى الآن هو شئ لزج بلا معالم، كانى الوك نشاره خشب فى سائل بلا قوام. حين قرات تصريح بوش وهو ينصح فرنسا والمانيا ان تتعلما من الدرس الفائت فلا تعودان الى الاعتراض على اى من اقتراحاته فى مجلس الأمن، أحسست اكثر بلزوجه عقم المذاق حتى الغثيان.
افتقد التغيير حولى فى كل شئ فى التصريحات ونتائج كره القدم، وكتب المسئولين، ونقدها، وبراويز الوفيات، واغانى محطه دريم. أستطيع ان اوجز ما يجرى حولي( دون تعميم مطلق) فى احد مشهدين( وذلك بعد استبعاد نكات الصحاف): واحد فاتح فاه مشدوها يقول ياخبر!! اهكذا؟ إلى هذه الدرجة؟، وظل فمه مفتوحا حتى كتابه هذه السطور. والاخر يقف ضاربا تعظيم سلام لشخص مجهول وهو يقول له تمام يا افندم.( اضيف مشهد ثالث بعد حادث الرياض يقول لهم: أخطاتم الهدف، كما خاب التبرير!!!!)
أنا لا احلم بشئ كبير. لا اقصد اى تغيير وزارى او زعم تغيير مناهج التعليم، او مناقشات اكثر جديده حول موائد المؤتمرات المسماه علميه، لا أتصور ان ايا من ذلك يمكن أن يطمئنى ويزيل المرارة آو الغثيان، أتصور، او أرجو، أو أدعو الحق تعالي، ان يكون التغيير بحجم الكارثه الجاريه والكوارث القادمه بحجم الانذار والنذير معا، بحجم جريمتى العراق والرياض جميعا.
ليس معنى ان التغيير غير ظاهر أنه غير حادث. أن الكارثة أعم من العراق والرياض ونيويورك وبكين وكابول وموسكو. لكن تاريخ التطور علمنا ان الحياه أقوى من كل الدمار الذى يحيط بها، أو يحاك لها.