نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 10-1-2016
السنة التاسعة
العدد: 3054
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية الفصل السابع:
ملف الاضطرابات الجامعة (22)
الواحدية والذات والجسد، ووظائف الأنا
أولوية المقابلة الإكلينيكية كأداة بحث
مقدمة
أنهيت نشرة أمس بمزيد من النظر فى رسالة الدكتوراة (أ.د. رفعت محفوظ 1981) بالتعريف بالمحكمين وعرض ما وصل إليه التقييم المبدئى لمصداقيتهم ومدى اتفاقهم بعد أن قامو بتقييم “وظائف الذات” لحالات البحث من الفصاميين، بحضور المقابلات الإكلينيكية معهم كاملة.
قام خمسة من المقوِّمـِين المؤهلين والأكثر خبرة (أربعة أطباء نفسيين وأخصائى نفسى كلينيكى واحد) كل على حدة، بتقييم المستوى الحالى لوظائف الأنا لكل مريض، وذلك على أساس المعلومات التى ظهرت – فى حضورهم- أثناء المقابلة المحددة مع المريض، واستخدموا فى ذلك قياسا من عشر درجات على بعد “تكيف – لا تكيف”، ولقد سُمِحَ للمقومين بتعديل درجاتهم إذا أرادوا ذلك، بعد مناقشة الدرجات المعطاة لكل مريض، كما أضاف بعض المقومين درجات أخرى على أساس الملاحظة الطويلة للمريض أثناء إقامته للعلاج بالمستشفى.
وبناء على التحليلات الإحصائية لمعطيات القياس (التقويم) فقد وصل الباحث إلى نتائج هامة، منها:
(1) ظهرت مستويات عالية من الاتفاق بين المقومين الخمسة، وقد اتضحت من الآتى:
(أ) معدل الثبات (الارتباط) لكل زوج من المقومين، كان مناسبا بدرجة دالة.
(ب) متوسط الاختلاف بين كل زوج من المقومين، كان ضئيلا بمستويات مدعما الاتفاق السابق بين المقومين الخمسة.
(2) أثبتت المناقشة التى كانت تعقد بعد تقييم كل حالة فائدتها بطرق مختلفة، وذلك بالرغم من أن معدل تغيير الدرجات كنتيجة لهذه المناقشات كان ضئيلا بالنسبة لمجموع القياسات.
(3) أظهر تقييم قياس أحد المقومين على أساس المقابلة بالمقارنة بقياسه على أساس الملاحظة الطويلة فرقا ذا دلالة إحصائية.
(4) وأخيرا، فقد اتضح أنه من الممكن أن تقارن نتائج هذا البحث مع النتائج المقابلة التى ظهرت فى البحث الذى أجراه بيلاك وزملاءه (1973)(1).
وبعد مناقشة هذه النتائج، خلص الباحث إلى الاستنتاجات التالية:
من ناحية عملية التقويم الكمى لوظائف الأنا، ومعدل ثباتها (درجة الاعتماد عليها) توصل البحث إلى ما يلى:
(أ) إنه من الممكن قياس وظائف الأنا كميا بواسطة الممارسين الإكلينيكيين المدربين (الأقدم منهم والأحدث فى الخبرة)، مع الحصول على درجات جيدة من الثبات والاتفاق.
(ب) التحيزات والاختلافات التى تمليها الخلفية النظرية وشخصية المقوِّم، وكذلك مدة الملاحظة وطبيعة السياق التى تجرى فيه، كلها تمثل عوامل هامة عند النظر فى درجة ثبات تقويم وظائف الأنا، ولكنها لا تبطل التقييم.
(جـ) كلما زاد الوعى بهذه العوامل، وكلما طالت خبرة المقوم مع التحسن فى نوعيتها، زادت درجة ثبات التقويم.
ولو أخدنا فى الاعتبار أنه لم يُستعمل “دليل لإعطاء الدرجات” فى هذه الدراسة، فإن ذلك قد يقودنا إلى اعتبار الممارسة الإكلينيكية “أداة بحث” صالحة، ويعتمد عليها فى ذاتها.
(وبعد 6/1/2016):
مرة أخرى أشير إلى ضرورة التحفظ على مدى المرونة واتساع مساحة السماح التى يمكن أن توصف بها مثل هذه الوسيلة، ويظل التحفظ قائما حتى مع كل هذه الاحتياطات الصعبْة.
بالرغم من كل ذلك فإن وضع الباحث نفسه كأداة بحث ضرورية من المنظور الفينومينولوجى لم يؤخذ فى الاعتبار بقدر كاف، مع أنه أساسىّ فى الخبرة والممارسة الإكلينيكية، فما بالك فى الاعتماد عليه فى بحث علمى، إن خبرة الباحث الإكلينيكى لا تقاس فقط بعدد السنين التى مارس فيها المهنة، وإنما بمدى عمق مشاركته كأداة بحث كجزء من التقييم، وعلى ذلك فلا مفر من صقلها وتدريبها بالإشراف والمتابعة والتعديل طول الوقت، وهذا ما بينْـتـُه تفصيلا منذ وقت باكر فى أطروحتى بعنوان: “الباحث: أداة البحث، وحقله..فى دراسة الطفولة، والجنون”، مع التذكرة بأن هذا البحث الذى نقدمه هنا أجـْرِىَ فى مجال “الجنون”: على فصاميين.
ثم أُنْهِى نشرة اليوم بتكرار قلقى من ترجمةِ لفظ Ego إلى “الأنا” (نشرة 2/1/2016) وما زلت أبحث عن بديل لذلك، وأيضا عن بديل لمصطلح “وظائف الأنا”.
هذا، وقد رجح عندى من جديد أن مفهوم “وظائف الأنا” هكذا لا يصلح اعتبارها دليلا على مدى ما يتمتع به الشخص من صحة نفسية، أو حتى كفاءة سلوكية عملية، كما أن طرق التقييم بما فى ذلك هذا التقييم الإكلينيكى المحكم، لا يمكن تعميمها للاعتماد عليها مع اختلاف الثقافات ووضع الفروق الفردية لكل المشاركين فى الاعتبار.
وقد خطرت لى أفكار كثيرة أثناء هذا النقد الذاتى (ضمناً)، كما صقلت مراجعة هذا البحث عدة فروض كنت قد أثبتُّ بعضها،
ثم عاودنى التساؤل عن مدى مشروعية أخد ما يسمى “وظائف الذات”، مهما اجتهدنا فى قياسها لتوصيف الصحة النفسية أو الكفاءة الشخصية فى ثقافتنا الخاصة جدا، والمختلفة فعلا؟
هذا ما أرجو أن أتناوله بعد استكمال النقد بالنظر فى منهج المقابلة الشارحة المساعدة لتقييم كل وظيفة على حدة، مع اضطرارى للرجوع إلى النشرات المفصلة التى جاءت فى أول هذا العمل عن طبيعة الصحة النفسية سواء فى حركتها الإيقاعحيوية (نشرة 2/11/2010) و(نشرة 3/11/2010) و(نشرة 1/12/2010) أو فى عصر المعلومات (نشرة 20/1/2008: “الصحة النفسية والتطور الفردى وعصر المعلومات”)
ثم آمل أن يفتح الله علينا ببديل عملىّ يتناسب مع ثقافتنا ما أمكن ذلك.
وإلى الأسبوع القادم، لعلنى أعثر على حل
مع دعوة لحوح للمشاركة بأى اقتراح
مع الشكر.
[1] – Bellak, L., Hurvich, M. and Gediman, H. (1973) Ego Functions in Schizophrenics, Neurotics, and Normals, New York – London: John Willey & Sons.