نشرة “الإنسان والتطور”
الأثنين: 15-4-2013
السنة السادسة
العدد: 2054
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (20)
علاقة هذا العلاج الجمعى بالفلسفة
مقدمة :
عبر أكثر من أربعين عاما من ممارستى العلاج الجمعى فى قصر العينى ساعدنى المستوى التعليمى والثقافى لكل هذه المجموعات أن أتأكد من أن الفلسفة ليست كما يتصور المثقفون والأكاديميون، بل هى معايشة كل إنسان من حيث هو إنسان لما هو وعى ووعى بالوعى، فهى ليست نشاطا عقليا كما شاع عن العقل، وقد ساعدتنى الألعاب النفسية بوجه خاص على كشف حركية ديالكتيك النمو من خلال التوليف الحيوى الماثل أمامى فى ممارستى محرّكا ومشاركا، كما اتضح لى أكثر فأكثر أن مفهوم “فعل الفلسفة” يتجلى من خلال التركيز على قاعدة “هنا والآن”.
…. عرفت الفلسفة من ممارسة مهنتى ووصلت إٍلى بعض مسائلها مواجهةً، ومحاولة حلٍّ من خلال تحدِّى مرضاى وهم يقذفون فى وجهى بمشاكل الوجود والصيرورة وأنا لا أجرؤ أن أسمى هذا أو ذاك بالعرَض الشائع “أفكار شبه فلسفية” Pseudo-philosophical thoughts وهو ما يسارع صغار المتدربين والزملاء إلى لصقه على المريض بمجرد ألا يفهم ما يقوله المريض، (وكذا، ربما زملائى كبار التقليديون)، وأسال الزميل الأصغر عادة: وهل انت تعرف الفلسفة حتى تعرف ما يشبهها؟!!
إشكالة تعريف الفلسفة:
– هل هى الحكمة؟ أم حب الحكمة؟
– وهل هى دراسة المعارف؟ أم أصل المعارف؟
– وهل هى علم الوجود؟ أم علم الموجودات أم ليست علماً أصلا؟
– وهل هى دراسة منظومات القيم؟ أم دراسة النسق الفكرى المتكامل؟ أم هى النشاط العقلى ذاته؟
– وهل هى معرفة الواقع؟ أم ما هو ليس واقع لكنه واقع؟
الفلسفة غير التفلسف، وعالم الفلسفة، غير دارس الفلسفة، غير الفيلسوف، كما أن كل ما يمكن أن نتعلمه ونعلمة هو علم الفلسفة، وأحيانا التفلسف وليست الفلسفة، وبالتالى فالذى قد يصعب علينا هو التفلسف أما الذى تخيفنا معايشته فهو الفلسفة.
إن قول أحد الوضعين المنطقيين مؤخراً “.. إن الجمع بين العلم والفلسفة أصبح ضرورة لا غنى عنها، وأن الفصل الذى تم بينهما فى غضون القرن التاسع عشر كان له أسوأ النتائج على العلم والفلسفة على السواء” هو قول يصدق أكثر جدا على علمنا هذا. (الطب النفسى إذا سُمِّى “علما” تجاوزاً)، وهو يصدق أكثر على هذه الخبرة التى تسمى العلاج الجمعى .
من خلال هذه الممارسة اكتشفت أن الفلسفة هى ممارسة أساساً، ثم يأتى التنظير بعد ذلك (أو لا يأتى)، تماما كما ذكرت بالنسبة للمنهج الذى أرى أنه الأقرب إلى ما نمارسه، وبغير احتمال شجاعة هذه الممارسة فإننا إنما نقوم بعملية عكسية غالبا: هى وأد كل محاولة تجديد مقتحم، لا تنطبق عليه شروط السوق المعروضة.
إن الفلسفة برغم ما شاع بين الناس وكيف أنها تبدو من أكثر المجالات حاجة إلى التخصص والموسوعية، إلا أن من المعروف أن أسئلة الطفال هى هى أسئلة الفلاسفة، دع جانبا الإجابات الآن، ولكل واحد منا موقف فلسفى تحت جلده وهو لا يدرى غالبا.
يوجد بين الأطباء النفسيين ظاهرة تسمى “رهاب الفلسفة”، إذا قد تعتريهم أعراض حساسية أو أتونوميه بمجرد سماع الكلمة مع أنه توجد شعبة فى الجمعية البريطانية الملكية للطب النفسى اسمها ”الفلسفة -علم النفس- الطب النفسى“ P.P.P Psychiatry – Psychology& Philosophy وقد كنت عضوا فيها إلا أننى لم أشترك فى أى نشاط لأسباب خاصة، حتى استغنوا عنى غالبا.
اجتهاد:
فيا ترى هل أستطيع أن أضع معالم لما أعنيه – هنا على الأقل – بهذا اللفظ “الفلسفة”، دون طمع أن يصل إلى مستوى “التعريف” فأقول:
“الفلسفة هى المحاولة المستمرة المتجددة ، للحياة المغامرة فى اتجاه معين، فى لحظة ما … مع قبول مبدأ تغيّر هذا الاتجاه دائما مع استمرار المحاولة..والتعلم والنقد لإعادة التشكيل، وقد يصحب ذلك درجة من التنظير المعرفى أو لا يصحبها، لكن هذه المحاولة تتصف تقريبا دائما بالعمل الدائب فى منطقة حركية المتناقضات فى تنشيط جدلى واعد بولاف متصاعد، أى نمو مضطرد”
ثم إنى حين أعدت النظر فى هذا التوصيف الشامل خجلت لأننى وجدت أننى لا اصف الفلسفة، بل الحياة النابضة للإنسان النامى حالة كونه متناه يسعى إلى اللا متناه،مستعملا فى ذلك مكاسبه التطورية وخاصة الرمز والتجريد والإبداع، فى رحلة وجودية صيرورية معرفية مغامرة.
ما هذا ؟ هل أنا أشرح نفسى أم أزيد ألامور تعقيدا؟ وما علاقة ذلك بالطب النفسى، وما علاقته بالبيولوجى؟ وما علاقته بالعلاج الجمعى؟
الفلسفة ليست نقيض البيولوجى
أعيش على أمل أن يتفلسف الأطباء وهم يخطون خطواتهم المتواضعة فى الحياة اليومية العملية وهم يمارسون مهنتهم بمعارفهم العضوية الثرية من كيمياء وطبيعة وفسيولوجى . .، فيتعرفون على علم الحياة Bio- Logy فى عمق وحدته الأولية، كما آمل فى نفس الوقت أن يخوض الفلاسفة دنيا البيولوجى فى غير تردد، وقد فعلها منهم الكتيرون وأثروا معارفنا الطبيعية والرياضية بلا حدود، هل فى هذا الأمل بعض ما كان يعينه أبو الأطباء “أبو قراط” حين قال: “إن ما يصلح للطب يصلح للفسلفة، وما يصلح للفسلفة يصلح للطبيب، والطبيب الفيلسوف هو فى منزلة الآلهة”؟
- أغلب الفلاسفة عبر القرون كانوا يحلمون بمعمل للأفكار: يختبرون فيه أفكارهم ويتحققون منها ثم يُوَلِّدون غيرها ما أمكن، كما أن بعضهم قد زاد طموحه حتى تصوّر أن هذا المعمل هو الحياة العامة – والسياسية بالذات، مثل حلم أفلاطون بالملك الفيلسوف (ومحاولاته الفاشلة!!) وكذلك محاولات الماركسيين بعد ذلك …وأعتقد أن هذ الحلم ظل أيضا يراود الفلاسفة من بيكون إلى الوضعين المنطقيين، إلى غيرهم، ولعل فى هذا وحده دليل على إلحاح هذا الخيال، فهل يا ترى ما زال هذا الحلم قابلا للتطبيق، وكيف؟
يبدوا أن الفلسفة باعتبارها ممارسة نوعية لحياة بشرية نشطة ورائدة، إنما تتجلى فى رحلات أفراد ومجموعات صغيرة ، برغم أنها تغرى بأنها أسلوب قابل للتعميم من خلال مناهج وبرامج جماعية مختلفة، لكن التاريخ والواقع يحذران من هذا التعميم، كذلك فإن محاولات التطبيق فالإحباط ينبهان أن ثمَّ خطأ فى هذا الحلم الضاغط، فتظل الفلسفة هى البرنامج الحيوى الأقرب لكشف الطبيعة البشرية فى حدود الأفراد والمجموعات الصغيرة، مع إتاحة الفرصة لاستلهام معطياتها ببرامج أخرى لأغراض أخرى، ومن بين هذه المجالات المحدودة، اكتشف أن العلاج الجمعى – كما نمارسه – يمكن أن يكون إحداها.
العلاج الجمعى والفلسفة
فى السنوات الأولى لممارستى هذا العلاج الجمعى فى “قصر العينى” خيل إِلىّ أحيانا أنى فى معمل لاختبار الأفكار كما كان بعضهم يصور الفلسفة، ثم تطور تصورى إلى أنه ليس معملاً لاختبار الأفكار فحسب بل إنه مصنع أيضا لتوليد أفكار جديدة، ثم إنه أيضا مجال عملى لاختبار فاعلية هذه الأفكار فى التغيير، لكننى مؤخرا وبعد دخولى إلى مرحلة التعرف على محيط الإدراك، وقنوات المعرفة الأخرى، تجاوزت التركيز على ما هو “أفكار” إلى النظر فى حركية الوعى، ومعرفية الإدراك، وتجليات الإبداع فى واقع الممارسة أساسا، ولم تغب عنى معالم “فعل الفلسفة” فى كل ذلك أبدا.
العلاج الجمعى ليس حقل تجارب لأفكار أو مسيرة مجموعة من البشر
القضية التى أتناولها من خلال ممارساتى هذا العلاج هى قضية كيانية تتعلق بالوجود وجوهره، حتى أننى اتجهت فى مرحلة من تفكيرى (حيرة طبيب نفسى) إلى تصنيف الأمراض النفسية إلى أمراض كيانية (وهى مركز اهتمامى) وأمراض تكيفيه (وهى على هامش انتباهى…)، والعلاقة بين النوعين وثيقة مما لا مجال لتفصيله هنا حالا.
قضية الوجود قبل الماهية تعتبر تأكيداً للاختيار، وأن الانسان صانع نفسه، ولكنى قد أشرت فى نشرة سابقة (نشرة 24-5-2011 “العلاج الجمعى والفلسفة”)،(وخاصة فى مناقشة مدرسة “العلاقة بالآخر”) إلى أنى أضع الماهية الكامنة بدءًا من الإرث الجينى، والتاريخ الحيوى، أساساً لما يحدث فيما بعد، وكأن الوجود يحور الماهية بشكل محدود حسب فرص تفاعله فى المكان والزمان معاً، ولكنه لا يصنع الماهية ابتداء، ومن هنا جاء تركيزى على أن قضية الوجود البشرى ليست هى “تكون أو لا تكون” To be or not to be ولكنها مسار الصيرورة “أن تكون أو تصير” To be or to become، علما بأن الصيرورة لا تحل محل ضرورة تحقيق الوجود أولا، ولكنها تنطلق منه.
ثم ماذا بعد:
ثـَمَّ تساؤلات لا بد أن تطرح الآن قبل الدخول فى صلب التخصص.
أين العلاج النفسى الجمعى من كل هذا؟.
ألا يشوه هذا التنظير مسيرة العلاج النفسى ويخرجه عن هدفه، أو يفرض عليه ما ليس له؟
وللرد على ذلك أجتهد فأقول:
1- إٍن هذه المشاكل الكيانية والصيرورية موجوده عند الشخص العادى، وهى ليست مشكلة خاصة بالمختصين فى الفلسفة، إنها طبيعة النمو، وحركية الوعى البشرى لا أكثر ولا أقل.
2- إن المرض النفسى هو المظهر الطبنفسى لإعلان الفشل (المؤقت أو المضطرد) فى هذه المواجهة العنيفة غير المحسوبة، مع هذه المشاكل الحية التى يعيشها الإنسان بغض النظر عن مدى وعيه بها، أو قدرته على تسميتها، أو نجاحه فى التعبير عنها.
3- إنه بحسب درجة الوعى ونوع اللغة المستعملة تكون الممارسة التى هى هى الفلسفة دون أن تسمى كذلك (وهذا أفضل).
4- إن وعى المعالج الجزئى والمتجدد بهذا الموقف، هو السبيل لإثارة وعى مقابل من جهة المرضى مما يساعد فى تحديد موقف مسئول تجاه ما فرضته الاستعدادت البيولوجية الأساسية لتتحرّك فى المجال المتاح، فى حدود فرص التفاعل مع المحيط بما يشمل الآخرين. (والمجال المتاح هنا هو “المجموعة العلاجية”).
5- لاحظنا أيضا أن مسيرة العلاج النابعة من المشاكل المطروحة وكذلك قواعد العلاج التى مارسناها، وحورناها، وابتدعنا غيرها، تتصل اتصالا مباشراً بمشاكل الفلسفة الحية، التى إذا كنا قد نجحنا فى الهرب منها فيما يسمى العلم، فإٍِن المرضى جاؤوا يذكّرونا بها من واقع مآسى وجودهم، ومدى تعرّيهم، وليس أمامنا إلا أن نواجه مسؤوليتنا تجاهها (دون تسميتها فلسفة)
6- إن الأعراض التى هى الدافع الأول لحضور المريض للاستشارة، تزول، ليس بالضرورة بالتركيز على إزالتها، وإنما كنتيجة “لاضطراد النمو” من واقع “تنشيط جدله” الذى هو “فعل الفلسفة“.
7- ليس مطلوبا من أى معالج (فى العلاج الجمعى خاصة) أن يتبع فلسفة بذاتها كما زعم “بيرلز” أنه يتبع الفلسفة الوجودية فى علاجه الجشتالتى الجمعى، مما لا يطابق الواقع تماما كما أشرنا فى حينه (نشرة الأحد: 31-3-2013 “علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى 2)، ولكن الذى يحدث هو أن المعالج يكتشف تلقائيا بعد تدريب وإشراف ووقت كاف، أنه يمارس فلسفته الخاصة دون تسميتها، وأنه مسؤول عن ذلك، وعن تغييرها كلما سنحت الفرصة من واقع تفاعله مع المرضى ونفسه ونتائجه، ثم يكتشف أن حركية النمو ونوعية النتائج هى التى تحدد المسار وليس محتويات المعتقد الذى يتصور أنه يعتقده.
بعض أوجه الشبه
مناهج الفلسفة ، خاصة فى الممارسات الأصلية والحوارات الشارحة، هى آليات لها أسماء وتوصيف لا تقل قواعدها إلزاما عن آليات ومناهج العلاج الجمعى، وفيما يلى مجرد إشارات إلى بعض ما يمكن أن تلتقى فيه هذه بتلك:
(1) يلاحظ المتتبع لكثير من الحوارات والتفاعل فى العلاج الجمعى ما يشبه مبدأ “التوليد” الذى اتبعه سقراط للوصول إلى الحقائق، وقد ظهرهذا جلياً فى رفض الإجابة على الأسئلة أحياناً، وقلبها جملا إخبارية أحياناً أخرى، وأيضا فى طرح أسئلة مقابلة بديلا عن الإجابة الجاهزة.
(2) يهدف العلاج عادة إِلى تأكيد افتراض أن لكل مشكلة جانبين يكادان يتساويان فى القوة فنتذكر فى هذا الصدد محاورة بارمنيدس حيث يقول أفلاطون “إن لكل مشكلة جانبين ويمكن الدفاع عن أيهما بمثل القوة التى ندافع بها عن الآخر”.
(3) يظهر مبدأ رفض الثرثرة والجدل العقلى (الدردشة) الذى ننبه إليه فى كل جلسة علاج جمعى تقريباً، وهو ما يقابل النقد الموجع للسفسطائيين عندما ذهب فكرهم إلى درجة أن أصبحت غاية التفكير هى الانتصارعلى الآخر وليس الوصول للحقيقة
(4) يتكرر فى العلاج الجمعى الهجوم على الموقف الحُكمى لأحد الأفراد على فرد آخر أو على الآخرين عموما، وفى ذلك ما يلامس مع الفارق الموقف الشاكّ لـ”بيرون” حين يؤكد أنه: لا مجال للحكم على شئ من حيث المبدأ؟
(5) لعل فى التأكيد على الحرية والاختيار والمسئولية ما يؤكد المبدأ الأساسى فى الفلسفة الوجودية وهو أن الوجود يخلق نفسه باستمرار، وأن الانسان هو حريته.
(6) إن محاولة الانتقال من الحب الفردى والعلاقة التكافلية المعطِّلة إِلى التأكيد على تنمية “القدرة على الحب” لكل من يستحقه (أو من لا يستحقه أحيانا) ما قد يشير إٍلى موقف أفلاطون من الحب، ذلك الموقف الذى أسئ فهمه أشد الإساءة. بزعم أنه “حب عذرى” أو “حب مثالى”..الخ .
(7) نلاحظ أنه باتباع مبدأ “أنا – أنت”، تسعى المجموعة فى إصرار إلى كسر التحوصل حول الذات بما يؤيد أن الوجود الفردى لابد له أن يتناسق مع الوجود العام، الأمر الذى ناقشه هيدجر تحت مفهوم “التواصل” و”ياسبرز” تحت مفهوم “الأنت”.
(8) إن فى التأكيد على ضرورة خوض تجربة – “هنا والآن”– حية كأساس للشفاء، أى الأساس للنمو والتغير، ما قد يلامس – من عمق معين– رأى جابرييل مارسيل فى ضرورة العودة إلى تلك “الخبرة الأولى”..
(9) تتكرر فى الجلسات محاولات الدعوة إلى التقاط الفرصة لبداية جديدة من تجربة حية، بما يشبه الرأى الوجودى فى مغامرة إظهار الضعف والاعتماد ، وربما يقابل ذلك هشاشة النفس عند ياسبرر أو تجربة سقوط الدفاعات القديمة قبل ظهور البديل أى الاقتراب من المأزق الذى ربما يقابل الغثيان عند سارتر.؟
(10) ربما يكون فى السماح المحسوب بالنكوص المحدود، فى دراما، أو لعبة، (وخاصة ما أشرنا إليه من حماسنا للذات الطفلية عند إريك بيرن فى بداية خبرتنا) ما يذكرنا بشكل ما باتجاه المدرسة الأبيقورية فى تقديس مبدأ اللذة.؟
(11) ثم إننا يمكن أن نستشعر ظهور مبدأ البراجماتية فى كثير من الأحيان، وذلك بالإصرار على إرجاع كل مسار العلاج إلى الواقع العملى، ومثال ذلك حين تُرفض البصيرة العقلانية، ويصر المعالج والمجموعة على الوصول إلى البصيرة الحقيقية التى تستقر فى القلب ويصدقها العمل…، وفى كل ذلك ما يؤكد المبدأ البراجماتى من أن الفكر غائىّ بطبيعته، وأن المعرفة لا ينبغى أن تكون إلا أداة فى خدمة العمل.؟
(12) وقد لاحظنا أنه فى محاولة تصعيد الإدراك لدى أفراد المجموعة من استقبال الآخرين والأشياء باعتبارهم “موضوعات ذاتية” إلى استقبالهم باعتبارهم “كيانات موضوعية”، ما يلقى بنا مباشرة فى خضم نظرية المعرفة Epistemology بأمواجها المتلاطمة بين المثالية والواقعية. إن تطور الإدراك من الذاتية إلى الموضوعية لا يتم فقط بالطريقة التى اقترحها “كانْت” فى مثاليته النقدية (التى لم أفهمها إِلا من خلال نظرية تنظيم “اعتمال” المعلومات) ولكنها أقرب ما تكون – أيضاً – إلى تصاعد مراتب الوعى عند هيجل فى ممارسة تجريبية عملية.. حية “هنا والآن”.
****
أما عن علاقة هذا العلاج بهيجل والديالكتيك – فسوف نفرد لها نشرة قادمة – بإذن الله.