نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد : 11-10-2015
السنة التاسعة
العدد: 2963
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:
ملف اضطرابات الوعى (53)
نعمل حلم (12)
حلم “يحيى”
مقدمة:
* تعمدت أن أذكر الاسم بدون لقب، آملا أن يصل حلم المدرّب، وقائد المجموعة العلاجية، باعتباره “مجرد شخص مشارك” فى تجربة تحاول كشف الطبيعة البشرية قبل أية اعتبارات أخرى، لا اسم مرض، ولا لقب طبيب، ولا صفة وظيفة
* قام هذا المدرب بدور تلقائى قبل أن يأتى عليه الدور، ولا بد أن مـَنْ صاحبنا فى هذه النشرات المتتلية قد لاحظ بعض معالم دوره كما يلى:
1) تحريك الجماعة ككل لكى يقبلوا فكرة تعتبر غريبة، خاصة على الشخص العادى(أعنى أن يـُنـَشـَّطَ وعى الحلم أثناء اليقظة خلافا لما يسمى أحلام اليقظة).
2) حفز بعض أفراد المجموعة للتغلب على المقاومة، وخاصة فى بداية محاولاتهم
3) الدخول فى وعى حلم الذى يقوم بإبداع حلم،: إما بالسؤال او بالمشاركة، وكان السؤال يحمل أيضا نوعا من المشاركة فى كثير من الأحيان (راجع مثلا: حلم د.دينا نشرة: 21-9-2015 ).
4) كان كثيرا ما يلقـِّنُ المدرِّب بعض أفراد المجموعة كلمتـَىْ البداية: “أنا دلوقتى….” ثم يترك المشارك يكمل، وأحيانا يـُرْجـِعـُهُ ليبدأ من جديد إذا لم يفعل تلقائيا، أو نتيجة للتوجيه، فيعود المشارك إلى كلمتى البداية : “أنا دلوقتى….”
* سبق أن أشرنا أن المدرب يلعب آخر واحد حتى لا يؤثر فى تلقائية المشاركين خاصة لو تصور بعضهم أنه النموذج الذى ينبغى أن يقتدى به
وبعد
نص الحلم: كانت “رضا” آخر المشاركين قبل المدرب، وهى التى أعطته الكرة قائلة:
رضا: يا للا يا د. يحيى إنت اللى فاضل…..
د. يحيى:
(بعد فترة صمت ليست قصيرة وهو مطأطئ رأسه،…قال دون توقف):
“… طـِلـِعتْ صعبه يادينا، يخرب بيتك (ثم راح يشكل حلمه كما يلى):
أنا دلوقتى راكب فوق صبرى فى السما قال لى إبعد إنت تقيل، قلت له أبعـِد دا إيه! أنا جاى أركِّب لك جناح يامغفل، قالى ما أنا طاير من غير أجنحه، قلت له ما هو إنت لما تنزل حاتدشدش، فراح نازل من قبل ما أركـِّب له الأجنحه، وأنا لسه فوق لاقيتنى، إن أحنا حاندشدش إحنا الإثنين، راح أبويا طالع لى وقال لى: إنت ندل ولا معاك أجنحه ولا نيله، قلت له إمشى ياَ لَــَهْْ، فراح صبرى مختفى، فرحت نازل لقيتنى فى مدرسة رياض أطفال ولاقيت “الأبله” حلوه جيت أبصبص لها، العيال زفونى وقالوا يا راجل ياعجوز مناخيرك أد الكوز، رحت طالع لاقيت الدكتور محمد، رحت واخده على قفاه، وركبت القطر بتاع دينا راحت هى ناطـّه من الناحيه التانية، رحت طارد سارة وقلت لها بدال ما تشخى على نفسك إجرى إطلعى بره،
(قالها فجأة): بس خلاص .
التعقيب على استجابة “يحيى”:
* كنت أتمنى أن يعقب غيرى عليها، شريطة أن يكون حاضرا فى الجلسة، إذ لا تكفى القراءة لاستيعاب الجارى.
* لا أنا توقعت، ولا أحد توقع أن أجد صعوبة بعد كل هذه المساعدات والشرح التى بدأتُ بها وكأنى أعرف المطلوب والتفاصيل، أو كأنى – شخصيا – أستطيع أن أدخل إلى وعى الحلم بسهولة، وهذا ما ظهر لى وأنا أعلن شعورى بالصعوبة مبدئيا، لكن إعلان الصعوبة لم يحل دون الطلاقة الفورية.
* الاعتراف بفضل الزميلة المتدربة د.دينا فى استعمال تعبير “نعمل حلم” هو تأكيد على أن إبداع اللعبة، أو المسْرَحـَة، قد يأتى من أى فرد مشارك، وليس بالضرورة من القائد، يستوى فى ذلك المتدرب والمريض على حد سواء.
* بدا أن هذا الحلم يمثل إشارات متعددة تبيّن حركية تخليق الوعى الجمعى من تفاعل المجموعة، كما ظهر من الحلم – وقبله- وكيف أن قائد المجموعة يقوم بدور “الميسِّر”، فى العملية عموما، وقد ظهر ذلك فى حلمه وهو يربط بين معظم أحلام من سبقوه، مع إضافات مفاجئة، ونقلات سريعة، وكأنه مازال يعايش أحلامهم برغم أنهم أنهوها ، فاستحضرها هو من جديد داخل حلمه الخاص، وظل الأمر كذلك من أول الحلم (د. دينا والقطار) حتى قرب آخر التجربة: (د. محمد والعربة المتكررة الوقوف والخطر المصاحب).
* كانت أطول مشاركة أنهى بها حلمه حين انتقل إلى إكمال حلم صبرى : فترك نفسه يصعد معه، ويحاوره، وينصحه، ويعده، دون تنفيذ وعده، ربما لصدق ما نهره عنه أبوه حين ظهر فى الحلم، وشارك فى الوعى الجارى ..إلخ
* ظهور الوالد فجأة فى المقطع الذى يعرض فيه على صبرى (فى الحلم) تركيب أجنحة، وتعرية الوالد لاحتمال الكذب والخداع بدا بمثابة عودة الحالم إلى الطفولة التى تحتاج إلى كبح جماح شطحاتها التى تم تعريتها فى الحلم أيضا من والد مسئول موجِّه
* أما تعقيبى على ضربى زميلى المتدرب د. محمد، على قفاه فلا أجد لها تفسيرا اللهم إلا إن كان يعلن موقف المدرب الذى ينبه المتدرب إلى الانتباه إلى التخلص من غلبة التفكير الخيالى المسلسل كما ظهر نسبيا فى حلمه.
* أما موقفى من سارة فى الحلم فربما يشير إلى رغبتى فى تنبيهها إلى ما وصلت إليه من التمادى فى النكوص واستسهال الحصول على المكاسب الثانوية التى يقدمها المرض أو التطبيب السطحي فى مرحلة بذاتها.
* وأخيرا فإن نزوله فى روضة الأطفال قد يشير إلى تحرّك الطفل فيه، خاصة بعد ظهور والده وتعريته بألا يعد صبرى بما لا يملك.
* ثم ينتهى الحلم بالانتقال من هذا التحرك الطفلى، إلى العبث المراهقى وهو يهم بالغزل بالمدرّسة (ألأبلة) فى الروضة، فيسارع الأطفال بتجريسه وهم ينبهونه إلى كهولته: (يا راجل يا عجوز، مناخيرك قد الكوز …إلخ)
* وأخيرا فقد أنهى الحلم بنفس الطريقة المفاجئة “بس خلاص” .
تحديث تعقيبات من بريد الجمعة:
نظرا لأن هذا هو الحلم الأخير فى هذه التجربة، فإننى لم أكتف بالتقاط التعقيبات عليه، بل أضفت إليها بعض التعقيبات العامة – ربما سبق ذكرها – تمهيدا للخلاصة الشاملة غدا بإذن الله.
أ.منى أحمد
– حلمك يا د. يحيى رائع، وفيه بجدّ فكرة وحاجة مش عارفة أوصفها.
بس كان بعيد عن توقعاتى خالص.
د. يحيى:
وعن توقعاتى أنا أيضا
د. عادل محمد العجوانى
فى حلم سيادتكم قلت: “راكب فوق صبرى” فى الحلم كيف كان شكله؟ وهل قال لك أنه صبرى أم عرفت كده – مش عارف إزاى- إنه صبرى”.
د. يحيى:
يبدوا يا عادل يا إبنى أنك نسيت أنه تشكيل تلقائى فى وعى مختلف عن وعى اليقظة، وفى نفس الوقت ليس وعى النوم، وبالتالى هو ليس مقابلة حوارية تحتاج للتفسير والتعرّف قبل تلقائية الحركة والنقلات.
د. عادل محمد العجوانى
كلمة “بس خلاص” نهاية حادة، الأحلام تكون بلا نهاية حادة أو بداية حادة.
د. يحيى:
لست أدرى من أين لك بهذه القواعد الحاسمة، (وهى من بين القواعد الأخرى التى جاءت أيضا فى تعقيبك نشرة : 1-10-2010 اخترت هذه القاعدة كمثال)، بالله عليك: كيف يكون الحلم حلما، أو الإبداع إبداعا إذا اتبع رؤيتك المنظمة له بهذا الحسم، وحتى لو لم تكن رؤيتك، فأرجوا أن تبلغ من قالها لك أو قرأتها عنه تساؤلاتى هذه . شكرا.
د. ميلاد خليفة
حلم جميل أعتقد أننى أستطيع عمله بسهولة وقد حاولت بالفعل، بل وأشعر بفرحة وراحة وأنا أمارسه … لكن ما الهدف من ذلك؟ هل هو نوع من التفريغ النفسى؟
د. يحيى:
تفريغ ماذا يا رجل؟ إنه تشكيل أقرب إلى خلق صور وإيقاعات وعلاقات جديدة ، وهو بذلك طبيعة بشرية كما يقول الفرض الذى نحاول اختباره ونحن نقلبه لنثبت أن كل البشر مبدعون بالضرورة.
د. أسامة فيكتور
…………. أنا حطيت نفسى مكان أى واحد فى الجروب معاكم، فلقيت انها صعبة وفكرت أكتر فلقيت احتمال إنى كنت أعملها بتلقائية وتطلع كويسة
د. يحيى:
فى خبرتى، فإن كل من أعلن صعوبتها – كما لابد أنك لاحظت فى معظم المحاولات- عملها بتلقائية بعد إعلان الصعوبة، فأنت على حق، وأدعوك أن تجرب.، وسوف تصدقنى، تصدقنا، “تطلع كويسة” كما قلت.
أ. عبير رجب
أنا مش معاك قوى إننا بنألف أحلامنا، بس افتكر أنى لما بأحب أحكى الحلم بتاعى أول ما بأصحى من النوم بأقوله زى ماشفته بالضبط بس ممكن ألاقى نفسى بـَأَلِّفْ جزء صغير فيه، ولا ده ممكن يكون معناه إن الحلم كله متألف … مش عارفه.
د. يحيى:
لقد كررت تعقيبك يا عبير لأنه شديد الدلالة، فهذه الملاحظات التلقائية الصادقة، تدعم الفرض لا تهزه، وأنتِ بدأت بالنفى النسبى والحذر من الموافقة الكاملة، لكن ما أضفتيه بعد ذلك هو كل ما أنتظره للمضى فى البحث وتطويرالفرض من خلال التجريب والحوار جميعا
شكرا بجد ، وأبلغُ ما أنهيت به تعليقك هو هذا الموقف المعرفى الممتاز” مشر عارفة” شكرا.
د. مدحت منصور
أذكر أننى كنت فى طفولتى أصنع حلما باستخدام اللعب الخشبية والبلاستيكية ولم أكن أتخيل وهناك فرق أننى كنت أعيش داخل الحدث وأسترسل كما استرسلتم فى الحلم إلى أن أصنع نهاية وأحيانا، لا أصنع حين يستبد بى التعب وقد كانت الوحدة أساسية لأصنع أحلاما كى لا أشعر بمرارة الوحدة، وحين مرضت نفسيا أظن أن نفس الشئ صنعته حلما ولم أستخدم لعب بل استخدمت ما حولى من عناصر محيطة, لذلك لم أدهش من التجربة ومن السهل على أن أصنع عشرات الأحلام لا الخيالات
د. يحيى:
ياه يا مدحت!! ما أصدقك وأبلغ تعليقك، فرحت بك فى تفريقك – منذ أن بدأتَ الإبداع طفلا – بين أن تعيش داخل فعل الإبداع وبين الخيال، وأنت تقرر بنص كلامك: “أصنع عشرات الأحلام لا الخيالات“.
وقد أضفتَ لنا أن “أعمل حلم” يمكن أن يكون مَسْرِحَة لها سيناريو وشخوص،
ثم إنك ذكّرتنى بروعة ما تقدمه مجلة ميكى، وبعض روائع أفلام أو برامج كارتون الأطفال التى تحترم حركية وعى الأطفال لا تفرض عليهم خيالات سطحية أخلاقية وعظية طول الوقت.
أشكرك وبارك الله فيك.
وغدا نقدم أصل الفكرة وتسلسل نشأة الفرض.